ما نُريد قوله من خلال أثارة هذا الموضوع لفت النظر الى بعض المفاهيم والسلوكيات الاجتماعية الخاطئة، فما نعانيه اليوم من تدهور لمنظومة القيم الاجتماعية، والثقافية، وحتى السياسية، أنما هي إفرازات لذلك الخلل البنيوي الاجتماعي والقيمي الذي ضرب بقوة مفاصل مهمة من ثوابت المجتمع العراقي...
من المعروف ان لكل مجتمعٍ مجموعة من القيم التي يعتقد بها، وعادةً ما تشير هذه القيم الى المُـثل العليا التي يتبناها هذا المجتمع. وتوصف القيم من قبل المعنيين بالتحولات الاجتماعية، بأنها المعايير العامة التي تُشكل في مُجملها النظام الاجتماعي، والنسق الثقافي، والإطار الأخلاقي للمجتمع، فضلاً عن كونها اعتقادات راسخة في النفوس والعقول، وهي بذلك تمدنا بفهم الخلفية الفكرية التي توجه الناس في حياتهم وتضبط الأنشطة التي يقومون بها.
وقد تتغير المنظومة القيمية لأي مجتمع، ولكن بشكل تدريجي بحيث لا يشعر بها أفراد المجتمع أنفسهم، وخصوصاً في المجتمعات التي تمتلك الإرث الحضاري والمخزون الثقافي والروحي. ونعتقد ان هذا التوصيف القيمي ليس ببعيد عن حالة المجتمع العراقي، بكل ما يمثله من قيم عليا عـُـرف بها عبر تاريخه الطويل.
ولكن هذ المجتمع وبفعل ما مرّ به من كوارث ومحن، وأزمات متتالية، قد تعرض الى هزات عنيفة، قيمية، واجتماعية، وثقافية، أثرت وبشكل مؤذي على البنية الاجتماعية لمفاصل المجتمع، وذلك عندما تحولت تلك المحن والأزمات الى مصنع لتفريخ الأزمات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية.
وعلى الرغم من حدة هذه الصدمات إلا انها لم تصل الى حد الانهيار القيمي كما يعتقد البعض، حيث بقي المجتمع العراقي محافظاً على الكثير من الثوابت والقيم المجتمعية، وقد حصل هذا بفعل الوازع الروحي، والثقافي، والاجتماعي، والذي حال دون حصول أي خللٍ كبير للقيم العليا لهذا المجتمع.
إلا ان البعض الأخر يرى غير ذلك، خصوصاً بعد عملية التغيير التي شهدتها البلاد، إذ أن الكثير من الرواسب والأزمات قد انتقلت الى مرحلة ما بعد التغيير، بالرغم من التحول الكبير الذي حصل لاحقاً، سياسياً، واقتصاديا، وفي مجال الحريات العامة، حيث استغل البعض مساحة الحرية المتوفرة، وغياب الوازع الأخلاقي والوطني لديه، وضعف الرقابة لدى مؤسسات الدولة المعنية ليزداد غلواً في ممارسة السلوك المنافي للقيم والأعراف الاجتماعية، ناهيك عن خرقه للقوانين الوضعية.
ولو أمعنا النظر جيداً بمجمل هذه الأوضاع المتأزمة لوجدنا منبعها واحد، وهو أزمة مفاهيم وقيم اجتماعية خاطئة، تكرست وتفاعلت، ومن ثم تحولت إلى سلوك وممارسة، حتى باتت هذه السلوكيات والممارسات بمثابة أعراف وقوانين، يتعامل معها البعض وكأنها من المُسلمات الاجتماعية والعرفية.
وقد أخذت هذه المفاهيم المغلوطة تُهيمن على مفاصل الحياة المختلفة، وتلحق الأذى بالجميع. وفي خضم هذا الواقع بات من الضروري البحث عن مخارج سليمة نتلافى من خلالها كل العقبات والمعوقات، وبالتالي الوصول الى الأرض الصلبة التي تستقر عليها قيمنا ومفاهيمنا الأخلاقية.
لذا نحن بأمس الحاجة كمجتمع الى إعادة إنتاج وهيكلة القيم الرفيعة التي حافظنا عليها منذ الأزل، والتي كانت ولا تزال تتناغم مع التحولات الفكرية، والاجتماعية، والثقافية للمجتمع، وتعمل على وضع الوطن والمواطن في مضامين الحداثة والمعرفة مع الحفاظ على قيمنا المتوارثة. ومن أجل ذلك لابد من إيجاد ثقافة بديلة ومغايرة تحل محل ثقافة العنف والفساد، والكراهية، وكل الثقافات المزيفة، وهذا يتطلب أيضاً إعادة انتاج الوعي الاجتماعي من جديد، وتوحيد الرؤى القيمية والاجتماعية التي نتفق على صحتها في رؤية وطنية واحدة.
ما نُريد قوله من خلال أثارة هذا الموضوع لفت النظر الى بعض المفاهيم والسلوكيات الاجتماعية الخاطئة، فما نعانيه اليوم من تدهور لمنظومة القيم الاجتماعية، والثقافية، وحتى السياسية، أنما هي إفرازات لذلك الخلل البنيوي الاجتماعي والقيمي الذي ضرب بقوة مفاصل مهمة من ثوابت المجتمع العراقي.
لذلك علينا أولاً تشخيص هذه الظواهر السلبية التي طرأت على هذا المجتمع، ومن ثم وضع الحلول الناجعة لتلك الظواهر، وما حالة التفكك الأُسري التي نشهدها اليوم، وارتفاع نسبة الطلاق بشكل غير مسبوق، وانتشار المخدرات بين أوساط الشباب، وغيرها الكثير، إلا أبرز دليل على استفحال وتفشي تلك الظواهر والمفاهيم الغريبة والمُدمرة بين أوساط المجتمع. لهذا ما أحوجنا اليوم الى التمسك بقيمنا وتقاليدنا المتأصلة، ونبذ العادات والتقاليد الهجينة والمُستهجنة. ونعتقد انه بإمكان المؤسسات التربوية، والتعليمية، والثقافية، ومراكز الدراسات والبحوث المعنية، القيام بهذه المهمة الوطنية.
اضف تعليق