تنفيذ هذه الأهداف لن يتحقق إلا بتقسيم اليمن، وهذا يتعارض مع أهداف كل القوى السياسية في اليمن، من الحوثيين إلى الشرعية إلى الإخوان المسلمين، حتى الانتقالي يرفض التقسيم. لكن لكل تكتل أسلوبه الخاص. باختصار، الصراع في اليمن جيوسياسي بامتياز، وليس طائفيًا أو قبليًا. قواها الدافعة داخلية وإقليمية ودولية...
أدت الحرب الأهلية في اليمن إلى تفكك عميق للبلاد، مما دفع البعض إلى استنتاج أن "الدولة اليمنية الموحدة لم تعد قائمة". تقاتل قوات أنصار الله خليطا من القوات العسكرية والقبلية الموالية للتحالف في المحافظات الشمالية والوسطى والجنوبية وقوات طارق صالح على الساحل الغربي، فيما ينتظر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والجناح اليمني للدولة الإسلامية دورهما. يستمر التشرذم والعنف السياسي في اليمن، ولكن بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في عام 2020، بسبب تقاسم السلطة بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي. عندما هدد المجلس الانتقالي الجنوبي بالانسحاب من الاتفاق في عام 2021، بسبب تدهور الظروف المعيشية وفي خضم أزمة عملة غير مسبوقة، تفاقمت هشاشة الوضع في جنوب اليمن، مما أثار موجة من الاضطرابات في النصف الثاني من عام 2021.
ماذا سنرى في عام 2022؟
على الرغم من الانخفاض العام في العنف السياسي منذ عام 2021، بسبب المفاوضات والمسار الدبلوماسي، فإن التطورات التي حدثت منذ البداية تقدم آفاقًا قاتمة إلى حد ما. أتوقع أن تتلاشى العملية الدبلوماسية وأن تعود الخيارات العسكرية. اعترف مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن هانز جروندبرج في إحاطة مجلس الأمن الأخيرة بأن الأطراف المتحاربة لا تزال تركز على الخيارات العسكرية. والسبب بسيط أن المحاورين مع مبعوث الأممي والمبعوث الأمريكي كانوا فقط مع وفود من الشمال، بينهم عناصر من الجنوب ولكن فقط للديكور لعبة سياسية.
بينما نرى في الواقع غياب ممثلي الجنوب الرئيسيين مثل عيدروس الزبيدي، حسن أحمد باعوم، علي ناصر محمد، د. عبد العزيز بن حبتور، علي سالم البيض، الشيخ علي سالم الحريزي، أحمد محمد قحطان المهري وقادة جنوبيون آخرون. لذلك، لا يستبعد تجدد الأعمال العدائية قبل نهاية عام 2022، لانه تم اختزال الحوار مع الشماليين، لذا من الممكن أن تتشكل تحالفات جديدة من المكونات الجنوبية وتسمى، على سبيل المثال، [جبهة الإنقاذ الوطنية الجنوبية]. هدفها هو المطالبة بالحكم الذاتي أو الاستقلال عن شمال اليمن أو الوحدة الفدرالية. وللعلم، فإن الذكرى الخامسة عشرة لانتفاضة الجنوبيين 7 يوليو 2007 تقترب. يمكن أن تكون بداية جديدة للحراك الجنوبي، وسيتم تنظيم تحالف مع القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي. وهنا لا يستطيع رشاد العليمي وطارق صالح قمعها كما فعل الرئيس صالح سابقا. وهذه الحركة، إذا ما بدأت، يمكن أن تقلب الطاولة على التحالف والمجلس الرئاسي والقوات الموالية لرشاد العليمي وطارق صالح، ويمكن أن تؤدي إلى إعلان استقلال الجنوب وإقامة دولته كأمر واقع [في جنوب اليمن] على حدود عام 1990 و بها تسقط شرعية تدخل قوات التحالف ويتطلب إعادة النظر في قرارات الأمم المتحدة المتعلقة باليمن. وهذا ايضاً يعطي شرعية كاملة لحكم الحوثيين على المحافظات الشمالية والإعلان عن دولتهم [الجمهورية العربية اليمنية] إلى حدود عام 1990.
إن إنشاء كيانين سياسيين، أحدهما في عدن والآخر في صنعاء، سيخلق جواً إيجابياً لإقامة دولة يمنية أقرب إلى الفيدرالية في المستقبل. مجلس الرئاسة برئاسة رشاد العليمي غير شرعي، الرئيس هادي لا يملك السلطة الدستورية لنقل الرئاسة: الدستور اليمني ينص على "الانتخابات". أما مقارنة دور السعودية في تشكيل مجلس رئاسي يمني بقيادة رشاد العليمي بالدور السعودي السابق في إقناع علي عبد الله صالح بالتخلي عن السلطة ونقلها إلى نائبه هادي عام 2011 هذا غير صحيح. مع كل الاحترام للسفير محمد ال جابر، وهو سفير مطلع على الشؤون اليمنية لقربه من الأحداث منذ عام 2009 وحتى الوقت الحاضر. لكن لكل جواد كبوة، الرئيس صالح رئيس شرعي منتخب قدم استقالته الى مجلس النواب، بعدها اصبح نائب الرئيس (هادي) الرئيس الشرعي المؤقت بعد أن وافق البرلمان على استقالة الرئيس صالح. ثم دعا الرئيس هادي المؤقت - حسب المبادرة الخليجية - الى انتخابات رئاسية خلال ستين يوما حسب الدستور. وبحسب المبادرة الخليجية، فإن الرئيس هادي، وهو رئيس توافقي ومؤقت، وبانتخابات وهمية. أما عندما يستقيل هادي من الرئاسة، فهو يترك فراغًا رئاسيًا، بمعنى ترك الأبواب مفتوحة لكل شيء. وعليه، فعند تعيين رشاد العليمي رئيساً بأمر من التحالف، كان ذلك انقلاباً على الرئيس الشرعي هادي ـ بمعيار المبادرة الخليجية ـ لا يختلف عن انقلاب أنصار الله عام 2014 بمعيار المبادرة الخليجية كما يقولون. آمل أن يعيد سعادة السفير السعودي النظر في تقييم الأحداث.
حرب اليمن عام 2015 حرب جيوسياسية بامتياز
من الخطأ إصدار أحكام حول تسمية حرب اليمن ووصفها بأنها حرب أهلية أو حرب بالوكالة أو حرب طائفية. من الضروري أولاً معرفة الظروف الجيوسياسية التي يمر بها اليمن ودراسة العوامل المؤثرة في عملية صنع القرار فيها، وفي بعض الأحيان يضطر اليمنيون للقتال دون التمكن من تفاديها. فرضت الحرب الأهلية عام 2015 نفسها على اليمن. إنها حرب جيوسياسية بامتياز، غطاء طائفي وأحياناً عشائري سقط على هذه الحرب، وهذا غير صحيح إطلاقاً. أسوأ ما في الأمر هنا هو التصور الخاطئ عن الزيدية، لأن الزيدية أبعد ان تكون ايديولوجية دينية. صحيح لعبت الزيدية دورًا دينيًا وكذا سياسيًا مهمًا. غلبت على الزيدية النزعة العقلية واعتمدوا على العقل لتأسيس معتقداتهم وقالوا بالفكر قبل الاستماع. الزيدية أقرب إلى التفكير السياسي منه إلى التفكير الطائفي. لذلك الزيدية والشافعية في اليمن متقاربان، ولديهما مسجد واحد، ويتزوجان بعضهما البعض، ويختلفان عن شيعة إيران والعراق والشام. وضم أنصار الحوثي مجموعات سنية من تعز والمنطقة الوسطى والجنوب. أضف إلى ذلك أن العلاقة بين إيران وأنصار الله هي علاقة سياسية ومصالح متبادلة، تختلف عن علاقة حزب الله في لبنان والشيعة العراقيين، علاقتهم بإيران طائفية (أيديولوجية) ومصلحة. الحرب بين اليمن والتحالف ليست طائفية أو دينية، إنها حرب جيوسياسية بامتياز، ودوافعها الجغرافيا والاقتصاد. أما العقيدة (الشيعة والسنة) فهي فقط لتحقيق أهدافهم وتبرير الحرب والدمار:
1- السعودية: شهدت العلاقات السعودية اليمنية ثلاثة أحداث سياسية كبرى في جنوب المملكة، هي أولاً: ثورة عام 1962 في شمال اليمن، والثانية: صعود النظام الاشتراكي في جنوب اليمن عام 1967، وثالثها.: الوحدة بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي عام 1990. استخدمت الرياض في هذه الأحداث سلسلة من أدوات القوة الناعمة مثل تشكيل شبكة تحالفات سياسية قبلية ومحلية، ووفرة المساعدات الاقتصادية، ونشر الفكر الوهابي السلفي لتعزيز نفوذها السياسي.
قبل اندلاع الصراع الحالي في عام 2015، اقتصر التدخل العسكري السعودي المباشر على حماية مناطقها الحدودية كما حدث خلال الحرب مع الحكومة اليسارية في عدن عام 1969 والحرب مع جماعة الحوثي المسلحة عام 2009. اما العدوان السعودي الأمريكي على اليمن عام 2015 قد خططت له أمريكا لفرض أجندتها على اليمن. وهنا يؤكد السفير اليمني في طهران أن الجهة التي صممت وخططت للعدوان هي أمريكا، ودفعت الإمارات والسعودية إلى هذا العدوان. السعودية والإمارات هما السلاح التنفيذي للولايات المتحدة في الحرب التي تقودها وتوجهها أمريكا على اليمن. لذلك، فإن دخول الإمارات لم يأت بموافقة أو طلب سعودي، بل فرضته الولايات المتحدة بصفتها مهندسة هذه الحرب. أما مسألة عودة الحكومة التي يتحدث عنها السعوديون، فلماذا لم يعيدها إلى عدن؟ لقد احتلوا عدن وهم موجودون في حضرموت وأيضًا في مأرب. لماذا لا تعود هذه الحكومة التي أصبحت ذريعة لشن الحرب على اليمن إلى "المناطق المحررة"؟ أما احتلال السعودية لأجزاء من المهرة وحضرموت فهو حلم قديم للسعودية بإنشاء ميناء سعودي على بحر العرب لتصدير النفط والغاز. فضلا عن البحث عن مناطق عازلة بين اليمن وجنوب السعودية.
2- الإمارات العربية المتحدة: لا توجد خلافات بين الإمارات والسعودية، هذا وهم، يجب ألا ننسى أن أمريكا هي التي تدير وتسيطر على خلافاتهما بينما تحاول الإيحاء بوجود خلافات داخل التحالف. في النهاية، هم دمى. نعم تريد الإمارات إدارة الموانئ اليمنية المطلة على بحر العرب من المهرة إلى ميناء عدن على باب المندب. حتى لا تكون هذه الموانئ منافسة لميناء دبي. نعلم أن هادي ألمح دائما إلى الصين ومنحها امتياز تشغيل وإدارة ميناء عدن في جنوب البلاد، الذي يجذب اهتمام بكين ويُعدّ محورياً ضمن خطة «طريق الحرير» الصينية. في عام 2013 أنهى هادي عقدًا مع "موانئ دبي العالمية" يتعلق بميناء عدن، وفي منتصف نوفمبر 2013 وقع اتفاقية لتوسيع وتعميق محطة الحاويات في ميناء عدن بين شركة "موانئ خليج عدن". و "الشركة الصينية لهندسة الموانئ المحدودة". ونصت الاتفاقية المذكورة على إدارة ميناء شنغهاي للمنطقة الحرة في عدن وإنشاء شركة شحن خفيف ومتوسط بين البلدين.
3 - أمريكا وإسرائيل مهتمتان بتأمين موقع على الساحل الغربي لباب المندب. باب المندب من أهم عوامل الصراع، خاصة بالنظر إلى حجم القوات الدولية التي تم دفعها إلى المنطقة بحجة حماية الخط الملاحي الدولي في هذا الممر ومنطقة البحر الأحمر والخليج عدن. وكذا تحاول بكين إيجاد موطئ قدم لحماية مصالحها وتأمين تجارتها من خلال حماية الممرات المائية. اليمن جزء من "مشروع الحزام والطريق" الذي أطلقته الصين عام 2013، والذي أطلقت عليه اسم " المشروع الكوني"، وهو خطة صينية لإحياء طريق الحرير القديم، بتكلفة تصل إلى تريليون دولار. تسعى الصين أيضًا إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط وترسيخ مكانتها كقوة رئيسية في منطقة البحر الأحمر وخليج عمان، وكذلك في المحيط الهندي. لهذا السبب، فإن أمريكا وإسرائيل مهتمتان بتأمين موقع على الساحل الغربي لليمن والسيطرة على ممر باب المندب من خلال السيطرة على جزيرة ميون، التي لعبت دورًا مهمًا في حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل. هذه الجزر لها تأثير كبير على الملاحة الإسرائيلية وأمن إسرائيل.
4 - الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مهتمان بالاستثمار في مصادر النفط بشرق اليمن.
إن تنفيذ هذه الأهداف لن يتحقق إلا بتقسيم اليمن، وهذا يتعارض مع أهداف كل القوى السياسية في اليمن، من الحوثيين إلى الشرعية إلى الإخوان المسلمين، حتى الانتقالي يرفض التقسيم. لكن لكل تكتل أسلوبه الخاص. باختصار، الصراع في اليمن جيوسياسي بامتياز، وليس طائفيًا أو قبليًا. قواها الدافعة داخلية وإقليمية ودولية، ولهذا فإن المشكلة اليمنية معقدة.
اضف تعليق