غزة في خطاب نتنياهو الأخير ليست مدمرة. إنها آمنة وتحصل على وجبات طعام دون انقطاع. ولا يوجد ضحايا يسقطون وهم في خيامهم، كما لا يوجد أطفال مصابون بسوء تغذية حاد. على العالم أن يتأكد جيدًا حين ينظر إلى غزة، المدينة الأخرى التي لا يراها أحد سوى نتنياهو. هناك حرب، لكنها حرب تحافظ على حقوق المدنيين...
ربما هي المرة الأولى التي تحصل فيها القضية الفلسطينية وغزة على هذا الدعم الدولي الكبير وإدانة سياسة القتل والتجويع التي تمارسها قوات الاحتلال. فتح العالم عينيه جيدًا وشاهد المأساة في نهاية المطاف، وكأن جبل الجليد المخفي ظهر للعالم فاكتشف الجميع حجم التضحيات والموت الذي يتعرض له أهالي غزة العزل.
عقود مضت والعالم لم يقف مع غزة والقضية الفلسطينية كما يقف اليوم. هل حدث تغير في ذوق المجتمع الدولي أم إن قسوة الخراب، والتصميم على إبادة الأبرياء فتحا أبواب الضمير الثقيلة المقفلة منذ سنوات؟
بكل تأكيد انتصرت غزة حين حصلت على هذا الموقف الدولي الداعم لقضيتها، وكأن هناك إجماعًا يطالب بإيقاف الحرب والموت اليومي.
في المقابل، لا يسمع نتنياهو صوت الرافضين لسياسة القتل التي ينتهجها. إن العالم بالنسبة لوعي نتنياهو غير موجود، ما يراه فقط هو الموقف الأميركي الداعم له. لذا لا يهتم رئيس الكيان المتطرف إلا بمواصلة حربه للحصول على مكاسب أكبر تتعدى عودة الأسرى، وإنهاء وجود حماس، وإلا كيف يمكن أن نفهم إعلانه مؤخرًا عن توسيع العمليات العسكرية لاحتلال كامل قطاع غزة؟ هذه الخطوة التي جوبهت برفض دولي غير مسبوق.
أستطيع القول إن العالم كله تقريبًا يقف في جهة، ويقف في الجهة المقابلة وعي نتنياهو الذي يرفض كل حديث عن تجويع المدنيين وعن الإبادة الجماعية التي لم تتوقف حتى اللحظة.
يخفي نتنياهو شيئًا أكبر مما يعلنه في خطاباته، التي يريد من خلالها أن يعيد الصورة السابقة التي كانت تظهر دولة الاحتلال في مكان الضحية الحقيقية، وأن المعتدي هو الفلسطيني الأعزل على الدوام. هو يريد من العالم أن ينظر إلى ما يجري في غزة الآن على أنه ليس الحقيقة، لسبب بسيط هو أن العالم مخدوع، وأن الكذب – كما يعتقد نتنياهو – هو من يقوم برسم الصورة.
غزة في خطاب نتنياهو الأخير ليست مدمرة. إنها آمنة وتحصل على وجبات طعام دون انقطاع. ولا يوجد ضحايا يسقطون وهم في خيامهم، كما لا يوجد أطفال مصابون بسوء تغذية حاد. على العالم أن يتأكد جيدًا حين ينظر إلى غزة، المدينة الأخرى التي لا يراها أحد سوى نتنياهو. هناك حرب، لكنها حرب تحافظ على حقوق المدنيين على أكمل وجه. والقذيفة لا تصيب إلا هدفًا استراتيجيًا، وعلى مدار أشهر طويلة دمرت إسرائيل المئات من مراكز الأبحاث والقواعد الجوية والمطارات. أما البيوت فهي على حالها. واذا انطلقت رصاصة فهي تصيب مقاتلاً حاملاً للسلاح ولا يمكن أن تقتل مدنياً، ذلك لأن رصاصة الجندي الإسرائيلي موجهة بالليزر وباحترام حق الإنسان في الحياة، هذه هي غزة كما يراها نتنياهو. أما كاميرات العالم فهي عمياء بكل تأكيد.
اضف تعليق