ذهب ريان ليجاور رب رحيم وبقيت الملايين بحاجة الى وقفة حقيقة لأنهاء الملفات المتعلقة بالطفولة، فربما سيكون ما حدث جرس التنبيه الذي سيحفز أصحاب الشأن الى التكاتف والتعاضد لانتشال هذه الشريحة من الضياع الذي تعانيه منذ عقود من الزمن، وتحقق حلم الملايين الذين لا يرغبون برؤية طفل يعيش تحت الإذلال...
دخلت صورته الى بيوت الملايين من البشر، بعد ان اختفى في غيابت الجب، صورة الطفل ريان المغربي، كسرت الحواجز كما القلوب، وادخلت الحزن في نفوس العالمين مثلما الوالدين، مشهد حرك الضمير الإنساني الجمعي، وحظي باهتمام دولي قل نظيره، ما فتح الأبواب على جملة من التساؤلات، لماذا هذا التفاعل الدولي مع الحادثة؟، في الوقت الذي لم تكن هي الأولى على الاطلاق.
مدينة شفشاون المغربية غفت كغيرها من مدن العالم على كمية من الحزن والبؤس والتنبؤ، على امل سماع خبر يقشع ما خيم على النفوس من ألم نتيجة سقوط الطفل في بئر وهو يلعب بعيد عن بيته، لكن وللأسف الشديد لم تفلح فرق الإسعاف في انقاذ حياته، حتى جاء خبر الوفاة كالصاعقة على رؤوس المتابعين لمراحل الإنقاذ لحظة بلحظة، وحالت الظروف دون الوصول اليه في التوقيت السليم لمنحه الاستمرار في الحياة.
حين سُمع نبأ الوفاة تسمرت الافراد امام شاشات الهواتف والتلفاز، فترى التفاعل على الصفحات الخاصة بالتواصل الاجتماعي بلغ أقصاه، اذ نلتمس من هذه الحادثة أشياء كثيرة، كانت خافية او مغيبة على الجميع، أشياء يندرج بعضها ضمن الآثار الإيجابية وأخرى يمكن عدها بالسلبية.
لقد افرزت الواقعة وبما لا يقبل الحوار ان الحوادث الإنسانية لا تختلف واحدة عن الأخرى، لكن من يقوم بتمييزها هو الإعلام بمختلف اصنافه، فلكل منا قصة فردية مع حادثة مشابهة لما حصل في المغرب، وفي نفس الوقت غض الإعلام بصره عنها، لدوافع سياسية، او لأجندات جعلت من الحادثة لا تندرج ضمن أولويات التغطية لهذه الوسيلة.
ومن المهم جدا معرفته ان القضية لو كانت خبرا عاجلا في احدى وسائل الاتصال التقليدية، لما تمكنت من اشغال العالم بأسره، لكن التغطية المباشرة والمستمرة على مدار الساعة جعلت الافراد يشعرون بحجم الفاجعة الإنسانية، في حين توجد آلاف الحالات ربما اشد منها وتستحق الاهتمام والتغطية ربما لشهور وليس لإيام معدودات، وبقيت مدثورة لا أحد يعلم كيف انتهت وماهي خسائرها.
مهم جدا ان نلقي الضوء على ما قامت به وسائل الاعلام الحديثة المتمثلة بمواقع التواصل الاجتماعي، فهي من قادت الوسائل التقليدية لمجاراة الاحداث، نتيجة الزخم الذي اكتسبته الحادثة، وأصبح من المعيب على تلك الوسائل عدم ذكرها للخبر، لذلك فهي فضلت عدم الوقوع بالأحراج امام جمهورها ومتابعيها على صفحات التواصل الاجتماعي الرسمية، واخرجت نفسها من هذا المأزق بخبر بسيط لتنتقل صوب ما تريد.
وعلى الجوانب الإنسانية الأخرى فأن الواقعة جعلت جميع المتابعين يشعرون بأن من في الحفرة هو اما اخ لهم او ابن، او قريب، بقي وحده يصارع الوحدة والجوع والخوف، والمصير المجهول بعيدا عن عيون ذويه، فهو بمثابة المدفون مرتين الأولى عند السقوط، والأخرى بعد الممات، وفي الحالتين، تكرست قيم التلاحم والتآزر بين بين بني البشر في الداخل والخارج.
فالجميع تحدث بلغة ولحن واحد يسمو على الدين والمذهب، نعم هذه القيم التي أسس لها الله جل وعلى في محكم كتابه حيث قال يا أيها الناس انا خلقناكم من نفس واحدة، ما يعني ان البشرية جميعها تتأثر بالمؤثرات الإنسانية، وتميزها على غيرها من المخلوقات.
حتى صار الحديث عن الحادثة الشغل الشاغل للرأي العام، ولم يقتصر على شريحة واحدة بل شملت مستويات تراوحت بين أعلى المناصب السياسية وصولا إلى غالبية الشخصيات الفنية والفكرية والاجتماعية، فالكل سارع إلى التعاطف والتأثر وتقديم واجب العزاء وتسجيل الحضور ضمن لائحة المتعاطفين.
ما لم تتمكن الحداثة من فعله هو إمكانية إيقاظ الضمير النائم لدى الحكام الذين يقفون وراء اغلب الحروب الدائرة في المنطقة وعلى مستوى العالم، والتي يعاني جراءها ملايين الأطفال الذين يشابهون ريان في المعاناة، وتجرعوا مرارة ألم الجوع والحرمان والتهجير والعيش تحت رحمة العصابات الاجرامية، فضلا عن هجر مقاعد الدراسة والانخراط بالأعمال الشاقة.
ذهب ريان ليجاور رب رحيم وبقيت الملايين بحاجة الى وقفة حقيقة لأنهاء الملفات المتعلقة بالطفولة، فربما سيكون ما حدث جرس التنبيه الذي سيحفز أصحاب الشأن الى التكاتف والتعاضد لانتشال هذه الشريحة من الضياع الذي تعانيه منذ عقود من الزمن، وتحقق حلم الملايين الذين لا يرغبون برؤية طفل يعيش تحت الإذلال.
اضف تعليق