q

احدث اجتياح تنظيم داعش الارهابي للعراق عام 2014، حالة من الفوضى والتفكك لمناطق واسعة من العراق، من خلال تكريس حالة الانقسام المجتمعي، اذ ساعد هذا الاجتياح تمدد الاكراد نحو مناطق واسعة من الموصل وكركوك وديالى وصلاح الدين والاستيلاء عليها، واعتبارها اراضي تابعة للإقليم، كما عدوها تنفيذا للمادة (140) من الدستور بالقوة، وحصولهم على دعم عسكري كبير من دول الغرب، وضعف الجيش العراقي ابان تلك المرحلة.

كل ذلك عد العامل الرئيسي في خطوة اقليم كردستان على اعلان اجراء استفتاء على مشروع انفصالهم عن العراق وانشاء دولة خاصة بهم، كذلك الدعم من بعض دول العالم والدول الاقليمية الذي تحظى به هذه الخطوة الكردية، فالإقليم يستضيف ثلاث قواعد عسكرية أميركية وبريطانية، فضلاً عن عدة مطارات عسكري يستخدم لعمليات التحالف الدولي، وهو ما يعد -في اعتقادهم- مانع اساسي ضد اي تدخل عسكري من حكومة بغداد او دول رافضة للانفصال مثل تركيا وايران لمنع أو اجهاض حلم الدولة الكردية، كما ان الحالة السياسية في المنطقة العربية من تناحر واضح منحها تأييد دول بالمنطقة لهذه الخطوة ليس حبا أو تعاطفا بل نكاية بدولة أو طرف ما، لهذا نرى ان هناك دورا كبيرا لبعض هذه الدول العربية في دعم الاستفتاء وتمويله من اجل انفصال الاقليم عن العراق، وتقف الامارات على رأس هذه الدول العربية.

بدأ حكام الامارات بتبني السلفية التكفيرية فكرا وتمويلا وترويجا، اذ كانت الامارات واحدة من اربع دول اعترفت بحكومة طالبان وكانت الممول الرئيسي لها وللقاعدة، وعلى الرغم من انتهاج الامارات في زمن الرئيس الراحل (الشيخ زايد) اسلوبا براغماتيا بعيدا عن الاستقطابات الحادة، حيث كانت الامارات تتخذ اسلوبا متوازنا بين العراق وايران ابان حرب الثمان سنوات، ولم تتوقف التجارة بينها وبين ايران رغم تهديدات العراق، واستفادت الامارات استفادة كبرى من اعادة التصدير الى ايران والتي كانت تصل الى مليارات الدولارات، واستطاعت الامارات ان تتجاوز فترة الركود الاقتصادي الذي حل بدول الخليج نتيجة دعمها للعراق وهبوط اسعار النفط في عقد الثمانينات والتسعينات، ولهذا ظهر الفارق الواضح بين ما وصلت اليه الامارات من تزايد مذهل في الازدهار والنمو الاقتصادي.

ولكن بعد وفاة (الشيخ زايد) وتولى الامور بعض الامراء الشباب ممن يتبنون فكر القاعدة تغير موقف الامارات من احداث المنطقة العربية وبالذات بالتدخل في إحداثها امتد من ليبيا والعراق واليمن وسوريا والعراق، واخرها إحداث مشكلة كبرى مع قطر والسعودية ووقوفها الى جانب السعودية اضافة الى مصر والبحرين، علما ان وكالات الاستخبارات الأميركية اشارت إلى أن الإمارات تقف وراء عمليات القرصنة التي تعرضت لها مواقع وحسابات حكومية قطرية، أبرزها وكالة الأنباء (قنا) في أيار 2017، حسب ما ورد في صحيفة واشنطن بوست في تقرير نشرته الصحيفة، وهدفها كما هو واضح الايقاع بين السعودية وقطر لإضعافهما وتسيدها هي للمنطقة.

ومع بداية الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، كانت الامارات من الدول السباقة الى تبني ادعاء مساعدة الشعب العراقي، فأرسلت بعض المساعدات في مجال الادوية او التمور، والمساعدات الاخرى، واستمرت الامارات في هذا الدور التأمري، من خلال استقطاب بعض رموز النظام البائد والسلفيين التكفيريين مثل (حارث الضاري، وهيئة علماء المسلمين، واحمد الكبيسي)، ومن يومها اصبحت الامارات المركز المالي والتآمري على الشعب العراقي فمعظم الاموال التي تدير عجلة الابادة الجماعية تصرف من الامارات وبتنسيق اردني سعودي، وذكرت بعض المصادر ايضا عن دور الامارات في تمويل عمليات العنف الطائفي في العراق من خلال دفع الاموال لقاء تصوير عمليات القتل وقطع الرؤوس، ونقلها الى مواقع تديرها شخصيات اماراتية معروفة، لزيادة التناحر والشقاق بين المكونات العراقية.

ان حزبي (التغيير، والاتحاد الديمقراطي) المعارضين (لمسعود البارزاني) في اربيل، هو من ساعد على نقل بعض المعلومات إلى الحكومة الاتحادية في بغداد، وهو قيام حكومة الامارات بدعم مشروع انفصال اقليم كردستان العراق، من خلال تعهدها لأربيل بتمويل مشروع الاستفتاء المزمع إجراؤه في 25 ايلول، وذكرت بعض مصادر الحزبين ايضا ان هناك دورا كبيرا للقنصل الإماراتي في أربيل (رشيد المنصوري)، فضلاً عن السفير في بغداد (حسن الشحي)، اللذان يقودان حراكاً كبيراً لدعم رئيس الاقليم (مسعود البارزاني)، وعائلته منذ اعوام.

ومن ضمن تدخل الامارات في احداث المنطقة، ذكرت بعض المصادر تأييد الإمارات العربية المتحدة لانفصال كردستان عن العراق، بدعمها الاستفتاء المزمع اقامته في 25 ايلول القادم من خلال التمويل المالي والدعم الدولي والاقليمي، كما وقعت أربيل مذكرة تفاهم مع رئيس مركز الإمارات للسياسات (ابتسام الكتبي)، للمساعدة في اجراء وتنظيم عملية استفتاء الانفصال، وهو دور يعد شريكا اساسيا في تقسيم العراق وتشرذمه، خاصة وان مسؤولي الامارات اعلنوا انهم مع تطلعات اكراد المنطقة لإقامة دولة خاصة بهم.

جاء هذا بعد اشتداد الازمة بين قطر ودول الخليج الاخرى وموقف تركيا المساند لقطر، لهذا فإن الدول العربية الخليجية تريد فرض امر واقع في المنطقة لمجابهة التحديات التركية والايرانية لها بخلق دولة كردية تكون رأس حربة ضد الدولتين، فدعم الامارات مشروع انفصال اقليم كردستان عن العراق، هو لتقسيم العراق، ومناكفة تركيا قدر الإمكان، وكذلك إيران، على اعتبار أن أنقرة تعتبر أن دولة كردية مستقلة على حدودها خط أحمر ممنوع بالكامل، وهو موقف لا تبدو طهران بعيدة عنه أيضاً، فالخلافات التركية الخليجية في ازمة قطر هو الاخر احد اسباب دعم الامارات لانفصال الاقليم، فهي تريد من وراء هذه المحاولة لبناء قواعد عسكرية لها، للضغط على تركيا التي انشأت قاعدة عسكرية في قطر، وازعاج تركيا بإقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية لإثارة الاكراد ضدها، وهذا موجه ايضا الى ايران وسوريا التي تضم عدد ليس قليل من الاكراد على اراضيها.

المعروف ان دور دول الخليج لا ينطلق من مصلحة وطنية، مثل باقي دول العالم الاخرى، بل ينطلق من منطلق ديني مذهبي من جهة، وارادة دولية محركة له، فتدخل دول الخليج في ليبيا وسوريا واليمن والعراق جاء على اسس مذهبية، على اساس ان الحرب هي صراع سني شيعي، كما جاء بطلب امريكي من اجل دعم مجهودها الحربي في المنطقة، لهذا فان دور الامارات لا يخرج عن هذا الاطار، فهي من جهة تدعم الاقليم من اجل اقامة دولة سنية في المنطقة على حدود العراق وايران، كما انها تنفذ اجندات خارجية لأخذ هذا الدور، لهذا فهي واسطة لهدف قد يكون او لا يكون تحقيقه متأكدا بعد.

ففي الوقت الذي تصف فيه الكثير من وسائل الاعلام العربية وغيرها عملية الاستفتاء (بالانفصال)، فان الاعلام الاماراتي يصفها بالاستقلال، ويسارع الدور الإماراتي في كردستان العراق منذ زمن من خلال بوابة الاستثمارات بقطاع الإسكان والصحة والسياحة، فضلاً عن الجانب الإغاثي والصحي تحت عناوين مساعدة النازحين بالشراكة بين "مؤسسة البرزاني الخيرية" والمنظمات الإماراتية، إلا أنه يقتصر على أربيل وأجزاء من دهوك فقط، من دون السليمانية او المحافظات العراقية الاخرى.

على الرغم من الدعم الاماراتي الواسع لإجراء استفتاء الاقليم وانفصاله عن العراق، الا انه هناك العديد من الموانع التي تقف عائق امام تحقيق هذا الحلم الاماراتي الكبير، منها:

1- الاختلاف بين القيادات الكردية، منذ تأسيس الادارة الموحدة في الاقليم عام 2006، الى الان لم يكن هناك موقف موحد للأحزاب الكردية حول العديد من القضايا سوى الداخلية او الاقليمية والدولية، داخليا لاتزال هناك حكومتان الاولى في اربيل والاخرى في السليمانية، كذلك يمتلك كل حزب قوات عسكرية خاصة به، كما ان مسالة رئاسة الاقليم وتفعيل البرلمان لم تحل بعد، والاوضاع الاقتصادية المتدهورة، اضافة الى معارضة حركة التعيير والاتحاد الوطني لإجراء الاستفتاء او الانفصال عن العراق، قبل حل القضايا العالقة مع اربيل على اقل تقدير، والانتقادات الكردية الموجه للإمارات، من ان مساعداتها لم تشمل كل الاكراد، بل لأربيل فقط، وذلك بفتح مكاتب داخل كردستان وتقديم مساعدات للحزب الديمقراطي الكردستاني لا إلى مواطني كردستان، خاصة وان الاقليم يعاني صعوبات اقتصادية لعدم وجود رواتب ولعدم وجود خدمات، وهي ليس بسبب قضية البقاء مع العراق أو الانفصال عنه، بل بسبب سياسات الحزب الديمقراطي وقياداته التي تريد السيطرة على الاقليم.

2- عدم قدرة الامارات الاستمرار بهذا الدور، فالكل يعرف ان انفصال منطقة من دولة ما ليس بالأمر السهل تحقيقه، فهو يحتاج الى قوة عسكرية كبيرة وجاهزة للمواجهة، كما يحتاج الى دعم دولي واسع، ودور اقليمي مساعد له، لهذا نرى ان قوة الاقليم (البيشمركة) رغم عددها وتسليحها الا انها لا يمكن قياسها بالقوات العراقية (الجيش والحشد الشعبي)، كذلك الموقف الدولي المعارض لإجراء الاستفتاء والانفصال، وخاصة المعارضة الامريكية الاوربية، كما ان دول جوار الاقليم هي الاخرى ترى في انفصال الاقليم تهديدا لأمنها القومي ووحدتها الوطنية، وهي اعلنت موقفها المعارض للانفصال، كذلك عدم امتلاك الاقليم للموارد الاقتصادية الكافية لإدارة مرحلة ما بعد الانفصال، وهي تحتاج لأموال طائلة، لهذا فان قدرة الامارات على توفير احتياجات الاقليم بعد الانفصال هي ضعيفة جدا، فهي لا يمكنها مد الاقليم بالقوة العسكرية، وذلك لقلة عدد جيش الامارات من جهة، واشتراكه في حرب اليمن من جهة اخرى، كذلك ان توفير اموال لإدارة الانفصال هي الاخرى خارج قدرة الامارات، لحاجة الاقليم الى اموال كبيرة جدا للعمليات العسكرية او التمويل الداخلي.

3- تحسن علاقة العراق مع دول الاقليم، ان تعويل الامارات على الدعم الخليجي لها غير مؤكد، فسياسات هذه الدول متغيرة حسب تغير الظروف الدولية وليس حسب المصالح بعيدة الامد، فتحسن العلاقات بين العراق والسعودية مؤخرا سيكون عامل دعم لبغداد في مواجهة الحركة الانفصالية في الاقليم والدول الداعمة لها، خاصة وان السعودية هي قائد دول الخليج الاخرى، واي خلاف معها سيجر المشاكل لهذه الدول، كما هو حاصل مع قطر الان، لهذا فان اندفاع الامارات نحو دعم الاستفتاء وانفصال الاقليم سوف يصطدم بالتحرك العراقي المنفتح الجديد على دول الخليج الاخرى.

4- يعد اقليم كردستان العراق منطقة مغلقة دوليا، فهو لا يملك سواحل بحرية، ولا يملك مجال جوي او ارضي حر، بل هو محاصر من قبل دول معارضة للانفصال، بل ولها مصالح ومطالب أكبر من قدرة الاقليم او الامارات على تحقيقها، لهذا فان اي اعلان لانفصال الاقليم عن العراق سوف يضعه في خانة الدول الميتة اقليميا من خلال منع الحكومة الاتحادية دول الاقليم الاخرى من المرور نحو الاقليم، وهنا ستكون الامارات ليس اول الخاسرين فقط، بل او دولة تتحمل نتائجه وتكاليفه الباهظة.

5- ان انفصال اقليم كردستان عن العراق سيكون وبالا على مواطني الاقليم، اذ ان موافقة دول الجوار على الانفصال لن تمنح مجانا، بل سوف تلحق بمطالب كثيرة جدا، وسيكون الاقليم عبارة عن اراضي مشتركة لدول جوار العراق من ناحية اقامة القواعد العسكرية والنفوذ الاقليمي، خاصة وان تركيا تملك عدة قواعد عسكرية في الاقليم ومطار عسكري، كما ان ايران لها نفوذ في السليمانية، وهي حليف رئيسي للاتحاد الوطني الكردستاني، كما ان هناك خلافات تركية اماراتية عميقة جدا، وهناك خلافات اماراتية ايرانية ايضا، لهذا فان اي مصلحة للإمارات من دعم انفصال اقليم كردستان عن العراق لن تتحقق، بل سوف تكون لصالح دول جوار العراق، وهو نفس الخطأ الذي ارتكبته دول الخليج عندما ساعدت امريكا في احتلال العراق، ولكن بعدها اصبح العراق ساحة لإيران وتركيا، ولم تحصل دول الخليج سوى دفع فاتورة مشاركتها في هذه الحرب.

ان الإماراتيين يعلمون جيدا استحالة تقسيم العراق، خاصة وان بغداد تراقب ما يجري من حراك إماراتي داخل أربيل، وأن دولة الإمارات دولة صغيرة، وذات امكانيات عسكرية محدودة، ودور دولي واقليمي محدود ايضا، وهي اضعف من ان تدخل في عداء مع شعب تعداده 35 مليون، وبشكل لا يحصل شعب الامارات على اي منافع مرجوة من هذا التدخل سوى المشاكل والحروب.

ان على دول المنطقة أن تدعم وحدة العراق وأن تدعمه بكل مكوناته بشكل يؤدي إلى الألفة والوحدة وبقاء العراق دولة قوية، وبقاء العراق موحدا ومستقرا هو استقرار ووحدة لدول المنطقة كافة بما فيهم الامارات نفسها، ان رفض المجتمع الدولي للانفصال هي رسالة اخرى إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني وعائلة البرزاني والدول الداعمة له، بأن قضية الاستفتاء ليست في وقتها والمجتمع الدولي بصدد دعم وحدة الأراضي العراقية والاستعداد لمرحلة ما بعد تنظيم داعش الارهابي.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق