حكومة الكاظمي جاءت على ركام الحكومات السابقة التي فشلت في تحقيق مطالب الجماهير، وقطعت على نفسها عهود لإرضاء طبقات الشعب، وهي اليوم تجاوزت السنة بعد تكليفها ولم يتحقق شيء، بل ساهمت في ارتفاع معدلات السخط الجماهيري لابتعادها عن تطلعات الافراد ولم تكسب ودهم...
اول نجاح يحسب للحكومة الحالية وليس ضمن قائمة الفشل، هو قضاءها على المظاهرات التي انطلقت في تشرين من العام عام 2019، الامر الذي اسعد الجهات المتضررة من هذه الحركات الشبابية ولاقت مساندة شعبية ومن اوساط مختلفة.
حكومة الكاظمي جاءت على ركام الحكومات السابقة التي فشلت في تحقيق مطالب الجماهير، وقطعت على نفسها عهود لإرضاء طبقات الشعب، وهي اليوم تجاوزت السنة بعد تكليفها ولم يتحقق شيء، بل ساهمت في ارتفاع معدلات السخط الجماهيري لابتعادها عن تطلعات الافراد ولم تكسب ودهم.
لو أردنا ان نقيم وبشكل واقعي أداء حكومة الكاظمي وشخصيته، نصطدم بأول الاخطاء التي وقع فيها، هو قبوله المنصب بهذه الطريقة، دون الاستفادة من الظروف السياسية في حينها، فهو تمتع بمقبولية من جميع الكتل السياسية، التي فشلت في التوصل الى اتفاق حول مرشح منها.
وكان المفترض ان يقبل بشروطه لا بشروطهم، وان يملي عليهم، لا هم من يملون عليه، وبالنتيجة أصبح اداة طيعة بيدهم، لم يمرر اي قرار دون مراجعتهم او عرضه عليهم، فهو ابنهم البار الذي لا يعطيهم ظهرا ولا ينكر لهم جميلا، اذ جعلوا يده مغلولة الى عنقه ولن يتمكن من بسطها.
فالأحزاب التي توصلت الى اجماع عليه، ليس حبا فيه او خدمة للعراق، بل كانت باحثة عن شخصية توراي سوءتها وتتمكن من إدارة الفوضى التي خلفتها، وليس حرصا منهم على تقويم العملية السياسية المائلة او المعوجة، ولهذا يكرر الكاظمي وفي اغلب اللقاءات الخاصة او التي يدلي بها لوسائل الإعلام يكرر الشكوى من التركة الثقيلة، وانه كما المواطنين ضحية السياسات الخاطئة لإدارة الملفات الحيوية.
ولا يقل فشل حكومة الكاظمي في الجاب الأمني عن الجانب السياسي، فقد فشلت فشلا غير مبرر، ولم تتمكن من إعادة هيبة الدولة المسروقة من قبل المجموعات المسلحة، والتي جعلت من بغداد مضمارا لاستعراضاتها العسكرية، بعيدا عن احترام القانون والمجتمع، وكأنها خرجت لتنال من شخصية الكاظمي بصورة خاصة وليس بوصفه قائد عام للقوات المسلحة ويجب الامتثال لأوامره.
بهذه الخطوة فأن هذه الجماعات كممت فم الكاظمي ومنعته من الإيفاء بوعده القاضي بحصر السلاح بيد الدولة ومحاسبة الخارجين على القانون، وجعلت من قوله مجرد كلام لا يمت للحقيقة بصلة، مجرد قول دون فعل، اما خطواته المتعلقة بعمل المؤسسات الحكومية فهي مثيرة للسخرية أكثر من الاعجاب، تعبر وبشكل جلي عما تعيشه الحكومة العراقية من ضياع بيد المتنفذين، ولم ترضخ لسلطة القانون وحماية حقوق المواطنين.
اما الحديث عن المنجز الاقتصادي فهو خجول للغاية، فلم تعد الورقة البيضاء سارية المفعول، على ا لرغم من اشتمالها على بنود قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية، لكنها بحاجة الى وقت أكثر سعة، وأوضاع أكثر استقرارا من التي يمر بها العراق، لذا بقيت جسد هامد دون روح.
والحديث عن الإصلاح الاقتصادي صار نوعا من أنواع الثرثرة الكلامية، فلم نشاهد حرصا حكوميا على تفعيل زر الإصلاح، وبقيت جميع الحلول معطلة، ولم تُتخذ إجراءات لتصحيح مسار الاقتصاد الريعي وتنويع مصادر الدخل، والدليل الدامغ على ذلك هو موازنة العام الحالي التي لم تختلف عن سابقاتها التي عرضت المال العام الى الهدر والضياع، مما أدى الى تضاؤل مدخولات الفرد وارتفاع نسبة التضخم.
وما من حق الحكومة التغني بانتصارها في معركة المنافذ الحدودية التي اشعلت بصداها الشارع العراقي، فهي تتفاخر بأكذوبة سوقتها عبر منصاتها الاجتماعية، وهي أيضا من صدقها، اذ لا تزال المنافذ الحدودية خاضعة لسلطة الجهات غير الرسمية وهي من تتحكم بها بعلم الدولة، وبالنتيجة فهي لم تسهم في رفد ميزانية الدولة بغير نسبة 10% وفق ما صرح به وزير المالية.
بعد مرور أكثر من عام تمكنت المختبرات الحكومية التي تؤكد بأن الوزير الفلاني يصلح لإكمال مهمته ويجب استبداله، تمكنت من تشخيص مكامن الخلل في الحكومة العراقية التي يرأسها مصطفى الكاظمي، واوصت بضرورة تغيير عدد من الوزراء من بينهم وزير الصحة!
هذا التشخيص وان كان سليما فهو لا جدوى منه، ويصبح كمن يعطي العلاج لميتا، اذ لم يبقى الى شهور قلائل على اجراء الانتخابات البرلمانية القادمة، ومن المعروف ان عملية اختيار الوزراء تمر بمراحل شاقة ومعقدة، وبذلك تكون المدة قد انتهت ولم نفلح في وزراء جُدد.
فمن الممكن ان تكون هذه المبادرة هي نافذة للهروب من السجن الشعبي والاحراج الذي تواجهه الحكومة الحالية، التي لم تحقق ما يزيد من رصيدها الانتخابي في المواجهة القادمة، لذا تعمل على كسب الوقت مع علمها باستحالة الوصول الى توافقات حزبية حول الوزراء المرتقبين.
نعلم ان حكومة الكاظمي لا تملك المصباح السحري الذي تدلكه قليلا يصنع ما تريد، ولم تكن مطالبة بعمل المعجزات، جل ما تمنت الجماهير رؤيته في زمنها هو محاسبة قتلة المتظاهرين، واجراء الانتخابات في موعدها الاولي في شهر حزيران القادم، ووضع حد للفوضى الجارية في المؤسسات الحكومية، عبر وضع الأسس الصحيحة لإدارتها وترك المجال للحكومة القادمة اكمال فقراتها الإصلاحية.
اضف تعليق