يتحدثون عن برنامج حكومي لا طعم ولا لون ولا رائحة له، ولا يستطيع أحد تحليله وتفكيه لكونه نسخة مكررة من شعارات سابقة، أو كلام حالم لا علاقة له بتحديد المشكلات ووضع الحلول الفعلية لها، خطاب الكتل السياسية الفائزة والخاسرة من صفقة تشكيل الحكومة المنتظرة لا يختلف عن السابق...
لو تكلمت ومدحت سيارات السايبا الإيرانية عبر وسائل الإعلام وفي المجالس الخاصة وغزوت تويتر بشأنها، هل ترتقي السايبا إلى مستوى سيارة المرسيدس الألمانية؟
ستبقى تلك السيارة الرديئة البعيدة عن المتانة، فالخطاب لا يمكنه إضافة شيء لواقعها، ربما يمكنه صناعة الوهم والسراب الذي يراه الظمآن ماءً.
ومن بين زحام سيارات السايبا في العراق تُولد لنا كل مرة حكومة جديدة، أعضاؤها يأتون في مواكب كبيرة تجوب شوارعنا الضيقة بتشققاتها الواسعة وعلاماتها المرورية المفقودة.
تسير مواكب المسؤولين بسياراته اليابانية والأميركية والألمانية على إسفلت شوارعنا الخارجة على القانون، ذهاباً وإياباً بين النجف وبغداد وأربيل، رحلات خاطفة، اجتماعات ليلية ونهارية، وتصريحات معطرة بالتهديد والوعيد، ومغلفة دائماً بغلاف القانون.
هذا يقول أنا الأكبر ولي حق الأسبقية في المضي قدماً لتشكيل الحكومة المقبلة، وذاك يرفضها ويطلبها لنفسه، مهدداً باتخاذ إجراءات رادعة حسب طريقته الخاصة، والتي غالباً ما تستند إلى منطق القوة والتخويف.
التزاحم على تشكيل الحكومة يشبه زحمة السير في شوارعنا، فهي عشوائية في سيرها، وطبقية من حيث الفوارق الهائلة بين من يملكون الكثير من المال ولديهم سياراتهم باهظة الثمن، ومن يعيشون على الفتات وسياراتهم تكاد تخرج من تصنيف السيارات لبساطتها.
لا فرق بين الشارع ومنظومتنا الحاكمة، في الحالتين هناك عشوائية وسوء تنظيم، كما أن هناك تفاوت كبير بين أصحاب المكاسب الهائلة، ومن يعتاشون على الفتات.
قد تكون هذه الفوارق الكبيرة ونشوء الطبقية من جديد دافعا للمواطن للنزواء وعدم الاهتمام بمن سوف يشكل الحكومة ومن يكون راعياً لها باسم الكتلة الأكبر عدداً، فقد سئم المواطن من الخطاب التخديري بشأن إزالة الفوارق ومعالجة المشكلات بجدية، لأن الحلول مؤجلة للمستقبل كاستراتيجية للهروب من المسؤولية.
افترض أن حكومة سوف يشكلها الإطار التنسيقي الذي يجمع القوى الشيعية الرئيسية المنضوية تحت راية الحشد الشعبي والقريبة من توجهاته، لن يتغير شيء مما هو موجود الآن، فهم أنفسهم كانوا قد شكلوا حكومات سابقة ولم يحققوا مراد المواطن.
وفي الضفة الأخرى حيث يوجد التيار الصدري وزعيمه الأوحد السيد مقتدى الصدر، فإذا استثنينا جميع ناخبي التيار وهم لا يتجاوزون مليون شخص، لا تختلف الأمور في شيء، إذ تملك الكتلة الصدرية سيرة ذاتية في جميع الحكومات السابقة ولها وزارات محورية ولم تحقق أي تقدم سابقاً.
قد تكون هذه محاكمة غير منصفة، فالظروف السابقة لها تحدياتها، ومن الصعب استخدامها كدليل على الفشل لا سيما مع اعتماد الحكومات التوافقية التي توزع الفشل على الجميع.
الإحالة إلى آليات جمع الكتل السياسية المتناقضة في مسار تشكيل الحكومة تكشف أنها ما تزال نفسها تعمل بكامل طاقتها الانتاجية، التوافق تغير من توافق البيوتات الشيعية والسنية والكردية إلى توافق الزعماء الفائزين فقط وتحت شعار حكومة الأغلبية، وهي ليست كذلك.
والشعارات هي الغالبة والمسيطرة على الخطاب السياسي بدون الحديث الفعلي عن جوهر إجراءات التفاوض وما يعتريها من معوقات وتحديات، بعضهم يريد حكومة أغلبية سياسية وهو لا يترك كتلة صغيرة ولا كبيرة إلا ووضعها تحت تحالفه، في إعادة للتوافقية السياسية بنسخة طبق الأصل.
والبعض الآخر يتحدث عن مخاطر قد يتعرض لها البلد في حال عدم حصوله على وزارات كافية في التشكيلة الحكومية المقبلة، وهذا الخطاب فيه من التهديد الكثير وخروج عن الدستور والقانون.
يتحدثون عن برنامج حكومي لا طعم ولا لون ولا رائحة له، ولا يستطيع أحد تحليله وتفكيه لكونه نسخة مكررة من شعارات سابقة، أو كلام حالم لا علاقة له بتحديد المشكلات ووضع الحلول الفعلية لها.
خطاب الكتل السياسية الفائزة والخاسرة من صفقة تشكيل الحكومة المنتظرة لا يختلف عن السابق، نفس المسار ونفس الأسلوب والإجراءات، فإذا كان الخطاب بهذا الشكل هل يمكننا تصور واقع مختلف؟
اضف تعليق