يختار بائعو الحلويات والأطعمة السريعة أماكن تواجدهم بحيث تكون قرب المدارس، وعادة ما يقتنصون فرصة خروج (الحلة) الطلبة لعرض بضاعتهم من خلال أساليب الترغيب والدعاية التي هي عبارة عن مجموعة أغانٍ وعبارات المديح التي تحبب بهذه البضاعة من غيرها. عشرة فلوس كافية لتغميس نصف (صمونة)...
يختار بائعو الحلويات والأطعمة السريعة أماكن تواجدهم بحيث تكون قرب المدارس، وعادة ما يقتنصون فرصة خروج (الحلة) الطلبة لعرض بضاعتهم من خلال أساليب الترغيب والدعاية التي هي عبارة عن مجموعة أغانٍ وعبارات المديح التي تحبب بهذه البضاعة من غيرها.
عشرة فلوس كافية لتغميس نصف (صمونة) في علبة (العمبة) من (أبو كريم) حتى يسل منها هذا السائل الأصفر ليتم تدارك الموقف من لعق اكبر قدر منه قبل أن يسقط على الملابس المدرسية البيضاء، عندها تكون عقوبة هذا التهور توبيخ الأم، وقرص الأذن للحيلولة دون تكرار هذا العمل مرة أخرى. يحاول بعضهم إخفاء آثار الجريمة، ولكن اللون الأصفر، ورائحة البهارات التي تفوح من الفم تكشف الأمر، وتجعل الأمهات يوبخن الطلبة الذين يحاولون تكرار هذا العمل رغم فيتو الأم.
وقد تستهوي بعض الطلبة (العسلية) الحمراء هي موزعة على شكل هلال في (صينة) الطحين، وتكفي خمس فلوس للعق واحدة منها. أما (أبو المكاوية) فهو الآخر وجد في (حلة) المدارس فرصته الذهبية لبيع أكبر قدر منها بعد أن جعل صينيه تستراح من على رأسه على كرسي خشبي متقاطع، وهو ينش عنها الذباب الذي جذبته مذاقها الحلو، مناديا بأعلى صوته "مكاوية ياولد، طيب وحار ياولد" علما أن اغلب زبائنه من البنات، ولكن لغة الغلبة هي السائدة في الأغاني والدعاية.
وأكثر ما يثر فضول الطلبة (أبو بيض اللكلك) هو تأبط (زمبيلا) مغطى بغطاءٍ ابيضٍ كأنه كنز قارون. وتذوب هذه المادة بمجرد ملامسة الفم، ولكن يمكن مسح ما تبقى من حبات السكر الباقية من خلال لعقها بواسطة اللسان، وتحريكه يميناً ويساراً ليأخذ حريته في ملاعبة بقايا الحلوى. اللسان هو الآخر يصبغ بلون (بيض اللكلك).
ولعل أكثر ما يثير الجميع حركات عباس بائع (الدوردنمة) الخفيفة، وهو يحرك قدرهُ النحاسي نصف دائرة، راشاً بين الفينة والأخرى كمية من الملح. يستعرض عباس خفة يده هو يضع كمية من هذه المرطبات في قطعة بسكويت مخروطي الشكل (أبو الكبوس) التي يتسابق لخطفها الكبار قبل الصغار، وهم يجتمعون حول عربته الخشبية محاولين طرد حرارة الصيف.
ويلجأ اغلب الأطفال في أوقات ارتفاع درجات الحرارة إلى (أبو جيس) ليطفئ ظمأ القلوب، أحياناً يعمد بعض الأطفال إلى تكسير (أبو جيس)، وضربه بالحائط كي يكون طرياً هشاً يمكن مصه بسهولة، والبعض الآخر يعمد إلى بقائه على حاله حتى يصمد للمسافة من المدرسة إلى البيت، وعادة ما يكون (أبو جيس) مصنوعاً من اللبن أو مواد صبعية ملون توضع في كيس بلاستيكي صغير ثم يجمد.
يعد (أبو عالوجة) من أصدقاء الأطفال المفضلين، فهم يحاولون مطاوعة هذا المادة الحلوى الصفراء التي كأنها المطاط، والمنتصر في هذه المعركة هم الأطفال والبائع الذي غايته بيع اكبر قدر ممكن منها. ورغم وجود الكثير من الحلويات (الجكليت، النستلة، تشبس)، ولكن الأطفال يفضلون دائما النوع المحلي حيث يعرفون صُناعها، وتربطهم علاقات صداقة لدرجة أن بعض الباعة ينادون زبائنهن بأسمائهم "هذه لحمودي الورد، وهذه لمريومة الحلوة" وهكذا.
وقد يسود هذه العلاقة بعض التوتر عندما يردد احد الأطفال "بروح أمك زودنه شويه"، لان هذه العبارة هي عملية قدح بمكيال البائع وعدالته في وضع المقايس، وربما أن فُتح هذا الباب قد تكون له مطالبات أخرى وهكذا، وهم (باب الله). ولا تحظى اغلب هذا التوسلات والمناشدات طريقها إلى أذن البائع الذي يظن أنه أعطى كل طفل استحقاقه، وكل حسب كمية نقوده.
تسود عملية البيع منافسة شريفة، فكل يعرضه بضاعته أمام الأطفال، وهم من يقرر الشراء، ربما يحاول احدهم مدح بضاعته عن سواها، ولكنه لا يطعن بأقرانه الآخرين، لان اغلب الباعة ينتمون إلى منطقة واحدة ويعرف بعضهم بعضاً، وتربطهم علاقات اجتماعية قوية.
عند انتهاء موسم الدراسة يختار الباعة أماكن لتواجدهم في ساحات كرة القدم أو أركان الفروع، وهم ينتقلون من مكان لآخر كل حسب وسيلة نقله. فهناك من يضع بضاعته على رأسه، وآخر يدفعها بواسطة العربة، وفي حين يضعها آخر في (جنبر) يربطه بحزام من القماش حول رقبته، وأخر يتأبطها كالكنز الثمين.
اضف تعليق