قبل الهروب الكبير كانت حقوق الإنسان هي الراية الجامعة للدول الغربية، وتحت ظلها ترفع من شأن الدول خارج القارة العجوز أو تحط من شأنها، فالمعيار الأساسي للتعاطي مع الدول هي حقوق الانسان، أليس كذلك؟ هذا ما يبدو على وسائل الإعلام وهو كلام مضلل يعرف الإعلام الغربي أنه كذب...
لم تكن أفغانستان مقبرة للغزاة كما هو شائع، بل باتت مقبرة للفلسفات والقيم الإنسانية لما بات يعرف بـ"القيم الغربية" التي يسوق لها الغرب ومن خلالها حقق انتصارات فكرية وسياسية واقتصادية على خضومه، مستفيداً من البروباغندا الإعلامية الهائلة.
مشهد هروب السفير الفرنسي يقول إن "القيم الغربية الإنسانية" التي نادى بها جان جاك روسو قد هزمت وتراجعت بالمسارين العلني والآخر المتخفي بالدعاية الإعلامية.
قبل الهروب الكبير كانت حقوق الإنسان هي الراية الجامعة للدول الغربية، وتحت ظلها ترفع من شأن الدول خارج القارة العجوز أو تحط من شأنها، فالمعيار الأساسي للتعاطي مع الدول هي حقوق الانسان، أليس كذلك؟
هذا ما يبدو على وسائل الإعلام وهو كلام مضلل يعرف الإعلام الغربي أنه كذب لكنه يريد تصديق كذبته، والجمهور يشاهد الكذبة ويعرفها، لكنه لا يجد سبيلاً سوى القيم الغربية الإنسانية.
الكل يعرف أنهم يعيشون حالة الوهم، إلا أنه مستمر على قيد الحياة ليس بفضل قوته إنما بسبب ضعف الآخرين، وما أن كشرت طالبان عن أنيابها، وأظهرت الموازنة الأميركية ضعفا في استمرار تمويل الحرب، حتى تراجعت عن حربها لنشر القيم الغربية والديمقراطية في دول العالم، وخلال أيام معدودة انتصرت الفلسفات الغربية "اللاانسانية" التي ترفع من شأن القوة والنفعية.
وبما أن المسألة تتعلق بإنشاء بؤرة توتر أمني وسياسي جديدة تستهدف الدول الاسوية الكبرى فلا مشكلة من تدمير أفغانستان المدمرة مرة أخرى، والسماح للجماعات المتطرفة بالعودة إلى الحياة من جديد.
ميكافيلي متأبطاً كتاب الأمير حضر إلى أفغانستان وغايته هنا تبرر تدمير البلاد لمدة ٢٠ عاما بحجة الحرب على الإرهاب، وهو يبرر ترك البلاد بعد كل هذه المدة لنفس العدو الذي جاءت أميركا وحلف شمال الاطلسي وقالوا إننا هزمناه.
اما داروين فلا تهمه الأزمة، لأنه يحمل راية الإنتقاء الطبيعي، وفي أفغانستان لم تكن المشكلة تتعلق بأميركا ولا حتى حركة طالبان والتنظيمات المتطرفة الأخرى الطبيعة كانت تعمل على انتقاء الأنواع القوية والسماح لها بالنجاة والاستمرار بينما تذهب الأنواع الأضعف نحو الاندثار أو الانقراض.
يضرب لنا داروين مثالاً في الطائرة الامريكية العملاقة C-17 على مدرج مطار كابول وهي تروم الارتفاع عن الأرض، تمثل هذه الطائرة طوق النجاة لكل من يتخفى داخل بطنها، لأن الأرض تحت عجلاتها صارت غير آمنة.
ولأن الطائرة محدودة الحمولة وعدد طالبي النجاة كبير في ساحات المطار فلا بد من عملية انتقاء لبعضهم على حساب الآخر، هنا يكون البقاء على الأرض الملتهبة بالصراعات للأضعف والهروب للاقوى.
جنسيتك وثوبك ولغتك هي التي تحدد قوتك، أنت أميركي فهذا يعني أنك أقوى من مترجمك الأفغاني لذلك سوف تصعد في طائرة الهروب، بينما يبقى مترجمك الضعيف على الأرض يواجه مصيره مع حركة طالبان.
التشبث للبقاء
خارج ابواب الطائرة شعب أفغاني يواجه الموت، فرغم تطمينات طالبان فإن هرمون القلق يتزايد والحاجة للخروج من البلاد تساوي الحياة أو الموت.
لهذه الأسباب يتشبث مواطنان أفغانيان في الأجزاء الخارجية للطائرة وكانهما يلتصقان بحافلات النقل العام، يظنان أن البقاء لا يسمح إلا لمن يتشبث بالبقاء ملتصقا بالطائرة بينما تنقبض أطاراتها على أيديهم فتقطعها لتقذفهم على الأرض.
في المشهد هذا يتضح أن هناك إنسان أعلى يعيش فوق سطح الطائرة وهم الرعايا الأميركان، وإنسان أدنى يتشبث في عجلات الطائرة وهم المواطنون الافغان الذين لا حول لهم ولا قوة.
إنهم ضحايا بين نارين، نار طالبان، ونار الأمريكان.
الطرفان لا يفكران بالإنسان، ميكافيلي هو الذي يقود العقول، ويوجه مسار الطائرات وعمليات الانقاذ.
بالمنطق الاميركي الميكافيلي السياسي، والمنطق الدارويني فالافغاني غير مفيد لو تم إنقاذه ولذلك لا غرابة من تركه على الأرض بدون حماية من حركة طالبان المتطرفة.
كل هذه الجرائم يتم تبريرها بشعار الحفاظ على "المصالح القومية" للدول الكبرى، وتحت أقدام المصالح تسحق حقوق الإنسان.
اضف تعليق