ويبقى من يمسك العصا السحرية لأحداث المعجزات هو المواطن وحده، فالأشهر القليلة القادمة ان صدقت النيات لأجراء الانتخابات هي وحدها تحدد من سيقول كلمته ويفرض إرادته، فلا شيء اقوى من إرادة الشعوب، ولا يمكن لتلك الإرادة ان تقهر ما دام الشعب حيا ويحب الحياة...
اخذ العد بالتنازل لموعد الانتخابات البرلمانية التي حددتها الحكومة العراقية الحالية في السادس من شهر حزيران، فيما بدأت الأحزاب السياسية تشحذ الهمم وتعد العدة لصياغة سيناريوهات جديدة قادرة على غسل الأفكار القديمة وإتلاف الصور النمطية البالية.
الجهات المتنفذة في العراق شرعت بوضع خطط استراتيجية جديدة لإيهام الناخبين الذين يرومون التغيير وينشدون الإصلاح على يد شخصيات تحمل قدرا من المسؤولية وحب الوطن، ولديها الرغبة الجامحة لإزاحة من تسبب بخراب المؤسسات الحكومية على مدى سنوات مضت.
فشريحة واسعة من العراقيين تتأمل بالانتخابات القادمة خيرا لتغيير الوجوه السياسية التي علقت بذاكرة الافراد، ولم تنوي الغروب عن وجوهها على الأقل في السنوات القليلة القادمة، فالجميع ينشد الإتيان بطبقة جديدة لم تشارك بإحداث الدمار المؤسساتي الذي أصاب العراق مؤخرا.
اذ لا تزال الشكوك تحوم حول إمكانية اجراء الانتخابات بموعدها المقرر من عدمه، فالحكومة تؤكد على موعدها الاخير، بينما جميع المعطيات تشير الى عدم إجراءها نتيجة الازمة المالية التي يمر بها البلد.
مشهد معتم
الى جانب عدم توفر الأمور المالية تأتي عتمة وعدم وضوح معالم خارطة التشكيلات السياسية المقبلة، فالتحركات بين الكتل، اخذت بالتصاعد بصورة تدريجية، لتكوين قوة سياسية قادرة على تخطي الحواجز التي وضعها الشعب بينهم وبين النخب الحاكمة.
فالبحث عن مخرج لصهر الأفكار الجديدة بين كمية الثلوج المتراكمة حول العلاقات السائدة بين الجماهير والمتنفذين، هو الشغل الشاغل الذي يؤرق زعماء الأحزاب الكبيرة التي تريد إعادة ما فقدته من بريق خلال السنوات الماضية.
ومن اجل ذلك نلاحظ الذهاب نحو انبثاق تشكيلات حزبية جديدة تجاوز عددها الـ400 تشكيل حتى الآن وقد يصل الرقم إلى 500، بحسب النائب عبد الكريم عبطان، ومعظم هذه التشكيلات تابعة للجماعات السياسية الحالية، فهؤلاء يصرون على الترشح، رغم أن الشعب رفضهم بسبب استهانتهم بكل القوانين والقيم والأعراف، وتجاوزهم على المال العام خلال فترة حكمهم.
كثرة الأحزاب السياسية والحركات الجديدة يمكن ان يكون له هدف خفي لا يمكن اكتشافه من قبل العامة، فقد يكون الهدف من وجود هذا الكم الكبير من الأحزاب المسجلة التي تتنافس في 83 دائرة انتخابية، هو إرباك الناخبين وتشتيت أصواتهم، فكثرة المرشحين ستمكن الأسماء المعروفة من الحصول على أصوات أكثر من الآخرين، بحكم ما ليدها من نفوذ وسلطة ومكانة مرموقة.
والانتخابات القادمة إذا أٌجريت بهذه الطريقة فأنها لا تتعدى عملية استنساخ التجارب السابقة مع فارق الوقت فقط، ذلك كون الجهات التي ستخوض الانتخابات ستأتي بعناصر مغايرة لكنها تحمل نفس الأفكار، وبالتالي فالنتيجة واحدة لا يكمن ان نعول على ذلك في التغيير المرجو.
عوائق التغيير
ومما يساعد على صعود الأحزاب القديمة، هو مراسها وخبرتها السياسية على مدى سنوات مرت، اما الحركات حديثة التكوين وتحديدا بعد حراك تشرين، فأنها لا تملك التنظيم ولا التمويل المطلوبين للفوز، في وقت تتميز الجماعات السياسية الممسكة بالسلطة، بالتنظيم وتمتلك أموالا طائلة.
بأي حال من الأحوال فان الانتخابات القادمة لن تسهم في تغيير الواقع السياسي السائد وذلك لأسباب كثيرة من أهمها والذي يعتبر من العوائق الرئيسية للتغير هو النظام الانتخابي المتبع منذ الدورات الانتخابية السابقة وكذلك المقبلة مع وجود تعديلات بسيطة لا تستحق التضحيات الكبيرة التي قدمت من اجلها.
وثاني اهم المعرقلات التي تعترض طريق التغيير هو عدم تشكيل جبهة سياسية عابرة للمناطقية والطائفة الدينية الا بنسب ضئيلة لا تستحق الذكر، ذلك لضعف احتمالية تأثيرها بالمشهد السياسي وحرب المكونات الطاحنة بين أصحاب النفوذ والمتصديين للأمر على اختلاف المراحل الزمنية.
ولا يمكن ان نهمل عامل يحمل قدرا كبيرا من الأهمية والحساسية وهو ان المحكمة الاتحادية ناقصة عضوين من أعضائها، وهي لا تستطيع أن تعقد أي جلسة إلا بكامل أعضائها التسعة، كما ينص على ذلك قانونها، وهنا يصبح من الصعوبة إجراء الانتخابات إن لم تكن هناك محكمة اتحادية مكتملة لغرض التصديق على النتائج والنظر بالطعون المقدمة اليها.
يخطأ من يضن ان الاشراف الدولي الذي ستتمتع به العملية الانتخابية سيحد او يقلل من عمليات التزوير التي تشوب التصويت، كون المرات السابقة حظيت بذات الاهتمام والمتابعة الدولية، ولم تتمكن من الوقوف على الثغرات التي سلكتها الأحزاب من اجل التلاعب بنتائج الانتخابات واخفاء الحقائق وتزيفها بما يخدمها.
هكذا الحال ففي كل مرة تتحول الخطابات السياسية الى حالة من المثالية ونكران الذات بالشكل الذي يفوق التصورات، وتعود المواطن العراقي على الخطب الموسمية المحشوة بقدر كبير من التفاؤل والهمة العالية من اجل قلب الموازين لصالح المواطنين.
ويبقى من يمسك العصا السحرية لأحداث المعجزات هو المواطن وحده، فالأشهر القليلة القادمة ان صدقت النيات لأجراء الانتخابات هي وحدها تحدد من سيقول كلمته ويفرض إرادته، فلا شيء اقوى من إرادة الشعوب، ولا يمكن لتلك الإرادة ان تقهر ما دام الشعب حيا ويحب الحياة.
اضف تعليق