لم يعد الفقر حالة متفردة في مجتمعاتنا، بل أصبح ظاهرة واسعة النطاق، وآفة اجتماعية تنخر في بُنية المجتمع، وتفقده توازنه واتزانه، رغم كل التطور العلمي والجهود البحثية، وبرغم البرامج والخطط الاقتصادية، التي تسعى لمعالجته والحد من خطورته، لكنه يبقى تحدياً قائماً، وخطراً كائناً، يهدد المجتمع...
مقدمة واقعية
إن ما يحدث في العراق اليوم حقيقة من عجائب الدنيا ويثير العجب أكثر من حدائق بابل المعلقة في تاريخه الحضاري القديم، حيث يعُدُّون تلك الحدائق من عجائب الدنيا السبعة..
فالتاريخ العراقي الحديث لا أدري كيف يصفه علي الوردي لو رجع إلى هذه الحياة ورأى ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية، حيث شهد جرائم لا عهد له ولمجتمعه بها، كتلك المرأة التي تسحب ولديها الوحيدين وتلقي بهما في النهر بكل دم بارد، وكأنها تُلقي أكياس قمامة، بل أهون من ذلك عليها وترجع هادئة مطمئنة وكأنها لم تفعل شيء، وربما كانت ترى في نفسها النصر على زوجها والد الطفلين وكأنها ليست أمهما.. وهذا حقيقة يجعلنا نقف حائرين أمام هذه الظاهرة التي قلبت الموازين، لأن الأم تُضحِّي بكل شيء حتى بنفسها من أجل أولادها، وهذه ضحَّت بأولادها لإغاظة زوجها، كما نقلوا عنها..
كما أننا رأينا قبل أيام ظاهرة تقشعرُّ لها الأبدان وتبكي لها العيون دماً لا دمعاً، حيث أن المنظر المنقول في الصورة والصوت، من البصرة العريقة، والغنية جداً، بل ربما تكون أغنى مدينة في العالم بما وهبها الله تعالى من الخيرات والبركات الظاهرة أو الخفية.. وهي لطفلين صغيرين أخوين احتضنا بعضهما البعض من شدَّة البرد، وناما على الرَّصيف ولكن عندما استيقظا نهض أحدهما وبقي الآخر بلا حراك لأنه ببساطة قد تجمَّد من البرد وفارق الحياة بهذه الطريقة الكارثية، رغم أنه صدر بيان يُؤكد عدم موت الطفل، وأن القصة ليست الآن بل من العام الماضي، ولكن ما نُشر أيضاً تنفيه الصورة إذ قالوا: " كل ما في الأمر أن الطفلين غالبهما النعاس في منطقة صناعية قرب مدينة البصرة، جنوبي العراق، بعد يوم شاق من العمل في منطقة صناعية يطلق عليها حمدان.
ويقول: إنهما من عائلة فقيرة، ويخرجان للعمل في الشارع بناءً على طلب والدتهما لتأمين متطلبات الحياة، لذلك ينامان في الشارع بسبب هذا العمل، وأضاف أن قوات الأمن عثرت عليهما أثناء عملها المعتاد، ومع ذلك، قصتهما تثير الشفقة"، فعلاً تثير الشفقة ولكن أيها العزيز هل تجد أن الطفلين في عمر العمل في المنطقة الصناعية، أم أنهما طفلان صغيران عن العمل إلا الشحاذة والتسوُّل والبحث في القمامة لتأمين لقمة عيشهما مع أمهما الفقيرة كما تقول؟
وكلامنا هنا عن الظاهرة، من حيث المكان، والزمان، وظروف الفقر المدقع في عصر الحضارة، فهذا الطفل سيشكو إلى الله تعالى ظلم البشر في عصر الحضارة الرقمية، وفي عراق الثروات والمليارات، وعلى رصيف البصرة الغنية جداً ينام أو يموت طفلٌ من الجوع، والبرد أمام العالم، فما عسى حكام العراق، وساسته أن يجيبوا لو سألهم رب العالمين: كيف يموت هذا الطفل عندكم جوعاً وبرداً، وأنتم تجلسون على أكبر احتياطي نفطي في العالم، وأحدكم يملك المليارات من الدولارات في البنوك وهذا الطفل يموت من الجوع والفقر؟
سُنَّة الفقر المادي
وهنا يمكن لنا أن نقول: نعم هناك فقر مادي والمجتمع من الطبيعي أن يكون فيه فقراء وأغنياء من بداية التاريخ والعراق ليس بدعاً من تلك المجتمعات وهذه السُّنن الكبرى التي هي طبيعية وموجودة في أرقى المجتمعات في هذا العصر وفي كل عصر ومصر..
نعم، قد يكون هذا صحيحاً في الجملة، ولكن الفقر المادي شيء وأن يموت الناس من الجوع، والبرد، والتشرد شيء آخر، فأين أنت يا أبا ذر لو رأيت هذا المنظر فما عساك أن تقول وتفعل، وأنت الذي قلت: "عجبتُ لمَنْ لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه"؟
يقول سماحة السيد مرتضى الشيرازي (حفظه الله) في بحثه الشيِّق في استراتيجيات معالجة هذه الظاهرة المعضلة في بلادنا: "يُعد الفقر؛ من أهم التحديات التي واجهت وتواجه البشرية، في نطاق التأريخ والجغرافية، فهو يتفاعل مع مربع الآفات الاجتماعية والتخلف الإنساني، الذي تألفت أضلاعه، من عوامل الجهل، والمرض، وانعدام الأمن، ليغلق ضلعه الرابع بعامل الفقر، وليكون الفقر فيها سبباً ونتيجة..
ولم يعد الفقر حالة متفردة في مجتمعاتنا، بل أصبح ظاهرة واسعة النطاق، وآفة اجتماعية تنخر في بُنية المجتمع، وتفقده توازنه واتزانه، رغم كل التطور العلمي والجهود البحثية، وبرغم البرامج والخطط الاقتصادية، التي تسعى لمعالجته والحد من خطورته، لكنه يبقى تحدياً قائماً، وخطراً كائناً، يهدد المجتمع وكيانه وهيئاته، ثم الدولة ومؤسساتها.
وعليه فإن دراسة الفقر، وإيلاء موضوعاته المتشعبة، أهمية كبيرة، ومناقشتها بشكل علمي ومنهجي، باتت من الحاجات الملّحة، التي تضطلع بها المؤسسات المجتمعية المسؤولة، وفي مقدمتها المؤسسة الدينية، لتكون مخرجات الدراسة، سبيلاً للخلاص من آفته، في إزالته ورفعه، من خلال علته المبقية، وفي دفعه ومنعه، من خلال علته المحدثة، ولتكون مخرجاته علاجاً وقائياً وإجرائياً، لمقاربة نتائجه الكارثية، في الفرد، والمجتمع، والدولة". (مكافحة الفقر؛ السيد مرتضى الشيرازي: ص12).
نعم؛ في عصر الحضارة والتقدم العلمي الهائل، وحيث تقرأ أرقام فلكية لثروات بعض الرجال، وفي كل عام يضعون ويُصنِّفون الأغنى في العالم، وسألوا أحد رجال المال العرب سؤالاً في مقابلة صحفية عن ثروته فأجاب وهو يضحك: قصدك الآن أو قبل السؤال؟
يعني أنه يزداد ثراء في كل لحظة فلا يمكن ضبط ما عنده، ورغم ذلك تراه يموت بأبشع طريقة وأشنع وسيلة، وليتنا نعلم ماذا كان جوابه للملكين عندما سألاه: (عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه)، يا ويحه أنسي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة: 35)
والعجيب الغريب في هذا العصر كل المال، هو عبارة عن أصفار في البنوك ليس لها واقع ملموس، فهي ليست مثل الماضي حيث يجمع أحدهم الذهب والفضة ويكنزها في خزائنه ويحرص على مفاتيحها، ولكن الأموال المعاصرة رقمية صفرية وكأنها تقول لهم: في الحقيقة والواقع لا شيء لكم إلا واحد، وما تبقى كله أصفار لا قيمة لها لولا الواحد، فسبحان الواحد الأحد الفرد الصمد القيمة المطلقة التي ينساها أصحاب المال في هذا العصر الأغبر.
الفقر وتحديات العصر الرقمي
ففي هذا العصر الذي تعملقت فيه المادة وتطورت فيه العلوم، حتى قرؤوا الجينوم، وغزوا الفضاء وحاربوا النجوم، وغاصوا في أعماق المحيطات، وتاهوا في أعماق الفضاء بما وجدوا من مجرات لا حصر لها،، ولا يمكن معرفتها، ورغم ذلك تجد أرقام الجياع والفقراء في العالم تُشكل حوالي ثلث السكان في هذه الكرة التي صارت قرية إلكترونية صغيرة، فلا يكاد يمرُّ عليك يوم إلا وتسمع فيه عن الجوع والفقر في شتى أنحاء العالم، والثرة مكدسة، والغذاء متوفر فلماذا يجوعون؟، ولماذا لا تُغيثهم المؤسسات العالمية والأممية وتنقذهم من هذا الموت؟ فما نراه بأم العين في اليمن السعيد والمقاوم البطل يبقى وصمة عار على جبين الحضارة الرقمية فعلاً.
يقول سماحة السيد مرتضى الشيرازي في بحثه: "الفقر يُعد من أهم التحديات التي واجهت البشرية على مر التاريخ، ويشكل هو والجهل والمرض وانعدام الأمن بأبعاده المختلفة، الأضلاع الأربعة للتخلف والشقاء البشري.. ولا يزال الفقر يُشكل الظاهرة الأخطر، والهاجس الأكبر للبشرية، رغم كل التطور العلمي وكل البرامج والمناهج الاقتصادية على الصعيد المحلي والدولي، فقد جاء في تقرير لرئيس البنك الدولي: (إن من بين 6 مليارات بشر يوجد 2.8 مليار إنسان يعيشون بأقل من دولارين باليوم، ويوجد 1.2 مليار بشر يعيشون بأقل من دولار في اليوم، ومن كل مائة رضيع يموت ستة قبل أن يبلغوا السنة الأولى من عمرهم، أما الأطفال الذين يبلغون سن التعليم فإن 9 ذكور و14 أنثى من بين كل مائة طفل يتمكنون من الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، والباقي يكونون خلف الأبواب).
إن مشكلة الفقر معقدة جداً، ومتداخلة مع كافة مناحي الحياة الأخرى؛ السياسية منها والاجتماعية، والنفسية والفكرية والروحية، والقانونية والدينية، وبما أن لكل عامل علاقة متبادلة مع الفقر، فهو يؤثر في خلق هذه المشكلة تارةً، ويتأثر بها أخرى، فقد بات واضحاً عجز الإنسان عن التوصل إلى حل شامل ومتكامل لمشكلة الفقر، وإذا كان ثمة حل جذري للمشكلة، فإن مصدره السماء، حيث إن الإله الحكيم والعادل والعالم المحيط والقادر هو الذي تكمن عنده حل المشكلة بما فيها مكوناتها الثلاث: (البشر ـ الثروات ـ النظم والمناهج). (مكافحة الفقر؛ السيد مرتضى الشيرازي: ص28)
ومما يُثير الدَّهشة في زعماء وساسة وعلماء الحضارة الرقمية كذبهم المفضوح تجاه إمكانيات الأرض وقلَّتها، وضيقها على مّنْ فيها، وأنها غير قادة على استيعاب المزيد من السكان لأنها لا تكفيهم للغذاء والدواء والمسكن، وما شاكل ذلك من ادِّعاءات تنقصها العقلانية والعلمية وتشعر بأنها منطلقة من فكر معادي للإنسان والإنسانية لأن الكرة الأرضية واسعة شاسعة ونسبة المأهول منها جداً قليل، وإمكانياتها هائلة ولا يمكن لنا تصورها، فقد قرأت قبل أيام تقريراً علمياً رائعاً وعجيباً، صادراً عن الأمم المتحدة والتنمية المستدامة، يحكي عن زراعة المحيطات واستغلالها بما ينفع للغذاء البشري، يصرِّح فينسينت دوميزل كبير المستشارين المعنيين بالحلول القائمة على المحيطات في "الاتفاق العالمي للأمم المتحدة"، حيث يقول: "من خلال زراعة 2 في المائة فقط من مساحة المحيط، يمكننا توفير كمية من البروتين كافية لإطعام 12 مليار شخص في العالم، فالأعشاب البحرية غنية بالبروتين وتحتوي على نسب قليلة من الدهون والكربوهيدرات وغنية بالفيتامينات والزنك والحديد".
ثم يُشجع على استخدامها في علف الحيوانات بقوله: "الأعشاب البحرية لا تحتاج إلى الأرض، أو المياه العذبة، أو المبيدات، فقط الشمس والمياه المالحة.. إذا تمَّ إطعام الماشية المواد الغذائية المستمدة من الأعشاب البحرية، بدلاً من فول الصويا، فيمكن خفض انبعاثات غاز الميثان بنسبة 90 في المائة، وتحسين عملية الهضم مع تعزيز جهاز مناعة الحيوانات، مما يقلل من الحاجة إلى المضادات الحيوية، وهذا ما يحدث بالفعل في بعض البلدان، مثل أسكتلندا وآيسلندا ".
ولهذا أطلقوا هذا العام 2020م "خطة عمل مخصصة لاستعادة العافية للمحيطات على مدى الثلاثين عاما القادمة، وإذا نجحت هذه الجهود، فقد تجد صناعة الأعشاب البحرية نفسها في صميم جهود مكافحة أزمة المناخ، وتعزيز النُّظم البيئية البحرية، وتقريب العالم من تحقيق الغاية الكبرى المتمثلة في القضاء على الجوع". (موقع الأمم المتحدة)
فالفقر والجوع آفة الآفات ووصمة عار على جبين الحضارة والتقدم والتطور العلمي الهائل، ولكن تجدهم يصرفون ترليونات الدولارات على سباق التسلح وصناعة الدمار والموت ولا يضعون اليسير لصناعة الحياة وحماية الأحياء من الفقر المدقع أو الموت جوعاً، هذا إذا لم نتطرق إلى ما يفعله الطغاة من رمي القمح والشعير والحبوب الزائدة لديهم في المحيطات حتى لا يُصدِّروها إلى الدول الفقيرة لتستفيد منها.
فقر العراق من أي أنواع الفقر؟
ليس حديثنا في هذه العجالة عن العالم والدول الفقيرة بل حديثنا عن بلدنا وأهلنا وناسنا في عراق الخيرات والبركات ظاهرة وباطنة، فهو بلد السَّواد قديماً، والذهب الأسود حديثاً فلماذا نجد تلك الظواهر العجيبة الغريبة من كثرة المتسولين فيه وهذه الظاهرة لفتت نظري في آخر زيارة لي إلى العراق الحبيب حيث كنتُ في مؤتمر الإمام الحسن المجتبى (ع) في جامعة الحلة، فرأيتُ العجب من كثرة المتسولين فتسألتُ وناقشتُ بعض الأخوة هناك عن أنه يجب فعل شيء حقيقي وواقعي وجذري لحل هذه المعضلة، فالعراق من أغنى دول العالم لو أُحسن استثماره فعلاً.
فالعراق دُرَّة من التِّبر (الذهب) أضاعها أهلها وسرقها أعداؤها، واللطيف أنني بحثتُ في كتاب سماحة السيد مرتضى عن أنواع الفقر الذي يُعدد منها أربعة عشر نوعاً من الفقر، ولكن يجب الحديث عن الفقر الأخير الذي يقول فيه سماحته: " كما أن الفقر مما لا يختص بالفرد بل يشمل الفقر فقر (المجتمع)، وفقر (الدولة)، حيث إن الفقر ليس خاصاً بالإنسان الفرد، فإن له مصاديقه الظاهرة في افتقار الدولة للمؤسسات الدستورية، وفي افتقار الدولة والمجتمع لمؤسسات البنية التحتية". وهنا الطامَّة الكبرى في العراق الآن الفقر المعنوي، وفقر الدولة لمقوماتها الأساسية.
"ويمكن تعريف الدول الفقيرة: بأنها تلك الدول التي تعاني من مستويات منخفضة من التعليم والرعاية الصحية، وتوفر المياه النقية صحياً للاستهلاك البشري والصرف الصحي ومستوى الغذاء الصحي كماً أو نوعاً لكل أفراد المجتمع، ويضاف إلى ذلك معاناتها من تدهور واستنزاف مستمر لمواردها الطبيعية، مع انخفاض مستوى دائرة الفقر.. وقد عرف البنك الدولي الدول منخفضة الدخل أي الفقيرة: بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار سنوياً، وعددها 45 دولة معظمها في أفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنوياً.
وبرنامج الإنماء للأمم المتحدة يضيف معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوى رفاهية الإنسان ونوعية الحياة، وهذا الدليل وسَّع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم، أي هناك حوالي 45% من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي هناك فقراء في بلاد الأغنياء، ويكتفي هنا بذكر أن 30 مليون فرد يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايـات المتحـدة الأمريـكيـة (15% من السكـان)". (مكافحة الفقر؛ السيد مرتضى الشيرازي: ص22)
فالعراق الجريح ليس فقيراً بل فيه فائض من الخيرات المادية وبنفس الوقت فيه ما فيه من الفساد الإداري، والنهب للمال العام بشكل غير طبيعي، والعجب العجاب أنهم منذ أيام أعلنوا عن ميزانية العام 2021م وأنها 120 مليار دولار وهي أربعة أضعاف ميزانية الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولكن يحتارون بل غير قادرين على دفع رواتب الموظفين لديهم هل هناك ما هو أعجب من ذلك يا أهلنا في العراق؟
يقول أحد المختصين بهذا الشأن: "وعلى الرغم من عدد سكان إيران يعادل ضعف سكان العراق إلا أن موازنة العراق تفوق موازنة إيران بنحو أربعة أضعاف ومع ذلك تصدر إيران إلى العراق الغاز والكهرباء والمُشتقات النفطية والسلع غير النفطية بقيمة تصل إلى نحو 13 مليار دولار سنويا في حين لن يتمخض عن الموازنة العراقية الحالية كما حال الموازنات السابقة بسبب طبيعتها التوزيعية وافتقادها إلى السياسات والاستراتيجيات والبرامج أي نمو أو تطور اقتصادي أو تغيير إيجابي في نوعية حياة المواطن العراق".
نعم؛ فقر العراق سببه الاحتلال الخارجي، والتحكم به ليخدم الخارج ولذا يُفقر شعبه في الداخل.
هل تعلمون يا ساسة العراق الفطاحل، أنكم تحكمون بلد علي والحسين (ع) بلد المقدسات، وبلد أعرق الحضارات، والتاريخ يُحدِّث أنه ما كان يوجد فقير واحد في العراق في حكومة أمير المؤمنين الإمام علي (ع)، وعندما رأى رجلاً مسناً يتسوَّل التفت إلى مالك الأشتر وقال له: (ما هذا؟) يُريد أن يسأل عن الظاهرة لا عن الرجل، فقال: نصراني ليس له معيل، فال (ع): ما أنصفتموه استعملتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه! اجروا له من بيت المال راتباً).
يقول المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره): "وفر الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في حكومته لجميع شعبه: المسكن والرزق والماء، مع العلم بأن حكومة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت واسعة جداً، تشمل ما يقارب خمسين دولة حسب خارطة اليوم، منها مصر والحجاز واليمن وإيران والخليج والعراق وغيرها، فهي أكبر دولة في عالم ذلك اليوم، ومع ذلك وفر الإمام (عليه السلام) بسياسته الحكيمة كل ذلك لكل شعبه".
ثم يقول: "وقد انتفت البطالة أيضاً في ظل حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) لوجود الكسب الحلال لكل إنسان، ولم يكن يوجد في بلاد الإمام (عليه السلام) الواسعة حتى فقير واحد، فقد قال (عليه السلام) في كلمة له: (لعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع) فإن في استعماله (عليه السلام) كلمة (لعل) إشارة إلى نفي الفقر عن البلاد بحيث لم يكن القائد متيقناً بوجود فقير واحد". (فاطمة الزهراء (عليه السلام) أفضل أسوة للنساء)
نعم؛ أيها السادة يا حكام العراق بلد الأمير الذي يقول: (إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ وَاللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ)، وأنتم مسؤولون عنهم مرتين لأنكم حكام مرة، ولأنكم أغنياء ثانية فأعدوا الجواب قبل يوم الحساب.
ففقر العراقي ليس فردي أو شخصي بل هو فقر الدولة، بالمؤسسات وفقر المؤسسات بالقادة والمدراء المسؤولين الشرفاء وهذه هي الكارثة العظمى على العراق في هذا الواقع المذري الذي يعيشه الشعب العراقي الأبي البطل، والكريم المعطاء الذي يُريد ويسعى إلى عودته لمكانته في المنطقة والعالم.. وأسأل الله له أن يعود أكبر وأقوى من أي وقت مضى إنه قريب مجيب.
اضف تعليق