سيطرة حكومات ديمقراطية قوية على مقاليد إدارات الدول، بعدما لوحظ ان الدول الضعيفة تقترن بالاقتصادات الأقل نموًا، ويغيب عنها الحزم في القرار السياسي وفي فرض الضرائب وتنظيم الاقتصاد، وتذليل التحديات الاجتماعية، لكن القوة المطلوبة هي ليست سلطة الأنظمة الشمولية، حيث جهاز الدولة مسخّر لخدمة الحزب والحاكم...
يسودُ مفهوم يربط بين (قوة الدولة) و(النظام الشمولي) لبرهنة أنّ الدول الديمقراطية أقرب الى أرجحية الضعف والتمزق، لاسيما انّ ذلك تحقق في دول، بينها العراق.
نقيض ذلك، ديمقراطيات عتيدة شيّدت دولاً متطورة مستقرة، في أوروبا والاميركيتين، حتى انّ دولا ًشمولية سارعت الى اقتفاء الأثر، مثل روسيا التي اضفت الديمقراطية على نظامها، مقرونة بوعد بوتين في “استعادة القوة الرأسية”، كما أخذت الصين الشيوعية، جرعات قوية من الديمقراطية.
ما السر اذن؟ واقع الحال، ان الديمقراطية لا تسمو بالعلاقات السياسية فحسب، بل وتحرّك الاقتصاد أيضا، وهو أمر يغفل عنه كثيرون حين يحصرونها في شأن تكميم الأفواه، وحرية الرأي.
أبحاث الاقتصاد السياسي تؤيد وبقوة، سيطرة حكومات ديمقراطية قوية على مقاليد إدارات الدول، بعدما لوحظ ان “الدول الضعيفة” تقترن بالاقتصادات الأقل نموًا، ويغيب عنها الحزم في القرار السياسي وفي فرض الضرائب وتنظيم الاقتصاد، وتذليل التحديات الاجتماعية.
لكن القوة المطلوبة هي ليست سلطة الأنظمة الشمولية، حيث جهاز الدولة مسخّر لخدمة الحزب والحاكم، الذي يفرض ضرائب عالية تتسبب في خنق النشاط الاقتصادي.
نقيض ذلك، في الدولة الركيكة حيث السلطة غير قادرة على انتزاع حقوق الدولة من المواطن من كُلف الخدمة، وحتى دفع فواتير الماء والطاقة.
الدول المتقدمة، صاحبة التجربة الطويلة في الإدارة، تدرك انّ المظالم الاقتصادية وردود الفعل الشعبية قد انتهت كمشكلة بسبب إرساء نظام عدالة اجتماعي قوي فضلاً عن الاقتصاد القادر على ردم هوة الفقر، والتركيز الآن على ضبط النظام العام وسلطة الدولة، ليس على المواطن فحسب، بل على النخب الاقتصادية والشركات الكبرى ورجال الاعمال، وهو أمر لا تتوافر عليه الديمقراطيات الهشة التي انتجت قيادات شعبوية بدلا من زعماء أقوياء، وتآكلت فيها السلطة السياسية، وانتشر الفساد والإجرام والعنف.
في العراق افرزت الديمقراطية منذ 2003، تلاشياً للطبقة الوسطى الحضرية، والنخبوية العصامية، وكوادر الدولة المهنية التي تصعد الى المناصب بجدارة المعرفة والتجربة، لصالح شخصيات، ارتقت المناصب بصورة صاعقة، عبر سلالم من المحسوبيات. صانعو السياسة الدوليون وضعوا مسطرة متساوية – وهو أمر غير عملي- لاحتساب مدى نجاحات انتخابات تنافسية متعددة الأحزاب حتى في المجتمعات الدينية والعشائرية والقبلية، وقد برهنت “الموجة الثالثة” من الدمقرطة في أنحاء العالم من السبعينيات إلى أواخر التسعينيات، ان التفاؤل ممكن في قياسات لإنجازات كوريا الجنوبية، المؤسِّسة لديمقراطية قوية منذ 1987. وفي تايوان، حيث الدولة “الاستبدادية البيروقراطية” تحولت إلى مشاركة مدنية قوية. وفي أوروبا ما بعد الشيوعية، أظهرت دول البلطيق إمكانية النجاح من دون التخطيط المركزي الاستبدادي. وفي إندونيسيا، يشتغل مزيج من اللامركزية ونظام الزبائنية الذي حل محل نظام الكليبتوقراطية.
علماء الديمقراطية ينصحون بتحول ديمقراطي، على ايدي زعيم منتخب قوي، يمسك بمركز القرار، لحين نضوج ترسيخ تجربة اللا مركزية في إدارة الدولة.
اضف تعليق