كما كان متوقعا... في نهاية المطاف تم التوصل الى اتفاق نووي "تاريخي" بين إيران والقوى الكبرى، وان لم يلبي طموح الطرفين، لكنهما اكدا انه أفضل ما يمكن الحصول عليه، وبهذا تكون صفحة الخلافات النووية قد طويت... على الأقل لحين الانتهاء من فرحة انجاز الاتفاق، والدخول في التفاصيل، او تطبيق ما كتب من تفاصيل بنود الاتفاق المتضمن لعشرات الصفحات من النقاط الفنية والالتزامات والعهود التي قطعها الطرفان تجاه الاخر.
الردود الخليجية والعربية والعالمية كانت متوقعة في معظمها... البعض منها متخوف او يشعر بخيبة الامل... والأخر يطمح بالاستثمارات الإيرانية القادمة والبعض الاخر يرى ان شراكته مع إيران سوف تأتي بأكلها بعد رفع القيود الاقتصادية قريبا... والتسليحية بعد سنوات من الان، وجميع هذه المشاعر والمواقف كانت متشابهة في عدم استيعاب حجم التغيير القادم... وهل هو تغيير من النوع الذي سيتبعه ما يتبعه، حتى تغامر الولايات المتحدة الامريكية بثقلها الدولي، وعلى مدى 21 شهر من المفاوضات الشاقة لإنجاح الاتفاق؟... ام انه من النوع العادي الذي كفى الخليج والشرق سلاحا نوويا قد يفاقم مشاكل المنطقة المتوترة؟.
ما يمكن فهمه من العلاقة التي جمعت إيران بالغرب خلال الأشهر الماضية كانت تتخذ عدة مسارات مهمة منها:
- علاقة مهنية اهتمت بوضع أسس برنامجها النووي (السلمي) والاعتراف بدخولها النادي الدولي، إضافة الى رفع العقوبات عنها بصورة تدريجية... مقابل ذلك كان على إيران اقناع الغرب بان برنامجها النووي فعلا ذو طابع سلمي... والسماح لهم بتفتيش منشأتها النووية وغيرها من النقاط التي تضمنها الاتفاق بتفاصيله الدقيقة... ما يعني اعتماد مبدأ الثقة المتبادلة بين الطرفين.
- علاقة تقارب اقتصادي سبقت التوصل الى اتفاق شامل... وكانت الزيارات الغربية والوفود الاستثمارية من اوربا والولايات المتحدة الامريكية تتوالى على طهران... وهو ما يشير الى قرب انخراط إيران في السوق العالمي والانفتاح الاقتصادي على الغرب.
- علاقة تقارب أمني... والتي لم يمط اللثام عنها كثيرا... وظلت طي الكتمان وتعتمد على المحادثات الثنائية الضيقة والمحادثات السرية بين المسؤولين من إيران والولايات المتحدة الامريكية... او باقي دول "التحالف الدوي"... لكن ما رشح منها، يعزز التوقعات بان إيران ذاهبة بقوة نحو التعاون الأمني والعسكري مع الدول الغربية لمكافحة تنظيم "داعش" والتنظيمات المتطرفة الأخرى... سيما وأنها رشحت بقوة على ان لها القدرة الفعلية على القيام بذلك من قبل خبراء ومسؤولين غربيين كبار.
طبعا الاتفاق الموقع مع إيران سيخضع لعوامل اختبار بعد ان يدخل حيز التنفيذ... وستكون هناك العديد من المطبات... وربما سوء الفهم من الطرفين حول تفسير بنود الاتفاق والمقدار الذي يسمح به الطرف الأول للطرف الثاني في تقييم مدى النجاح والفشل والالتزام... لكن ما سيساعد الطرفان هو مقدار تعامل إيران مع واقعها الخارجي، وقدرتها على استثمار الانفتاح الغربي والعربي... وربما الخليجي... معها لطي صفحة الماضي وبناء علاقات مصدرها "الثقة المتبادلة" بعيدا عن الدخول في تحديات ثنائية لا تنفع في زمن التوتر الذي يعيشه الشرق الأوسط حاليا.
وحتى يتم ذلك... ينبغي نقل الصورة المشرقة لانفتاح إيران على الخارج... وقبلها الانفتاح على الداخل الإيراني أيضا... فالشعب هو سر القوة الإيرانية... وقد عانى هذه الشعب من ظروف الحصار الاقتصادي والتضييق على الحريات السياسية والاجتماعية كثيرا... وربما أعاد له "الإصلاحيون" الامل في إيران ما بعد الاتفاق النووي... إيران الجديدة، التي ستعتمد على الاستثمار والدبلوماسية الهادفة والحريات العامة ومكافحة الإرهاب كطريق نحو بلوغ القمة.
طبعا... الإصلاحيون نجوا في الخطوة الأولى... خطوة ستتبعها خطوات أخرى لا تقل أهمية عن الاتفاق النووي، فالمجتمع الإيراني الذي اثبت بخروجه الى الشوارع فرحا بنتيجة الاتفاق انه جزء من هذا التحول... وانه يطمح الى المزيد من النجاحات الضامنة لحقه في التطلع نحو الامام.
اضف تعليق