q
كان الحديث يدور قبل الانتخابات عن الكتلة الاكبر، ونوعية التحالفات، ومن اية جهة سيكون رئيس الوزراء. هذا ما كان يشغل السياسيين والمحللين المهتمين بالشأن السياسي، وفجأة تغير كل شيء، وانقلبت الارقام ضد مصلحة القوى التي كانت تعول على الحصول على مقاعد اكثر. وما حدث في السياسة يحدث في الطقس دائما...

الانتخابات في العالم كلّه لا تشبه اي نوع من انواع الرياضة التي نشاهدها، وتحظى بمعجبين. فليست هي كرة قدم، ولا كرة طائرة، ولا مبارزة ولا سباق سيارات.

الانتخابات رياضة سياسية قائمة بحد ذاتها، غامضة، ولا يرضى اي طرف فيها الخسارة التي تلحق به. وهذا ما نراه يحدث في اكبر الدول، وربما كانت انتخابات الولايات المتحدة الاخيرة التي سقط فيها ترامب مثلا جيدا على ما أقول.

بالنسبة لنا فان الامر مختلف جدا، واكثر تعقيدا لسبب بسيط هو الفوضى السياسية التي نعاني منها منذ اكثر من عقد. إن قلت عن انتخاباتنا هي رياضة سياسية فهذا يعني ان الخاسر يجب ان يتمتع بروح رياضية. لكن هل هناك خاسر في لعبة يتمتع بروح رياضية؟. ومع ذلك فان انتخابات تشرين وعلى الرغم من اشارات المراقبين الدوليين عن ضعف المشاركة فيها لكنها اقنعت اغلب المختصين بالشأن السياسي.

في الواقع لا افضل القول ان بعض ممن لم يوفقوا عوقبوا شعبيا على فشلهم. لكنهم فشلوا في النهاية.

وصعدت كما لاحظنا اسماء جديدة، وحصلت على نتائج جيدة. ويبقى هناك امل ان تتفق القوى السياسية لتشكيل حكومة بعيدة عن مزاج المحاصصة، الذي دمر روح الديمقراطية، وقاد البلد الى هذا الخراب الكبير، هذه لو قلت بكلمة مختصرة امنية شعبية نود جميعا ان نراها تتحقق.

إن الملاحظة التي اقف عندها دائما هي: كيف لنائب يصل الى البرلمان ثم يختفي عن الانظار ما عدا ظهوره في الفضائيات وهو يتحدث عن قوانين ستشرع، او قوانين لم تشرع او الحديث عن قضايا الفساد. وبعد ذلك يعاود ظهوره معلنا انه رشح نفسه ثانية للانتخابات.

ان قواعد اية لعبة تتحدث عن الانجاز. اللاعب الذي لا يسجل يجلس على دكة الاحتياط، واللاعب الذي يسجل، ويبدي مهارة سيكون صاحب الحظ الاوفر في المشاركة، هذا هو واقع الحال وقواعد اية لعبة او رياضة. والانتخابات كذلك.

واذا استمر الحال هكذا فسنشهد في الانتخابات المقبلة تغيرا واضحا حتى على مستوى الكتل

الكبيرة. لا يجوز ان يتعلم السياسي او النائب تجاهل مطالب من انتخبوه. هذا مكر سياسي لن يصمد طويلا. وفي المأثور الديني فان المسؤول سيقف امام الله ليسأله عن الامانة التي سلمها اياه من انتخبوه.

لا أظن أن أحدا كان يتوقع ان تكون النتائج التي اعلنت عنها المفوضية بهذا الشكل الملفت للنظر. فالقوى الكبيرة لم تحصل على ما كانت تتوقعه. لذا هي رفضت النتائج المعلنة، ودعت انصارها الى النزول الى الشارع.

اضف الى ذلك ان هذه القوى كانت تصر على اجراء الانتخابات في موعدها الذي اجريت به. باختصار لم يكن في حسبان أحد أن النتائج ستخلق أزمة مزعجة الى هذا الحد.

كان الحديث يدور قبل الانتخابات عن الكتلة الاكبر، ونوعية التحالفات، ومن اية جهة سيكون رئيس الوزراء. هذا ما كان يشغل السياسيين والمحللين المهتمين بالشأن السياسي.

وفجأة تغير كل شيء، وانقلبت الارقام ضد مصلحة القوى التي كانت تعول على الحصول على مقاعد اكثر. وما حدث في السياسة يحدث في الطقس دائما، اذ ينقلب الجو الصحو الى جو ممطر. او تقفز درجة الحرارة الى درجات غير مسبوقة.

هذا حال طقسنا، ويبدو ان السياسة اصبحت هي الاخرى تصيبنا بمفاجآتها غير المحسوبة.

مرة اخرى انقسم الشارع. هذه المرة تظاهرات تبعها اعتصام ومهلة للمفوضية لتصحيح المسار. يطمح هؤلاء المعتصمون أن تتغير النتائج بعد تقديم الطعون للمفوضية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه متى غيرت الطعون المقدمة النتائج المعلنة. قد يكون هناك تغير لكنه لن يقلب الوضع الذي اعلنت عنه المفوضية في ما سبق.

القوى الفائزة من جهتها تقر بان الانتخابات كانت جيدة. هي مطمئنة لما حصلت عليه.

كما ان اعتراف الامم المتحدة بهذه الانتخابات ثم اعلان الاتحاد الاوربي ان انتخابات تشرين كانت {سليمة ومنسقة ومرتبة} اعطى جميع المقتنعين بفوزهم ورقة ضغط دولية، ستسهم في دعم ما تحقق حتى الان على ارض الواقع.

ما أود قوله إن الصورة تغيرت. وان انقسام اليوم الذي نراه هو انقسام الامس حين رفع كل من كتلة سائرون، والفتح راية الكتلة الاكبر ثم اتفقا على رئيس وزراء من خارج الكتلتين. انقسام اليوم يختلف كثيرا.

فالاطار التنسيقي كله يطعن بنتائج الانتخابات في حين يصر التيار الصدري على التمسك بالنتائج، وعدم التلاعب بها. هذا يعني ان الوضع اكثر تعقيدا من الانقسام الذي حدث في البرلمان عام 2018.

واذا كان انقسام الامس يثبت احقية الفوز فان انقسام اليوم يشكك في اصل العملية كلها، ويرفضها بالكامل.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق