يمثل قانون الموازنة الاتحادية اكثر القوانين اثارة للجدل والاهتمام سنويا على المستوى الشعبي والسياسي، لانه يمثل العصب الاساسي للدولة والمجتمع. وهو ذو تأثير مباشر على حياة الناس. هو يجسد طريقة الحكومة في ادارة المال العام. والمال، اضافة الى السلطة والارض، هو احد اهم موضوعات الصراع...

يمثل قانون الموازنة الاتحادية اكثر القوانين اثارة للجدل والاهتمام سنويا على المستوى الشعبي والسياسي، لانه يمثل العصب الاساسي للدولة والمجتمع. وهو ذو تأثير مباشر على حياة الناس. هو يجسد طريقة الحكومة في ادارة المال العام. والمال، اضافة الى السلطة والارض، هو احد اهم موضوعات الصراع والتنافس بين الناس. وما لم يتوصل الناس الى تسويات مرضية لهم في هذه المجالات فان المجتمع والدولة لن يعرفا الاستقرار. وتتم التسويات المحققة للاستقرار الحقيقي عادة وفق رؤية حضارية حديثة للدولة، وبخلاف هذه الرؤية تستمر حالة القلق بل الخصومة بين ابناء المجتمع.

وهذا هو بالضبط ما يعاني منه العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في مطلع القرن الماضي الى اليوم. وقد تفاقمت هذه الحالة منذ عام ٢٠٠٣ بعد ان انهار مبدأ المواطنة، وظهر مفهوم المكونات الذي انتج نظام المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية والذي شكل بيئة مساعدة على تنامي الصراعات حول الثروة والسلطة والارض بين "المكونات" وبين الاحزاب التي تدعي او تحتكر تمثيل هذه المكونات. وكان هذا من "عيوب التأسيس" التي تراكمت منذ سقوط النظام البعثي الدكتاتوري حتى الان، ولم تجرِ اية محاولة جادة لاصلاحها رغم الدعوات الكثيرة والتظاهرات الاحتجاجية التي تجاهلت عمدا او سهوا عيوب التأسيس المذكورة وانشغلت بالتفاصيل المتفرعة عنها.

يشكل هذا الاطار العام للخلافات المتجددة سنويا حول قانون الموازنة الاتحادية، لكن قانون الموازنة لعام ٢٠٢١ تحديدا انطوى على الكثير من العقد التي جعلت النقاش حوله اكثر سخونةً والخلاف بسببه اكثر عمقا. وقد شخصت اللجنة المالية التي ناقشت القانون الكثير من هذه العقد وقدمت الكثير من الملاحظات والمقترحات التي لم تأخذ بها الحكومة. ومن هذه العقد كثرة المشاريع الممولة من القروض الدولية والتي بلغت اكثر من ٨,٥ مليار دولار، و تخفيض سعر صرف الدينار مقابل الدولار، خصخصة جميع قطاعات الدولة الإنتاجية والخدمية الامر الذي يفتح الباب امام الفاسدين الذين اثروا بطرق غير مشروعة لشراء ممتلكات الدولة، والامتيازات التي منحها مشروع القانون لإقليم كردستان، وعدم عدالة القانون فيما يخص المحافظات المحرومة والاشد فقرا في جنوب العراق، وغير ذلك من النقاط التي اصبحت معروفة.

مشكلة الحكومة الراهنة انها تولت الحكم والعراق يعاني من مشكلات مالية وازمات اقتصادية كثيرة. ومع ان هذه الحكومة حمّلت الحكومات السابقة مسؤولية هذه المشكلات والازمات كما جاء في ورقتها "البيضاء"، الاّ ان مشروع الموازنة دلل بشكل واضح جدا ان هذه الحكومة لا تريد ان تتحمل مسؤولية حل هذه الازمات والمشكلات، او انها غير قادرة على ذلك. وليس ذلك بامر مستبعد، لان رئيس الحكومة غير قادر تكوينيا على قيادة فريق خبراء مؤهلين لاجتراح حلول صحيحة وممكنة التنفيذ للمشكلات الاقتصادية الراهنة. وقد تطوع الكثير من هؤلاء بتقديم افكار مناسبة للحل، لكن تم تجاهل هذه الافكار والمقترحات. وعوضا عن ذلك سارت الحكومة في الطريق الاسهل بالنسبة لها وهو تحميل الشعب الكلفة المالية لسياستها الاقتصادية. وما تفاقم المعاناة المعيشية لفقراء هذا الشعب منذ تولت الحكومة المسؤولية حتى الان الاّ دليل على ما اقول. ويكفي ان نتذكر ان العراق تعرض الى صعوبات جمة في عهد الحكومات السابقة (الفساد، داعش، انخفاض اسعار النفط)، ومع ذلك لم يتم تحميل الشعب الكلفة المالية لمواجهة هذه الصعوبات. وبكلمة واحدة مختصرة اقول اذا كان من واجب الحكومة اخراج البلد من ازماته المالية والاقتصادية، فان ذلك يجب ان يتم خارج دائرة الاقتطاع من قوت الفقراء. هذه هي القاعدة الذهبية التي تجاهلتها الحكومة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق