دولة بكل تاريخها وجغرافياها وفكرها السياسي وقوانينها وممارساتها ومساحات نفوذها وتأثيرها؛ هي وراء الإرهاب التكفيري في كل بقعة من بقاع الكرة الأرضية. إنها المملكة الوهابية السعودية؛ المسؤولة عن كل روح مسلمة تزهق وكل قطرة دم تراق من أجساد المسلمين.
هل نحن بحاجة لإثبات هذه الحقيقة البديهية بملايين الأدلة والوثائق والمستندات؟ وهل يستدعي هذا الواقع أن نكرر النقاشات والجدل حوله؟.
انها حقيقة مرئية ومسموعة بالعين والأذن المجردين؛ في كل شارع وزقاق ومسجد ومدرسة وجامعة ودار نشر واذاعة وقناة تلفزيونية ومؤسسة ووزارة وسلطة حكومية في المملكة السعودية. بل ان إنشاء محمد بن سعود للدولة السعودية الأولى، وعبد العزيز آل سعود للثانية؛ كان مبنياً على العقيدة الوهابية التي تقوم على قاعدة الإرهاب التكفيري. فضلاً عن إن المؤسسة الدينية الحاكمة ومشايخها الرسمييين وأئمة مساجدها وخطبائها ومناهجها التعليمية الدينية والمدنية؛ لاتنفي ذلك ولا تتنكر له؛ بل تجاهر بتكفير المسلمين من غير أتباع المذهب الوهابي، وتستحل دماءهم وأعراضهم وأموالهم؛ ولاسيما المسلمين الشيعة.
فهل هناك مايدعو بعد ذلك للجدل حول مسؤولية الدولة السعودية المباشرة وغير المباشرة عن جرائم الإرهاب التكفيري؟.
الغريب هو أن يسوغ المجرم لجريمته ولايتنكر لها، ويعطيها عمقاً عقائدياً وايديولوجيا. والأغرب أن يخرج مشايخ الوهابية الرسميين ويستنكرون جرائم القتل الارهابي التكفيري؛ ولكنهم يقولون: (( بصرف النظر عن بشاعة هذه الجريمة وأبعادها الارهابية والسياسية؛ فإن الشيعة في الحقيقة هم كفار محاربين تنطبق عليهم الحدود )). يقولون هذا علناً.. نهاراً جهاراً.
والأسوء ان هناك من غير الوهابيين؛ من المرتبطين بمصالح مع السعودية؛ سنة وشيعة؛ من يدافع عن النظام الوهابي السعودي، ويقاتل لإثبات براءته، أو نفي مسؤوليته المباشرة عن جرائم الإرهاب التكفيري حدا أدنى. وهذا الدفاع بحد ذاته جريمة بحق العقل والضمير الإنسانيين؛ لأن من يدافع عن المملكة السعودية حيال رعايتها للفكر الإرهابي ولمعامل تفريخ الإرهابيين وتمويل الجماعات الإرهابية؛ فإنه يحتقر عقول الناس، ويستصغر وعيهم بأمر هو من أوضح الواضحات.
وفي موازاة ذلك؛ فإن هناك ممن يرتدي العمامة الشيعية أو ينتمي الى الحالة الإسلامية الشيعية؛ سواء من المسؤولين الرسميين أو من قادة الأحزاب والجماعات؛ ولاسيما من العراقيين؛ لايزال يعول على كسب ود الدولة السعودية أو التخفيف من غلوائها؛ عبر بناء نوع من العلاقة معها وزيارة ملكها وامرائها ومسؤوليها، وإيصال رسائل إيجابية لهم. وهؤلاء ـ إذا أحسنا الظن بهم ـ يعيشون وهماً عظيماً؛ لأن الدولة السعودية ليست كغيرها من الدول؛ المصرية أو التركية أو الجزائرية ـ مثلاً ـ؛ لكي نستطيع التفاوض معها لتغيير قناعاتها وتعديل مواقفها!؛ بل أنها في إنتاجها للفكر التكفيري وفي رعايتها للإرهاب؛ إنما تعبر عن كينونتها وبنيتها وعلّة وجودها منذ تأسيس الدولة الوهابية السعودية الأولى في نهايات القرن الثامن عشر الميلادي، ولو تخلت عن فكرها التكفيري الإرهابي؛ لأصبحت دولة أخرى.
وهي بذلك تتطابق في منهجها وممارساتها مع الدولة الصهيونية؛ فهل يمكن التفاوض مع إسرائيل لتغيير قناعاتها وكسب ودها؟! وهل يمكن لإسرائيل ان تتخلى عن عقيدتها الصهيونية؟!. فكما إن الدولة الإسرائيلية هي دولة مصطنعة دخيلة مبنية على العقيدة الصهيونية التكفيرية الإرهابية الإجتثاثية؛ التي لها جذورها ونصوصها وقواعدها الدينية والانثروبولوجية والإجتماعية الراسخة، ويستحيل عليها التخلي عنها؛ ولو تخلت عنها انتفت علة وجودها؛ فإن الدولة السعودية هي أيضاً دولة مصطنعة دخيلة قائمة على العقيدة الوهابية التكفيرية الإرهابية الإجتثاثية. وبالتالي؛ فالعقيدة الصهيونية والعقيدة الوهابية هما وجهان لعملة واحدة في منهجهما ومخرجات حركتهما وممارساتهما؛ وإن إنتمت الصهيونية الى التفسيرات التلمودية اليهودية، وإنتمت الوهابية الى التفسيرات التيمية الأموية الإسلامية.
وكما إن الصهيونية الإسرائيلية هي فكرة عالمية لها أذرعها ولوبياتها وجماعات الضغط والوسائل التي تمتلكها في مختلف دول العالم؛ فإن الوهابية السعودية لها الوضع نفسه. وبالرجوع الى وصية الإمام الخميني؛ سنجد إنه يصف عداء العقيدة الوهابية السعودية للإسلام والمسلمين ولمذهب أهل البيت؛ بوصفٍ لايختلف عن عداء العقيدة الصهيونية الإسرائيلية، ثم يوصي المسلمين بالتعامل مع العقيدتين بالصيغة نفسها.
هذا المدخل يقودنا الى حقيقة واقعية؛ تتمثل في عدم جدوى محاربة الجماعات التكفيرية الإرهابية؛ عسكرياً وإعلامياً وثقافياً ومخابراتياً؛ بدءاً بالقاعدة وطالبان وداعش والنصرة وبوكو حرام والشباب وأنصار الإسلام وكل مايسمى بجماعات السلفية الجهادية، وعدم جدوى دراسة أفكار وممارسات أسامة بن لادن والزرقاوي أو ملاحقة ابو بكر البغدادي وايمن الظواهري؛ فكل هؤلاء مظاهر وتجليات لفكر وممارسات العقيدة الوهابية السعودية التي دوّنها محمد بن عبد الوهاب بناءً على عقيدة ابن تيمية وابن مفلح وابن قيم. وإذا تم القضاء على القاعدة والنصرة وداعش، وتم قتل الظواهري والبغدادي والشامي والشيشاني والجولاني والمئات غيرهم؛ فستظهر عشرات الحركات الإرهابية التكفيرية ومئات القيادات الدموية غيرهم؛ لطالما بقيت المصانع الفكرية والعقيدية والفقهية ومؤسسات الرعاية السياسية والمالية والمخابراتية القائمة في الرياض وجدة والمدينة ومكة والطائف والقصيم؛ تعمل في المملكة الوهابية السعودية بكل طاقتها.
أما الجدوى الوحيدة النهائية؛ فتكمن في:
1- صدور قرار أممي بالحجر على الدولة الوهابية السعودية، ومحاصرتها سياسياً وإقتصادياً وثقافياً؛ بما في ذلك منع سفر مسؤوليها ومشايخها الى الخارج.
2- إرسال فرق أممية الى المملكة الوهابية السعودية لتفكيك أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها؛ والمتمثلة في السلطة الدينية الرسمية وجميع أذرعها وأدواتها وتمظهراتها؛ من هيئات ومؤسسات وجامعات ومدارس ومناهج وكتب ومنشورات ووسائل إعلام ومشايخ ودعاة ومطاوعة، وكذا المناهج الدراسية المدنية من الإبتدائية وحتى الدراسات العليا، وإعادة هيكلة المؤسسات التعليمية المدنية، وإتلاف جميع مصادر العقيدة الوهابية ومراجعها وشروحاتها؛ بدءاً من كتب إبن تيمية وابن القيم وانتهاء بكتب محمد بن عبد الوهاب ومشايخ الوهابية من القرن الثامن عشر الميلادي وحتى إبن باز وعبد العزيز آل الشيخ.
3- تشكيل تحالف دولي بقرار أممي، وقيادة مشتركة؛ لتفكيك المملكة؛ على أن تختار كل دولة جديدة؛ شكلها وعقيدتها السياسية ونظام حكمها وشكل جكومتها؛ وفقاً للإستفتاء الشعبي العام. وربما يناط حكم إحداها ( مملكة نجد مثلاً ) الى آل سعود؛ على أن تكون دولة ملكية دستورية برلمانية مدنية، ومجردة من أي وجود للعقيدة الوهابية ومن أية أدوات لنشر الإرهاب وزعزعة أمن المواطنين وامن الدول الأخرى.
4- إصدار قرارات أممية ومحلية بمحاكمة كل من تورط بفتاوى وممارسات من أمراء ومسؤولي ومشايخ المملكة الوهابية السعودية؛ أدت الى القتل والتدمير وأية خسائر أخرى؛ بحق مواطني المملكة أو مواطني الدول الأخرى.
5- إصدار قرارات أممية وإقليمية ومحلية؛ بمنع الترويج للفكر الوهابي التكفيري؛ في أية دولة أخرى ومحفل محلي وإقليمي ودولي، وإعتبار ذلك جرماً جنائياً يعاقب عليه القانون الدولي والقوانين المحلية؛ بالمنهجية نفسها التي تم تطبيقها على النازية والفاشية. ويشتمل ذلك على تفكيك جميع الشبكات والجامعات والمدارس والمؤسسات والهيئات والمساجد والمراكز ذات العلاقة بالعقيدة والمنهجية والمنظومة والسلوك الوهابي الإرهابي التكفيري، ومنع أية أدوات تتحرك بها هذه العقيدة؛ بما في ذلك المشايخ والدعاة والانصار.
ولكي نكون واقعيين؛ فإن القيام بهكذا إجراءات؛ يحتاج الى شبه إجماع دولي واقليمي وإسلامي؛ تتبعه إرادة على التنفيذ؛ وهو مايمكن وضعه في دائرة الأفكار الطموحة صعبة التحقق؛ ولكنها ليست بالمستحيلة؛ إذ أن بوادر قسم منها سيظهر تدريجياً خلال السنوات القليلة القادمة. وبالتالي يمكن التعامل مع إجراءات أخرى؛ تمثل الحد الادنى في الضغط على المملكة الوهابية السعودية، والتقليل من خطورتها، وإحباط بعض مخططاتها. وهي في الواقع إجراءات مؤقتة خاصة بالمرحلة الإنتقالية التي تسبق إنهيار المملكة خلال السنوات العشر القادمة. وتتمثل إجراءات الحد الادنى بما يلي:
1- تقطع الدول الإيرانية والعراقية والسورية كل أنواع العلاقات الدبلوماسية والسياسية والثقافية والإقتصادية والإعلامية مع المملكة الوهابية السعودية وأذرعها وإمتداداتها، وتمنع مسؤوليها ومسؤولي الأحزاب والجماعات والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والأهلية ومواطنيها من أي تعامل مع المملكة، وتصدر القرارات والقوانين التي تجرم أي إتصال بالمملكة؛ ويكون ذلك بمثابة تخابر مع دولة أجنبية.
2- تقوم هذه الدول الثلاث بحض الحكومات والأحزاب والجماعات والمؤسسات والأفراد في الدول الاخرى للقيام بإجراءات مماثلة.
3- تبادر الدول الثلاث المذكورة ومعها الأحزاب والجماعات ذات التوجهات المشابهة في البلدان الاخرى؛ بالتعامل بالمثل مع المملكة الوهابية السعودية وأذرعها وامتداداتها؛ في المجالات الدينية والثقافية والسياسية والإعلامية والإقتصادية والأمنية وغيرها.
4- إيقاف السفر الى السعودية للمسلمين الشيعة وغيرهم من المسلمين المتعاونين مع المشروع؛ بما في ذلك مناسك الحج والعمرة؛ وذلك لبضع سنوات فقط؛ وهي السنوات الإنتقالية التي تسبق إنهيار المملكة كما ذكرنا سابقاً. وحض الدول الأخرى والمؤسسات والأفراد للقيام بإجراءات مماثلة.
5- محاربة أية فكرة ومنهج وسلوك ذي علاقة بالعقيدة الوهابية، وإعتبار الترويج له جرماً يعاقب عليه القانون، وإتلاف جميع الكتب والمنشورات والمجلات ذات العلاقة. وحث الدول والمؤسسات العربية والمسلمة والأجنبية على إتخاذ إجراءات مماثلة.
6- التحرك الجاد والمستمر على المنظمات الدولية والإسلامية والإقليمة؛ لإصدار قرارات تمنع إنتشار الفكر التكفيري الإرهابي الوهابي، وفي مقدّمها مطالبة المملكة الوهابية السعودية باتخاذ كل الإجراءات العملية الملموسة للحد من الترويج للفكر الوهابي التكفيري، ومنع الفتاوى الجديدة وإلغاء الفتاوى القديمة؛ وصولاً الى مطالبتها بتفكيك سطوة السلطة الدينية الرسمية وأذرعها وأدواتها.
ويجري التخطيط لهذه الخطوات وتنفيذها تحت غطاء قوي؛ ديني وسياسي وقانوني؛ لتأخذ طابعاً شمولياً؛ رسمياً وإجتماعياً وشعبياً.
اضف تعليق