شهد الرأي العام اشبه بالانقسام إزاء تحركات النواب المستلقين الأخيرة، فهنالك من وجه أصابع الاتهام لهم بأنهم اخذوا يتأثرون بالأحزاب التي سبقتهم بالوصول الى السلطة والعبث فيها حتى وصلت الأمور مرحلة الخيال وعدم التصديق، وهنا تكون الجماهير التي انتخبت النواب المستقلين تمر بحالة انتحار بطيء او موت رحيم...
تطرقت في مقال سابق الى اهمية مكانة النواب المستقلين في مجلس النواب الجديد ودورهم الفعال والضروري بالمرحلة القادمة، وكيفية تذويب هذه المكانة من قبل الكتل المؤسسة للعملية السياسية الجديدة في البلاد بعد تغيير النظام على ايدي القوات الأجنبية، وقلت أيضا في المقال المنشور قبل أيام لا يجوز اختزال قوة النواب المستقلين وتجريدهم من أدوات التأثير التابعة لهم.
اما اليوم فأصبح من المهم طرح إمكانية ثبات هؤلاء النواب الجدد امام المغريات المقدمة لهم من قبل الكتل التقليدية، وهو ما سيأخذ مساحة مقبولة في المقال الحالي، في الأيام القليلة الماضية زادت الدعوات الموجهة للنواب المستقلين من اجل الانضمام تحت جلباب احدى الكتل المتناحرة على تشكيل الحكومة المقبلة، فالتيار الصدري وجه لهم دعوة صريحة ومباشرة للانخراط مقابل شروط ربما تكون بسيطة مقارنة بالسياسات المرسومة من قبل النواب القادمين لتمثيل الإرادة التشرينية او الشعبية، ومثلهم قوى الإطار التنسيقي تحلم بذلك الانضمام.
لكل نجاح معين هنالك سر يقف وراءه، وسر استمرار عقيدة سياسية بالنجاح يتمثل بمدى باستمرارية تحقيق الإنجازات على ارض الواقع، ولكن ومع مرور الأيام والسنين اثبتت الأحزاب العتيقة في العراق فشل عقيدها، وعدم صمودها امام المتغيرات المرحلية والحاجة للخروج من الازمات المتلاحقة، بل تحولت الى مصنع لتلك الاختناقات.
وهذا الفشل يمكن للقاصي والدان ان يشاهده وعلى جميع المستويات، الى الآن والفرد العراقي يكره فصل الصيف وكأنه قاتل لاحد ابويه؛ لأنه يعلم سيذوق العذاب والمرارة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، ونفس الشعور بالنسبة للمواطنين الذين يملكون سيارات خاصة، فهم يعانون من تحفر الطرق وعدم جاهزيتها للسير، وجراء ذلك نقرأ يوميا عشرات الحوادث المرورية المميتة على الطرقات العامة بين المحافظات وفي داخل المدن.
وبعد هذه السلسلة من الفشل الذريع عمدت الأحزاب غير الصالحة لإدارة السلطة، الى التحرك باتجاه النواب المستقلين لسحب البساط من تحتهم وتمرير اكذوبة الإصلاح من خلالهم، وترى المباحثات والدعوات المكثفة وكأنها غيوم من الرياح الصفراء التي اجتاحت البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، ومنعت الكثير من الافراد من تنفس الهواء النقي، واودت بحياة عدد غير قليل من بين المصابين بأمراض الجهاز التنفسي.
نتفق جميعا ان قانون الانتخابات الجديد الذي وضع ابان الاحتجاجات التشرينية غير الشكل التقليدي للبرلمان العراقي، فقد افرز التعديل الجديد عدد من النواب، لا يؤمنون بالأفكار القديمة والعادات السياسية البالية، الى جانب ذلك أنتج لنا جماعات نشطة لا تنتمي للكتل المؤسسة للعملية السياسية بعد عام 2003، لكن ومع ذلك عدم الارتباط، راج مؤخرا تقرب هؤلاء النواب من القادة الملوثة سمعتهم لدى الجمهور العراقي على مدار السنوات الماضية.
ويحملهم الملايين من أبناء الشعب العراقي مسؤولية الوضع الاستثنائي الذي يمر فيه البلد، وبذلك قد نكون امام تحول خطير في الأهداف العامة التي وضعها المستقلين ووصلوا بموجبها الى قبة البرلمان لتمثيل الشريحة الواسعة والمعدومة من الأجيال المتعاقبة، ومن يمعن النظر في التغييرات الحاصلة سيجدها غاية في الخطورة، ويمكن تفسيرها بأنها تخلي واضح عن خطابهم الذي منحهم الفرصة لبلوغ مقاعد البرلمان.
وحول ذلك شهد الرأي العام اشبه بالانقسام إزاء تحركات النواب المستلقين الأخيرة، فهنالك من وجه أصابع الاتهام لهم بأنهم اخذوا يتأثرون بالأحزاب التي سبقتهم بالوصول الى السلطة والعبث فيها حتى وصلت الأمور مرحلة الخيال وعدم التصديق، وهنا تكون الجماهير التي انتخبت النواب المستقلين تمر بحالة انتحار بطيء او موت رحيم.
من السيئات التي تتسم فيها العملية السياسية العراقية هي الضعف وعدم القدرة على التعامل مع المستجدات المتلاحقة بكل حيثياتها وتفاصيلها المتشعبة، ويؤدي عدم استحسان التعامل مع المشكلات الى ارتباك كبير وخلل واضح في البنية السياسية المحلية وبالنتيجة يزداد الوضع سوء وتضيع ابسط الحلول، وعدم تحقيق جزء مما يطمح إليه الجمهور.
نهج المستقلين قبل اجراء الانتخابات البرلمانية الماضية لو أردنا مقاربته مع نهج الأحزاب التي واكبت العملية السياسية منذ انطلاق مرحلتها الجديدة بعد تغيير النظام، نعثر على حقيقة ان الاثنين يزحفون بتجاه تحصيل المغانم وإثبات الوجود، ومن الممكن ان تتحول مساع الجُدد الى فشل مشابه لما حصل في السنوات الماضية، ولا تتحقق النجاحات المرجوة، وقد يصلون الى مرحلة يخسرون فيها جزء كبير من جمهورهم الذي لا يمكن ان يثق بهم مجددا، مقابل تغول الأحزاب المقلق والمثير للغرابة.
اضف تعليق