اذا كنا -بعد مائة عام - نتجادل حول بناء السلطة ولم نتجهز بعدة معرفية واخلاقية لتحديات المئوية الجديدة، فذاك يعني اننا بحاجة الى كسر التابوات التي تمنع التفكير العقلاني بمأزق البلاد الراهن، واول هذه التابوات هو مسؤولية افكارنا ومشاعرنا وخطوطنا الحمر عن الانحطاط السياسي والصراع الاجتماعي المزمن...

كم من الوقت يلزم العراقيين لبناء دولة مستقرة قادرة على توفير عيش كريم لهم ولاجيالهم؟ مناسبة السؤال هو الاحتفاء الرمزي الذي يجري حاليا بدخول العراق مئويته الثانية وسط أزمة سياسية خانقة لايعرف السياسيون ولا عامة المجتمع العراقي، كيفية الخروج منها باقل الخسائر.

ربما كنا نحن العراقيين محسودين -بمعايير القرن الماضي- على مقومات النهوض التي كانت متاحة، مقارنة بدول كانت قائمة ودول اخرى لم تكن ولدت بعد على الخريطة العالمية، التاريخ الحضاري والموقع الجغرافي وثروات باطن الارض وظاهرها، وسمعة جيدة عن (ذكاء) فردي عراقي، وتعددية اقوامية ودينية، كان يمكن ان تكون احد عوامل الثراء الثقافي وتحفيز الابداع والتنافس التنموي.

بعد مائة عام من عمر العراق الحديث، وبعد كم كبير من المجادلات والنقاش المفتوح والمضمر، لم يخرج العراقيون برؤية عملية ناضجة لاسباب تراجعهم وتدهور مستويات المدنية والتحضر في بلادهم، بل ان العراقي صار يعيش على صور ذاكرته ليحتفظ بشيء من التوازن النفسي، حينما يلتفت يمينا ويسارا ويقارن حال العراق بمن حوله من دول الجوار فضلا عن الدول القريبة والبعيدة!!.

انشغل العراقيون كثيرا بنقد السياسة وهم محقون في ذلك، لان اجيال السياسيين وصراعات السياسة هي المتهم الرئيس في ضياع فرصة العمر وهدر مائة عام من عمر الاجيال العراقية ،لكن القليل النادر من توجه الى نقد المجتمع وتشخيص عيوبه، فما السياسة والتفكير السياسي والاداء السلطوي والحزبية السياسية الا نواتج للفكر والذاكرة المجتمعية ورؤيتها لذاتها واهدافها وطموحاتها ،ثمة اسئلة حائرة لم تحظ باجابات معرفية جادة، من قبيل ما دور الافكار والايديولوجيات التي يتحمس لها الشباب العراقي في كل مرحلة، وتتحول الى مادة صراع تأكل من طاقات البلاد وموارد المجتمع وتستهلك امكانات النهوض؟

هل شبع العراقيون من التعصب للافكار التي يوصلونها الى مرتبة القداسة، فيموتون من اجلها ويدمرون ذواتهم الاجتماعية فداء ليقينياتها ثم يكتشفون لاحقا ان الامر لم يكن على هذا المستوى من الضرورة السياسية؟

الان وبعد مائة عام من الفرص الضائعة والكوارث المتراكمة، هل نضج العقل السياسي بما يمنعه من تكرار المراهقة السياسية ويضيع في متاهة صراع على شاكلة صراعات الماضي القريب بما يجعله يفكر الف مرة قبل ان يخطوا خطوة يعلم قبل غيرة انها تكلف ملايين البشر ضياع مستقبلهم وتعطل البلاد عن تجاوز عثراتها؟

قبل سبعين عاما كتب المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي (1905-1973) عن (صراع الافكار في البلدان المستعمرة)، كان مفترضا اننا تجاوزنا هذه الصراعات، بعد انتهاء عصر الاستعمار ومجيء النخب (الوطنية) وقيام الدولة الحديثة !!، صراعات تدور حول السبيل الى النهوض الحضاري بتنمية بشرية مستدامة ،وامن اقتصادي متين، ومشروع ثقافي متجاوز لعيوب الماضي ، ومستجيب لتحديات العولمة ومساهم في تياراتها، لكننا مازلنا ندور في ذات الحلقة من صراع (الوساوس) والمشاريع الفكرية والسياسية، فنحن مركز الكون كما كنا والعالم بأسره يتآمر علينا، بعضنا يصارع ضمانا لوجوده السياسي على حساب ملايين البشر التي جل طموحاتها العيش بامان ودون حرمان او نقص في متطلبات الحياة العصرية.

اذا كنا -بعد مائة عام - نتجادل حول بناء السلطة ولم نتجهز بعدة معرفية واخلاقية لتحديات المئوية الجديدة ،فذاك يعني اننا بحاجة الى كسر التابوات التي تمنع التفكير العقلاني بمأزق البلاد الراهن، واول هذه التابوات هو مسؤولية افكارنا ومشاعرنا وخطوطنا الحمر عن الانحطاط السياسي والصراع الاجتماعي المزمن، وثاني هذه التابوات هو تبعيتنا المستمرة لمشاريع الاخرين، فيما كان مفترضا ان تكون مشاريعنا ذاتية نابعة من مصلحة العراق ومصالح العراقيين، اولسنا مركز الحضارة الاول واصحاب نرجسية تاريخية لايدانينا احد بالفكر والادب والتمذهب والتدين والتصوف !!!!!؟؟؟.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق