تحيرت عقول المحللين وتنوعت في تفسيرها ظاهرة التطرف التي ارتقت إلى مرحلة الانتحار بحزام ناسف أو سيارة مفخخة أو شبهها.
المطّلع على الوضع النفسي والعقائدي للإرهابيين (المفسدين في الأرض) ومستوى وعيهم وثقافتهم ثم مستوى وضعهم النفسي والاجتماعي يكتشف الدوافع التي تدفع المفسد أن يقتل نفسه مع الآخرين.
ولأن الإنسان مخلوق في الأرض للإصلاح والعمارة والبناء فيكون اقدامه على هذا الفعل الشنيع أمرا ينبئ عن تراكم عُقَدٍ متعددة الجوانب تصنع شخصيته وتحدد قوامه النفسي الذي يخرجه على انسانيته وقيميته.
وهنا رأيت أن أوجز تلك العُقَدِ بالعوامل بما يلي:
العامل الأول: عنف العامل الوراثي
يولد الإنسان وتأتي معه صفاته النفسية وملامح قوامه الشخصي.
ومما ثبت في الدراسات النفسية والتحقيقات الطبية أن سبب الميل إلى العنف والانتقام وغريزة الحالة العدوانية في الإنسان هو عامل وراثي في تكوينه بحيث تم لحد الآن تحديد ثلاث موروثات (جينات) في تكوين الفرد مسؤولة عن النزعة العدوانية فيه، وقد أطلقوا على تلك الموروثات أو الجينات (MAOA) monoamine oxidase A. وقد ارتبطت هذه الجينات بمجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية بما في ذلك السلوك المعادي للمجتمع، وسبب هذه الحالة المرضية هو حصول طفرة وراثية في العامل الوراثي (الجين) الذي ينتج هذه الحالة.
اضافة إلى هذه المعلومات العلمية فإن التحقيقات العلمية للعديد من النصوص الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (من أهل بيته عليهم السلام) تؤكد على أن تكوين النطفة يتأثر بمؤثرات خارجية من البيئة والمناخ والهيئة والحالة النفسية لكلا الابوين للساعة التي تنعقد فيها النطفة فتصنع منه جبارا أو سفاكا أو قتالا ميالا للعداوة والعنف، وهذا ما ثبت حتى في العلم الحديث كذلك.
إذن هناك عوامل وراثية تصنع من الإنسان ذكيا وحليما وشجاعا وهناك ما تصنع منه جبارا سفاكا ميالا للدماء والدمار والعدوان، والله تعالى لا يحاسب الإنسان على ما عنده من موروثات تكوينية (جينات) بل على مقدار استخدامه منحة الحرية ولوازمها (من عقل وفطرة وعلم ومعرفة) والتي بها يتخذ قراره في أحد شقي الحياة السوية أو المتردية، فلا يقال أن الإنسان مجبور أعلى عدوانيته وشذوذه ودمويته فيكون مجبورا خارجا عن ارادته.
ذلك أن الله تعالى يحاسبه لأنه كلّفه، ولم يجعله مكلفا إلاّ أن مكّنه وأقدره، فيكون الحساب على أساس معرفته وفهمه واستخدامه قواه العقلية وقدراته التي يجب أن يوظفها في توجيه مساراته في الحياة.
ولذلك يأتي دور التربية العائلية ثم تربية الإنسان لنفسه ومسؤوليته في قهر تأثيرات العامل الوراثي في حياته.
والنتيجة هي أن هناك عامل أساس في صناعة شخصية الارهابيين والمتطرفين الدمويين الذين يُصاغ منهم الانتحاريين وهو معاناتهم من مرض نفسي بسبب موروثاتهم التكوينية التي يرثونها. أما العامل الثاني فهو عنف الموروث الاجتماعي.
العامل الثاني: عنف الموروث الاجتماعي (البيئة الاجتماعية العنيفة)
ما يحتضن الإنسان هو بيته ثم مجتمعه من حوله، فبه ينشأ، وفيه ينمو، وعليه يترعرع، بحيث تتبلور قدراته النفسية والعقلية في مجتمعه الصغير ثم الكبير.
فإذا كانت قدراته الذاتية نابعة من عوامل وراثية عنيفة ميالة للانتقام فإن المحيط العائلي والأسري والاجتماعي إذا كان جاف العلاقات، قاسي الطباع فاقد لقيم التحضر والحياة فانه يغذي تلك العوامل الموروثة ويركزها في النفس ويظهرها للعلن عبر ممارسات جافة قاسية.
فبدل أن تكون مسؤولية الأسرة والمجتمع تهذيب العوامل الوراثية الشاذة، والعمل على تشذيب الاستعدادات الوراثية الميالة نحو البغض والانتقام والعدوانية، نجد البيئة الاجتماعية المتربية على العنف والقتل والانتقام والثأر تشكل حاضنا قويا لتربية الاجيال على العنف والقتل والانتقام والدم.
وهذا ما نجده في البيئات القبلية الجافة مناخيا وتربويا وعقائديا فتشكل المصدر للإرهاب المتعارف عليه اليوم.
فالإرهابي الذي يفجر نفسه ويمزق جسده اشلاءً هو مريض نفسيا بسبب حالته العدوانية الدافعة لعدم الانسجام مع المجتمع، والناتجة من عامل وراثي يصنع منه هذا الطبع.
وإذا نبت في مجتمع يشكّل حاضنة اجتماعية تغذي فيه تلك النزعة فسيتقدم خطوة اخرى على سبيل حب الانتقام من الآخرين فيؤهله لأن يكون إرهابيا إنتقاميا، اضافة إلى توافر عومل اخرى نذكرها لا حقا.... نرجو الانتظار.
اضف تعليق