المصلحة العامة اهم من كل شيء وليس صوابا ان يتحكم بالبلاد ومصيرها من قابل للزوال، فمهما حكم الشخص من سنوات ومهما عمّر لا يبقى له سوى الذكر الجميل والاثر الواضح على الارض، إما اذ أصر الجميع على الاستمرار بهذا الحال فالوضع لا يبشر بخير ابدا، وقد نكون اقتربنا من الكارثة...
المواطنون وحدهم يدفعون فواتير الحساب غالية الثمن؛ جراء ما يمر فيه الوضع العام بالعراق، فالعداء المعلن بين الكتل السياسية بلغ أقصاه، وقد يكون ما يحدث سابقة في تاريخ تشكيل الحكومات ما بعد تغيير النظام على يد القوات الأجنبية، حتى غدونا بأمس الحاجة الى الحوار الممنهج بعيدا عن التراشقات عبر التغريدات التي تضاعف المشاكل وتبعد من إمكانية حلها ولا يمكن ان تكون سببا للنجاة.
الصرعات التي اندلعت بين محاور القوى العاملة في الدولة العراقية، لم تحدث في السابق وان حدثت لم تصل الى الطريق المسدود كما في هذه المرة، ففي السنوات التي انقضت كنا نلحظ مثل هذه الخلافات ونترقب لإيام حتى تنفرج الازمة وتذهب الأمور بمساراتها المقبولة، اما اليوم فقد مر على اجراء الانتخابات المبكرة ما يقرب من الستة شهور ولم تتوصل الكتل الى حلحلة الخلافات.
ما يمكن ملاحظته في التنازع والتطاحن، ان أدوات الصراع اختلفت مع ثبات المنهجية العامة، والهدف الأساس من كل ذلك هو الحصول على قطعة أكبر من الكعكة الجاهزة، فالسيد الصدر لا يريد التنازل عن حقوقه، ومثله الإطار الطامع في المناصب ولا يريد الاعتراف بموقفه ومكانته الهزيلة، والخاسر الأول هو المواطن الذي يعلق آماله على الامضاء بتشكيل الحكومة وإقرار بعض القوانين خدمة للصالح العام.
ومن اهم القوانين التي لا تحتمل التأجيل هو قانون الموازنة العامة للبلد، فعلى الرغم من استمرار النفقات الحكومية من بينها رواتب الموظفين وبعض السلف لتمشية المشروعات المتلكئة وغيرها من النفقات التشغيلية، يبقى الكثير من الجوانب بحاجة الى إقرار موازنة ليتسنى للجمهور العام معرفة الاتجاه العام للدولة، وهل اكتفى بالنفقات التشغيلية ام اتجه قليلا نحو الاستثمار والخروج من دائرة الاقتصاد الأحادي.
ما تم ذكره من نقاط معينة لا يمكن ان تحدث الا بالتقارب بين الكتل السياسية الحالية وتحديدا بين القوى الشيعية التي فقدت الجمهور ولا تزال متشبثة بالسلطة، حتى أطلق عليها تسمية، (الثلث المعطل)، فالتسمية بحد ذاتها شيء مخجل، ومن الأفضل ان تظهر لنا تسميات أكثر لياقة وذات دلالة إيجابية، كأن يكون (الثلث المقوم)، وتنحصر وظيفته الأساسية في تقويم العمل السياسي ومراقبة الأداء ومحاسبة المقصرين بأي كتلة كانو او الى اي جهة ينتمون.
الحوار الذي نحتاجه اليوم ليس كما في الأيام او الشهور الماضية، فالحوار لابد ان يُحضر له وتوضع قواعده الأساسية، وإلا فلا داعي لعقد الاجتماعات المكررة في الهيئة والمضمون وكذلك النتائج، والدليل على هذا القول انها لم تحدث أي تقدم في جميع الاتجاهات ولا يزال ركام الخلافات يتزايد يوم بعد آخر.
نوع الحوار الذي نحتاجه ربما يحمل درجة من الاختلاف عما يحصل بين المجتمعين داخل الغرف المحجوبة، فلابد للحوار ان يقوم على رؤية مستقبلية، وخطط استراتيجية، وبدونها سيكون حوارا فضفاضا، لا يحتوي على فترة صلاحية وقابل للتلف بأي وقت ممكن، لذلك فان ما يحصل في الخفايا لا يمكن لاحد ان يتأمل منه خيرا او يعول عليه في القضاء على الازمات المتلاحقة.
وفي نفس الوقت ان للشعب الذي انتخب رجال البرلمان الحاليين الحق في تجاوز هذه المحنة، وعدم الالتفاف على مطالب الشعب التي تريد حكومة قوية رصينة غير خاضعة لتوجهات وأفكار ضيقة يحملها عدد قليل من النواب وهم من يتحكمون بمصائر الملايين الذين فقدو السيطرة على زمام الأمور وبقي الجزء الكبير منهم لعبة بيد رؤساء الكتل.
ولا تزال الفرصة قائمة لتفعيل الحوارات، مع إعطاء زعيم الكتلة الصدرية الوقت الكافي لإجراء المباحثات، اذن دعوة للحوار الجاد وتخلي كل طرف عن جزء من أحلامه الوردية التي حملها معه لتحقيقها تحت قبة البرلمان وفي المؤسسات الحكومية، او ربما يستخدمها البعض، بداية مساعي كل محور لكسب الحلفاء إلى جانبه.
المصلحة العامة اهم من كل شيء وليس صوابا ان يتحكم بالبلاد ومصيرها من قابل للزوال، فمهما حكم الشخص من سنوات ومهما عمّر لا يبقى له سوى الذكر الجميل والاثر الواضح على الارض، إما اذ أصر الجميع على الاستمرار بهذا الحال فالوضع لا يبشر بخير ابدا، وقد نكون اقتربنا من الكارثة الحقيقية والمستدامة التي لا يمكن تخطيها او التقليل من آثارها على الوطن والمواطن.
اضف تعليق