كنا في الأيام القليلة الماضية يحدونا الامل بأن التوافق السياسي سيحصل في القريب وتتجه الجهود نحو الاعمار والبناء وتعويض النقص الكبير في الخدمات المقدمة للمواطنين، لكن يبدو اننا نعيش بحلم وردي، ولا تزال الأمور تزداد تعقيدا وما زاد الطين بلة هو الخطوة الأخيرة المتمثلة...
وقعنا في المحظور ووصلنا الى المرحلة الأخيرة مكرهين على ذلك، ليس راغبين لسماع دوي اطلاقات نارية من قبل حرس المنطقة المحصنة الذين ضُيق الخناق عليهم من قبل الجهات الأمنية العليا الآمرة لهم، ومن الجهة الأخرى العناصر المشتركين في المظاهرات وفي الاغلب انهم يحملون صفة امنية معينة ضمن الجهاز الأمني للدولة.
المظاهرات الأخيرة لمؤيدي الأحزاب وانصارها تختلف عن المظاهرات السابقة التي اندلعت في تشرين من العام 2019، اذ تحمل هذه المظاهرات رائحة الخاسر في السلطة، وكانت ردة الفعل غير متوقعة، اذ صرحت القوى المهزومة بعدم قبولها بالنتائج الأخيرة مهما كلف الامر.
اضع ألف خط تحت عبارة مهما كلف الامر، هذه العبارة يعني ان من قالها وروج لها له الامكانية لقلب الشارع العراقي وتحويله الى ساحة حرب، ليس لمصلحة عامة بل لمصالح حزبية ضيقة، اذ عمدت الأحزاب المنخرطة ضمن الإطار التنسيقي الى الزج بجمهورها الى الشارع والمجازفة بحياته ومستقبله على حساب المكتسبات الشخصية.
وفي مثل هذه الحالة يزداد الامر سوءا وخطرا من الناحية الأمنية والاستقرار الاجتماعي الذي فقدنا بسببه مئات الشبان الذين لا يجدون غير الشارع معبرا عن حجم مأساتهم العميقة، وخراب بلدهم على ايدي المنتفعين من المال العام والسلطة والسلاح المنفلت الذي يهدد أي جهة تحاول البحث عن توازن ما بين السرقات والخدمات الواجب تقديمها للمواطنين.
المشهد الدموي الذي لا حظناه وراح ضحيته شابان بمقتبل العمر لم يعرفوا لماذا خرجوا ولأي الأسباب استشهدوا، جل ما يدركونه ان موقع آمرهم قد يتعرض للخطر بعد الهزيمة الكبيرة التي منيت بها قوائم الأحزاب التقليدية المشتركة بالعمل السياسي منذ ما بعد عام 2003 ولغاية الآن.
لم يختلف عن المشاهد المأساوية التي شاهدها العالم بأسره، وراح ضحيتها أكثر من خمسمئة شهيد وآلاف الجرحى ولم تحرك الأحزاب المنتفضة اليوم ساكنا، بل وصمتهم بشتى الاوصاف كأبناء السفارات وجوكرية ومرتزقة وغيرها، فضلا عن تحريك جيوشهم الإعلامية والالكترونية للنيل من الافراد المطالبين بأبسط حقوقهم والتقليل من مشروعيتهم في التعبير عن رفضهم للأوضاع البائسة التي وصل اليها الشعب العراقي.
ما الذي اختلف عن الامس؟، حتى تعالت الأصوات اليوم صادحة ومعبرة عن الظلم الذي لحق هذه الشريحة الخارجة للتعبير عن الحيف الذي اصاب الأحزاب الخاسرة، على الرغم من خروج هذه الجموع دون ارادتها، بل تنفيذا لأوامر أصحاب المصلحة العليا الذين يعيشون في قصور عاجية، ويحلم أي فرد بجزء من الرفاهية التي يتمتعون بها طيلة السنوات الماضية.
الدم العراقي بجميع اشكاله لا يعادل بالذهب، وما سُفك على الأرض بجريرة الاطماع والرؤى الفردية حتما سينال جزاءه من كان السبب يوم تقوم الساعة، لكن على القوى السياسية التي تقف وراء الشباب المتظاهر اليوم، ان تعرف ان العراق لا يتحمل نزيفا أكثر مما حصل في السنوات الماضية، ولا حاجة لخسائر كبيرة بعد، من الانجع لها قبول الواقع والعودة الى خطاب العقل والمنطق للخروج بطرق سلمية وإيجابية من الازمة الحالية.
فالطاقات الشبابية بجميع البلدان من أثمن الثروات الوطنية، ففي الدول الأخرى يعتمد عليهم في بناء الأوطان بمختلف المجالات، ويحصلون على حقوقهم دون نقصان او تأخير لذا تجدهم يبدعون ويثابرون ويعملون المستحيل في سبيل تحقيق احلامهم وهكذا تبنى الدول وتنتشل من القاع السحيق.
الا في العراق فالأمور تسير خلافا للمعقول ولم نجد أي نوع من أنواع الاهتمام بهذه الشريحة، فمنهم من أكمل دراسته بأدق واهم التخصصات العلمية واجبرته المحاصصة الحزبية على عدم نيله استحقاقه في العمل ضمن الطواقم الأخرى بمختلفها، والبعض الآخر جعلته الجهات السياسية أداة لتنفيذ اجندتها على حساب كرامته وارادته المسلوبة.
ربما ابتلي العراق بهذه الشلة القليلة من الوجوه السياسية القادمة من الخارج والمشتركة مع وجوه الداخل، فعلى الرغم من عددهم المحدود، لكنهم أصبحوا الوقود التي تحرك الأوضاع في البلد فاذا ارادوه هادئا، عم الهدوء وانتشرت السكينة واستتب الامن، وإذا ارادوه العكس تحركوا وقلبوا الأمور كيفما يشاؤون، فمن سمح لهم ان يتحكموا هكذا بمصير البلد؟، لا أحد يعرف.
كنا في الأيام القليلة الماضية يحدونا الامل بأن التوافق السياسي سيحصل في القريب وتتجه الجهود نحو الاعمار والبناء وتعويض النقص الكبير في الخدمات المقدمة للمواطنين، لكن يبدو اننا نعيش بحلم وردي، ولا تزال الأمور تزداد تعقيدا وما زاد الطين بلة هو الخطوة الأخيرة المتمثلة باستهداف منزل رئيس مجلس الوزراء على ايد جماعات مجهولة لغاية الآن.
اضف تعليق