هذا التقارب وحده سيكون النار التي تلين الحديد، وقد يكون القشة التي يتمسك بها الغريق للنجاة، فلا يزال ثمة امل تتجه اليه ابصار اللبنانيين لإنقاذ ليرتهم مما هي فيه، وبدون ذلك سيحل بالبلد مزيدا من الخراب، ومزيدا من الجوع، ومزيدا من النقمة التي قد تؤدي الى...
ينقل لنا بعض الأصدقاء الذين ذهبوا لجمهورية مصر العربية لغرض السياحة او الدراسة وربما لأغراض العلاج، ينقل كيف وجد المتسولين عند خروجه من بوابة المغادرة للمطار، وفي الأماكن العامة والطرقات وحين تتجول بأرقى المناطق، وهذا المشهد ربما يتكرر او من المؤكد ان يصادف السائح الزائر لبيروت اللبنانية في الأيام القادمة بعد انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار.
توالت على لبنان المشكلات، في الوقت الذي تعيش فيه البلد ديمقراطية هشة قائمة على التناحر وتفضيل المصلحة الحزبية على الوطنية، اذ لا تزال الديمقراطيات العربية حديثة الولادة حيث مر الربيع العربي بأغلب الأقطار التي عانت من بطش الحكام الجائرين.
وفي لبنان توجد مشكلة متجذرة ساعد على تجذرها النخبة السياسية الحاكمة، فعدم توحيد الكلمة وتشتت القرار السياسي الذي بموجبه تُنقذ لبنان مما تمر فيه من انهيار شبه كامل في البنى التحتية، وانحدار كبير للقطاع الاقتصادي، بينما الشركاء في الوطن لا يبحثون عن اختراع الحلول الاستثنائية.
لو بحثنا بأصل المشكلة التي تواجه الحكومات العربية ومن بينها اللبنانية، نشخص الخلل في الدساتير التي تتلاعب بها رجال السلطة، اذ يعطي السياسيون سلطتهم القوة والنفوذ بأوسع ما يستطيعون، ففشل الديمقراطية حين يزود الدستور الحكام بدرع ضد التحديات والانقضاض على خصومهم، (الشعب).
بلمحة خاطفة للواقع اللبناني، نشاهد أحزاب عدة تحمل الصفة الحزبية وتفتقد للرؤية الديمقراطية، ولا يمكن ان نعدها أحزاب بقدر ما هي أدوات طائفية أو تجمعات تحت سيطرة زعيم واحد أو أسرة واحدة، غير قادرة على التغير ولا تريد ان تترك مقاعدها لمن لديه الهمة بأن ينهض بالبلد ويزيح كميات الركام الجاثمة والخراب المتراكم.
غضب الشارع اللبناني المتصاعد الى جانب تحليق سعر الدولار وتردي الأوضاع المعيشية، فضلا عن الجمود السياسي الحاصل بالبلد، فجر عيون التحركات الاحتجاجية مجددا، اذ شهدت مناطق عدة موجات رفض وقطع للطرقات، من طرابلس شمالاً إلى بيروت وصيدا جنوباً والبقاع داخلاً، فيما أقفلت محلات تجارية كثيرة أبوابها.
لم تتمكن السلطة الحاكمة في لبنان اليوم من إدارة الدولة بشكل صحيح والتخلص من حكمها الفئوي والتسلط على قوت المواطنين وتوفير لقمة عيش كريم، علاوة على ذلك فأنها لا تزال تراوغ وتتبع الحجج وتمارس الحيل على المجتمعين العربي والدولي من اجل إعادة سيطرتها ونفوذها.
أزمات على جهات مختلفة، فالأزمة المالية قادت الى ازمة امنية والحكاية تطول على بقية الأجزاء التي طالها الخراب، فلبنان تعيش في الوقت الحاضر في مأزق لا تملك الأدوات الكافية للخروج منه، او انها تعرف السبيل لكنها مصرة على السير بالاتجاه المعاكس رغم انه كلفها الكثير الى حد وصول البلد الى حافة الانهيار.
اكداس النفايات تنتشر بشوارع العاصمة، وأين ما تصوب نظرك تلاحظ آثار الإخفاق الحكومي، بينما التيار الكهربائي صار مشابها الى حد ما الوضع في العراق وبقية الدول التي تعاني من الشيء نفسه، فالمواطنين يتذمرون من القطع المبرمج، من المؤمل ان يكون القطع نهائيا في الأيام القادمة في ظل الوضع الذي تعيشه بلاد الجبل الأبيض.
لم تنجح القوى السياسية اللبنانية في وضع خريطة طريق للخروج من الأزمة المستشرية، والتي على إثرها اندلعت احتجاجات 17 أكتوبر (تشرين الأول)، 2019 ضد الفساد وتردي الأوضاع المعيشية في البلاد.
آب من العام المنصرم لم يكن رحيما بحق اللبنانيين، فحدث انفجار بيروت الذي فاقم الازمة، إذ أوقع أكثر من 200 شهيد وآلاف الجرحى، وتسبب بدمار هائل في العاصمة، وعلى الرغم من استقالة حكومة رئيس الوزراء حسان دياب عقب الانفجار، ومرور نحو خمسة أشهر على تكليف سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة، إلا أنه لم يفلح بعد بالاتفاق مع رئيس الجمهورية ميشال عون على تشكيلة وزارية تبصر النور.
لكل داء دواء هكذا يقولن العقلاء، والدواء اللبناني يأتي من الصحوة الداخلية التي لابد ان تكون من قبل أبناء البلد الذي وقع فريسة التدخلات الخارجية، والاطماع الأجنبية، فإيران تريد ان تمد اقدامها على الأرض اللبنانية، كونها تراعي مستقبل نفوذها في المنطقة، فهي تقاتل لكيلا تخسر واحدة من اهم عناصر قوتها على ارض الواقع.
وامريكا تواصل تضييق الخناق على الجمهور الداخلي، بهدف الوصول الى حالة الانفجار من الداخل، وهو عادة ما يحدث نتائج سريعة ومجدية مقارنة بغيره من الأساليب التي تحتاج مزيد من الوقت لحين نضوجها.
لغاية الآن العلاجات التي تناولتها لبنان لم تفلح في تحسين الوضع الاقتصادي، ونحن كمراقبين نعرف العلاج الذي سيقضي على هذه المهزلة الحاصلة، فالقرب من معسكر والبعد من آخر أكثر تأثيرا على المستوى الدولي، هكذا تكون آثاره الجانبية، وحتى تتماثل البلاد الى الشفاء التام والعيش مثلما تعيش الشعوب، ينبغي عقد صفقة تقارب ممن بيده الحل والعقد واقصد هنا الدول الاوربية وبالأخص من لها مصالح مرتبطة مع لبنان.
هذا التقارب وحده سيكون النار التي تلين الحديد، وقد يكون القشة التي يتمسك بها الغريق للنجاة، فلا يزال ثمة امل تتجه اليه ابصار اللبنانيين لإنقاذ ليرتهم مما هي فيه، وبدون ذلك سيحل بالبلد مزيدا من الخراب، ومزيدا من الجوع، ومزيدا من النقمة التي قد تؤدي الى اقتتال داخلي الخاسر الوحيد فيه المواطن.
اضف تعليق