جاءت سيطرة تنظيم داعش على الرمادي، لتكون خطرًا علي العاصمة بغداد، وقد تفوق أهمية سقوط الموصل من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لبغداد، فالأنبار ومركزها الرمادي لا تبعد سوى 110 كم إلى الغرب من العاصمة بغداد، في حين تقع الموصل على بعد 450 كم شمال بغداد، بالإضافة إلى ذلك، فإن الأنبار المترامية الأطراف والتي تصل مساحتها إلى نحو ثلث مساحة العراق، تحد من الجنوب وتحيطها أيضاً، محافظة كربلاء المقدسة، مما يجعل سيطرة التنظيم على الرمادي تحدياً من عدة وجوه، فبالإضافة إلى تهديده المباشر للعاصمة بغداد، بات التنظيم يهدد بشكل مباشر كربلاء.
فبعد اشهر من الدفاع المستميت للجيش والشرطة والمتطوعين من العشائر عن الانبار ومركزها الرمادي، سقطت المدينة وقيادة العمليات، والمقر الحكومي بيد تنظيم داعش، وانسحاب الشرطة المحلية والاتحادية وابناء العشائر بصورة مفاجئة، بشكل يعيد الى الاذهان ما حصل في الموصل قبل عام من الان، لكن اللافت للنظر هذه المرة ان مجلس محافظة الانبار وشيوخ العشائر طالبوا بتدخل الحشد الشعبي لتحرير المحافظة، اذ صوت مجلس المحافظة بالأغلبية على تدخل الحشد الشعبي، وطلب من السيد رئيس الوزراء ذلك، بعد رفض دام لعدة اشهر، اذ رفض بعض اعضاء مجلس المحافظة وعلى راسهم رئيس المجلس، وبعض شيوخ العشائر قبل سقوط المحافظة تدخل الحشد الشعبي في صد داعش، وتحرير مدن الانبار، كذلك ذهبت عدة وفود سواء من مجلس المحافظة وشيوخ العشائر الى امريكا لطلب تسليح العشائر للدفاع عن المحافظة، وطالبوا بتشكيل الحرس الوطني، الا ان كل هذه المحاولات لم تثمر عن نتيجة، اذ ان امريكا لم لتفي بوعودها بحماية المحافظة من السقوط، كما ان المتابع للأحداث يرى ان امريكا كانت ايضا من المعارضين لدخول الحشد الشعبي للأنبار، بل وتم قصف بعض الوحدات العسكرية عن طريق الخطأ- حسب قولهم- عدة مرات، وتم اسقاط سلاح ومعدات اخرى للتنظيم، ولكن بعد سقوط الرمادي ودخول الحشد في معركة تحرير الانبار، رحبت امريكا بهذه الخطوة وعدتها مهمة في هذا الوقت لتحرير المحافظة.
اسباب سقوط الرمادي
فلو عدنا الى اسباب سقوط المدينة بيد داعش بعد هذه المدة من الدفاع، ومشاركة اغلب صنوف القوات المسلحة، اضافة الى ابناء العشائر فهي عديدة ومنها:
1- إن احداث الرمادي أثبتت عدم جاهزة وقدرة وجدية قوات الشرطة المحلية وابناء العشائر لمواجهة مسلحي تنظيم "داعش" الارهابي، واسباب هذه الاحداث مشابهة لأسباب الاحداث التي شهدتها المحافظة عام 2006، اذ لم يستطع اكثر من 30 الف عنصر من شرطة الانبار وقوات الصحوات من الوقوف بوجه تنظيم القاعدة عام 2006، وفي سقوط الرمادي الاخير أظهرت تسجيلات فيديو نشرت على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عشرات العناصر من الشرطة المحلية في مدينة الرمادي وهم يتركون الخطوط الامامية المواجهة لداعش وسط الرمادي ويغادرونها وسط ترديد عناصر من قوات الفرقة الذهبية عبارات انتقاد لعناصر الشرطة، ان الشرطة المحلية حاليا غير قادرة وغير جادة في مواجهة داعش، وهي بحاجة الى اعادة هيكلة واعادة النظر بعناصرها وتدريبهم.
2- ان استيلاء تنظيم داعش على للرمادي جاء نتيجة، التهويل الاعلامي المغرض، ونشر اخبار غير صحيحة عن محاصرة جنود في بعض المناطق، ونشر صور عن قيام داعش بإعدام عدد قوات الجيش والشرطة وحتى الاهالي، مما سبب الخوف والذعر بين افراد الجيش والشرطة، كذلك قيام بعض المأجورين والمتعاونين مع داعش بإطلاق صيحاتهم وتخويف العوائل وقوات الشرطة المحلية ومطالبتهم بالانسحاب وهروب العوائل والقوات الأمنية من الرمادي، وهو يشبه السيناريو الذي حصل في الموصل في شهر تموز عام 2014.
3- عدم كفاءة ونزاهة بعض القادة العسكريين، وعدم الجدية في المواجهة والقتال، والتستر وعدم ايصال المعلومات الصحيحة عن الوضع في الانبار الى القيادات العليا، بل الانسحاب من المعركة بصورة مفاجئة، اذ ان عدم وجود محاسبة لهم من قبل الحكومة جعلهم غير مهتمين بالأحداث، خاصة وان من تسبب في سقوط الموصل قبل ذلك لم يتم توجيه اي اتهام لهم، بل ان بعضهم استلم مناصب جديدة، كذلك ضعف التنسيق بين الوحدات العسكرية المختلفة، فكل تشكيل عسكري يدار بشكل منفصل عن الوحدات الاخرى.
4- تدخل العديد من دول الجوار بأحداث العراق، ودعمهم لعناصر داعش، وخاصة دول الخليج العربية، وذلك وفق مخططات مدروسة مسبقا لتقسيم العراق، ومازال بعض ممثلي الأنبار في البرلمان والحكومة، يتمنون تدخل بعض دول الجوار لتحرير الأنبار تزامناً مع تشكيل التحالف السعودي ضد اليمن، وما زاد الطين بله؛ الاعتراض على دخول الحشد الشعبي الى الأنبار، حتى ان بعض شيوخ العشائر والسياسيين في الانبار اعتبر ان الحشد الشعبي أخطر من داعش، بل وينكرون جرائم تُصر داعش على نشرها، وبهذا فان اغلب سياسيي المناطق الغربية يتاجرون بدم ابنائهم لأغراض شخصية، ولمصلحة دول اقليمية، وبعض الارادات السياسية من قبل ساسة تلك المناطق وبعض شيوخ العشائر تقف حجر عثرة امام تحرير المحافظة من داعش فهم يقفون بالضد من مشاركة الحشد الشعبي، لخضوعهم ولتمثيلهم اجندات خارجية وتنفيذ غايات سياسية خارجية وصولا الى انشاء الاقليم السني.
5- ان زيارة بعض اعضاء المحافظة من كتلة متحدون الاخيرة ووعود امريكا بالتسليح المباشر للسنة جعلت التنافس السنية يحتدم بين العشائر في المحافظة، والتنسيق مع مخابرات اقليمية للاستعجال بسقوط المدينة، و بخطة دخول الحشد الشعبي، وتشير تقارير الى ان هناك تسارع بين طرفي النزاع في المحافظة والمعروفين بـ(متحدون) وبعض العشائر من جهة وبين اعضاء ونواب وعشائر في المحافظة من جهة اخرى، فكل منهم يسرع الخطأ لاستجلاب من يراه الانسب، فمتحدون ومعها طيف كبير من الشارع الانباري يعمل حصول الانبار على الدعم الامريكي وانشاء الاقليم، والجانب الآخر يعمل على دخول الحشد الشعبي، وهذا الصراع تسبب ويسبب في ماسات اهالي الانبار.
ان قرار دخول قوات الحشد الشعبي الى الانبار يجب ان لا يكون قرارا انفعاليا بل لابد من ان يكون قرار دخول الحشد توافقا سياسيا من اجل توفير البيئة القتالية الامنة للحشد الشعبي في الانبار والابتعاد من تعرضه الى المخاطر، إذا لماذا طلب وأيد سياسيو الانبار وامريكا الآن دخول الحشد الشعبي؟ بعد ان رفضوا هذا التدخل لأشهر عديدة، وبعد ان ترك افراد الشرطة والعشائر مواقعهم، وبعد ان هرب القادة العسكريون والحكومة المحلية، هناك عدة اسباب لهذا الطلب ومنها:
1- هناك مؤامرة وقد نجحت وها هي الانبار تسقط بيد أهاليها لأهاليها، اذ كيف يستطع داعش وهم بالقلة العددية ان يسيطر على هذه المساحة الكبيرة للأنبار لو لم يكن بيده كل شيء؟، فقد اعطوه المفاتيح بعد زيارة مجلس المحافظة لأمريكا، لذلك جاءت الخطوة الاخرى وهي زج الحشد الشعبي في هذه المعركة، وهناك من السياسيين السنة من يرفض دخول الحشد حتى اللحظة، ويطالب بضمانات من الحكومة، كذلك اين دور طائرات التحالف الامريكي؟ خاصة وان قاعدة عين الاسد تضم المئات من المستشارون الامريكان، وانها وعدت اهالي الانبار بانها سوف تدافع عنهم، حتى ان طائرات التحالف لم توقف الحشود التي استقدمها داعش من سوريا الى الانبار، لقد تغاضوا عن الامر، وكان سقوط الرمادي مؤامرة، وهو زج الحشد الشعبي في محرقة الانبار، ومحاولة استنزاف لها، وذلك لتنفيذ مخطط التقسيم.
2- دخول فصائل الحشد الشعبي الى مدينة الرمادي لتحريرها من عصابات داعش الارهابية هو فخ امريكي يراد منه ضرب الحشد الشعبي واستنزاف قواته، خاصة إذا لم تفي امريكا بوعودها وتوفر الغطاء الجوي المناسب لإيقاف تمويل داعش من سوريا الى العراق.
3- المخاوف من وقوع أعمال قتل وتجاوزات وثارات عشائرية كما حدث في معركة تحرير تكريت من قيام بعض العشائر في صلاح الدين تدمير للمنازل وسرقة بعض الدور السكنية، كذلك لا زالت العديد من العوائل لم تعود لتكريت لحد الان بسبب منع بعض العشائر عودتهم لوجود ثارات بينهم، فقد اتهمت وسائل اعلام وشخصيات سنية الحشد الشعبي بهذه الاعمال، رغم تأكيد مجلس المحافظة بان هذه الاعمال ناجمة عن ثارات بين عشائر المحافظة، لذلك فان الخوف من توريط قوات الحشد الشعبي مرة اخرى، خاصة اذا عرفنا ان اوضاع الانبار الاجتماعية، والعلاقة بين العشائر تنذر بالخطر، لقيام عناصر داعش وبالتعاون مع بعض افراد من عشائر الانبار بإعدام المئات من الرجال والاطفال والنساء من سكان الانبار، وخاصة مجزرة عشير البو نمر التي راح ضحيتها المئات، والمجازر التي حدثت بعد احتلال الرمادي، لذلك فان حدوث اي عمليات انتقام وتفجير لبعض المنازل، قد تقود الى وضع افراد الحشد الشعبي في خانة الاتهام مرة اخرى.
4- عدم الثقة بمواقف بعض العشائر في الانبار، اذ ان تصريحاتهم ووقوفهم مع الجيش والحشد الشعبي، يتناقض مع بعض افعالهم على الارض، فقد حفلت وسائل إعلام بالعديد من المقالات المشككة في مواقف أهل الأنبار تجاه مشاركة الحشد الشعبي بمعارك الرمادي، حيث ذكرت بعض الانباء أن انسحاب قوات الحشد الشعبي من منطقة البو فراج في الرمادي مؤخرًا قبل ساعات من هجوم "داعش"- جاء بناء على معلومات استخبارية لإبادة أفراد الحشد الشعبي المتواجدين هناك من خلال معلومات واختراق يتم توصيلها إلى "داعش" من داخل قوات العشائر الموجودة معهم في ساحة المعركة الذين كانوا يخططون لعملية تسليم مقاتلي الحشد الشعبي، أو إبادتهم من خلال انسحاب قوات العشائر والقوات الأمنية فور ساعة الصفر المعلومة لدى الجميع باستثناء الحشد الشعبي، إلا أن معلومات استخبارية أنقذت الموقف وفشلت هذه المؤامرة من العشائر السنية في الرمادي التي أرادت الانتقام من الحشد الشعبي بهذه الطريقة، مثل هذه الاعمال قد تؤدي إلى وقوع اعمال مماثلة ضد الحشد الشعبي عند دخوله الانبار، مما تزيد من الاحتقان بين الطرفيين، مما يمهد إلى صراع طائفي، وهذا ما تسعى اليه السعودية وامريكا واسرائيل.
5- تعد الأنبار العمق الاستراتيجي لتنظيم "داعش" مع سوريا، وبالتالي، فإن خسارتها تعني فقدان التنظيم لأهم خطوط الإمداد، وهو ما يشير إلى أن المعركة ستكون شرسة وقوية، لذا فان قرار دخول الحشد للأنبار بهذا الشكل غير المدروس والانفعالي، قد يؤدي الى تعرض قوات الحشد الشعبي لانتكاسة أمام "داعش" فيؤدي إلى تهديد العاصمة والمناطقة الشيعية المقدسة وفي مقدمتها محافظة كربلاء المقدسة والنجف الاشرف والتي تقع على الحدود من محافظة الأنبار، وهو ما يؤدي إلى مزيد من التوسع لـ"داعش"، ويهدد مكانة الحشد الشعبي، وبالتالي يؤثر علي العملية العسكرية في تحرير العراق من "داعش" بشكل كامل، ويُبقي على أمل قيادات التنظيم في البقاء عُمرًا اطول لدولتهم المزعومة في العراق.
خلاصة القول، على الرغم من سعادتنا بمشاركة الحشد الشعبي والمباشرة في تحرير الرمادي، الا انه يجب ان تكون هناك رغبة واتفاق بين المكونات السياسية في دخول الحشد الشعبي الى الانبار لتامين الدعم والاسناد العسكري لها، كذلك تامين خطوط الانسحاب الامنة والاسناد الجوي وتوفير المتطلبات الاخرى مثل الارزاق والاتصالات في حال تعرض الحشد الشعبي لحصار من قبل عصابات داعش الارهابية، وبأخذ تعهدات مكتوبة من مجلس محافظة الانبار وقائمة اتحاد القوى، تعهدات تعاقب كل من يتطاول على أبناء الحشد بالكلمات الجارحة او يهدد باستخدام السلاح كما حصل في تكريت، ويجب ان يشمل الاتفاق أيضا إشراك قيادة الحشد في الترتيبات الامنية لما بعد التحرير، اننا نحتاج الى ارادة سياسية واضحة تحمي كرامة ابنائنا الغيارى من دواعش السياسة وتحمي ظهورهم من البنادق المأجورة، خصوصا إن هنالك اصوات في مجلس محافظة الرمادي واعضاء من اتحاد القوى لا زالت تشكك بقدرات ومواقف الحشد الشعبي المقاوم، كذلك ضرورة الابتعاد عن الانفعالية في زج الحشد ضمن معركة الانبار من دون قرار سياسي لأنه لا يمكن التفريط بقوة الحشد في تامين المراقد المقدسة التي تعتبر من ابرز الاهداف التي يسعى داعش لاستهدافها، وذلك الى عدم وجود مؤسسة عسكرية قوية في الوسط والجنوب غير قوات الحشد الشعبي.
اضف تعليق