من جانبها الصين ترغب باستكمال مشروع ممر الحزام والطريق، أما واشنطن فأرادت خروجا آمنا لاستكمال المساعدات، فيما تريد روسيا الحفاظ على أمن أوزبكستان وطاجيكستان (صاحبة الحدود الأطول مع أفغانستان)، وهذه التعاهدات التي أطلقتها الحركة لدول الجوار وواشنطن، تسعى طالبان اليوم للحفاظ عليها عبر حكومتها الجديدة...
قصة عشرون عاما من الحرب طويت بخروج آخر جندي أمريكي، حرب بدأت بقرار إنهاء طالبان وانتهت بسيطرة الحركة على البلاد باعتراف أمريكي، وتسليم البلد إلى طالبان في أفغانستان، انسحاب اتسم بالفوضى والعنف داخليا، وكثير من الزخم السياسي دوليا، وأمام الواقع الجديد تجد طالبان نفسها أمام تحديات كبيرة في إحدى أفقر دول العالم، تحديات تتداخل فيها السياسة والاقتصاد، وتكثر معها الأسئلة حول مستقبل أفغانستان بظل حكم حركة طالبان.
بعد إعلان الانتصار العسكري تتجه أعين طالبان نحو الميدان السياسي، وبدأت تسوق لحكمها قبل دخول كابول، في محاولة للخروج من عزلتها الدبلوماسية، ووضعت على أمر دول الجوار خطا احمرا لتكسب الهند وباكستان وإيران وروسيا وذهبت للصين تتعهد بفصل قضية مسلمي الإيغور عن سياسة حكومة تكون لحركة طالبان كلمة الحسم فيها، مقابل وعود باستثمارات ضخمة، تدق ساعة الحقيقة وتنتهي المشاورات وتصبح طالبان على بعد أيام من تشكيل حكومة أفغانية، فتكثر الأسئلة حول مصير بلاد تعتمد بنسبة 75% على المساعدات الدولية في ميزانيتها، مساعدات يبدو توقفها واردا في أي لحظة، وبوادره بدأت عندما أوقف صندوق النقد الدولي تمويل بقيمة 370 مليون دولار فور سقوط حكومة كابول.
وهنا نتساءل هل ستنجح طالبان سياسيا في تشكيل حكومة شاملة تحظى بقبول واعتراف دولي؟، وإلى أي مدى يمكن للاقتصاد الأفغاني تحمل تبعات التطورات المتلاحقة؟.
خوف المجهول
في قادم الأيام تدخل أفغانستان حقبة سياسية جديدة، وطالبان تستعد للإعلان عن تشكيل حكومتها الجديدة المفتقرة للعنصر النسوي، حكومة تكثر حولها علامات الاستفهام خاصة حول كيفية تعاملها مع الجانب الاقتصادي في بلاد تعتمد بشكل أساسي على المساعدات الدولية.
ومن هنا جاء الخوف الاقتصادي وربما يكبر في مرحلة حكم طالبان، فاحتياطات الدولة التي تقارب 9 مليارات و 400 مليون دولار لا تزال مجمدة لمنع الحركة من الوصول إليها، فيما تنتظر مقدرات البلاد الطبيعية البالغة تريليون دولار استحقاق الاستثمار المؤجل، فطالبان تدرك التحديات وتبدل خطابها الذي اعتمدته لسنوات اقتطفت منه ثمار الخصام الدولي وتتجه اليوم لتسويق أفكار جديدة، كضمان الأمن والاستقرار وفتح أبواب الاستثمار للجميع من بكين إلى واشنطن، تعهدات تطلقها طالبان للنهوض باقتصاد يعاني من انكماش بنسبة 5%، فيما يبقى أكثر من 70% من الشعب مهددين بالبقاء في حبائل شبح الفقر، الأمر الذي يجعل من الحركة بضرورة السعي لإيجاد الحلول الممكنة.
من جانبها الصين ترغب باستكمال مشروع ممر الحزام والطريق، أما واشنطن فأرادت خروجا آمنا لاستكمال المساعدات، فيما تريد روسيا الحفاظ على أمن أوزبكستان وطاجيكستان (صاحبة الحدود الأطول مع أفغانستان)، وهذه التعاهدات التي أطلقتها الحركة لدول الجوار وواشنطن، تسعى طالبان اليوم للحفاظ عليها عبر حكومتها الجديدة، حكومة أما أن تقلب التوقعات أو تغرق البلاد في حرب اقتصادية تداعياتها ستكون أكبر من حرب عسكرية استمرت لعقدين من الزمن.
اقتصاد أفغانستان
ينعكس الواقع السياسي الأفغاني بشكل كبير على أداءها اقتصاديا، إذ أوردت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية: "إن الظروف المعيشية في أفغانستان تحسنت بشكل ملحوظ بعد الإطاحة بحركة طالبان قبل عقدين من الزمن"، لكن وفي الوقت الحالي تظهر الترجيحات إمكانية توقف
المساعدات الدولية بالكامل في ظل عودة حكم طالبان إلى البلاد مما سيؤثر على اقتصادها، فبحسب الأرقام التي نشرتها الصحيفة فإن تدفق المساعدات كان يشكل 100% من الناتج المحلي لأفغانستان في عام 2009، لينخفض إلى 42.9% في عام 2020 مقيدا نشاطات الخدمات والتنظيف، كما يمثل الاقتصاد غير الرسمي نحو 80% من إجمالي النشاط الاقتصادي الأفغاني بحسب المجلة، أضف إلى ذلك يعتبر اقتصاد أفغانستان من بين الأكثر هشاشة في العالم إذ احتلت أفغانستان المرتبة 165 من أصل 180 دولة في العالم في مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2020، كما صنف البنك الدولي أفغانستان في المرتبة 173 من أصل 190 دولة في مسح ممارسة الأعمال لعام 2020.
وبحسب توقعات الخبراء الاقتصاديين أكدوا على أن الاقتصاد الأفغاني تحت حكم طالبان سيواجه تحديات كبيرة خاصة بمسألة التحويلات المصرفية من الخارج واستعادة الأموال المجمدة.
اضف تعليق