والعلم الحديث هو مفتاح الباب الى حداثة الدولة. والمجتمع المتقدم ينظم اموره على اساس معطيات العلم عامة والعلم الحديث خاصة. والعلم ليس فقط معلومات تختزنها الكتب والاقراص المدمجة، انما هو منهجية في البحث والتفكير ايضا. وهو يناقض التقليد والخرافة. كما يقتضي تحرير العقل من الجمود والقوالب والاحكام المسبقة والعادات العقلية السيئة...
المجتمعات تكون اما متقدمة او متاخرة، وبين الحالتين درجات كبيرة من التقدم والتأخر، ويمكن اختزال تعريف المجتمع المتقدم بانه مجتمع حسن التنظيم. ولكن في التوصيف الادق نقول ان المجتمع المتقدم يُعرف بالقياس الى مؤشرات او معايير او معالم الدولة الحضارية الحديثة. وذلك لان استقراء السيرورة الحضارية منذ الاف السنين يوضح ان البشرية في حالة سير حثيث نحو هذا النموذج في تنظيم المجتمع بصورة حسنة. ولهذا نقول ان الدولة الحضارية الحديثة تمثل اتجاها تاريخيا عاما. والاتجاه التاريخي العام هو سنة تاريخية من النوع الثالث، والنوع الاول هو السنن الحتمية، والنوع الثاني هو السنن الشرطية، حسب تقسيمات السيد محمد باقر الصدر.
والمعايير الاساسية لقياس مدى تقدم او تخلف المجتمع نسبةً الى الدولة الحضارية الحديثة هي: المواطنة، والديمقراطية، والقانون، والمؤسسات، والعلم الحديث، فضلا الى معايير تفصيلية اخرى كثيرة.
وتأتي المواطنة في قلب هذه المعايير، إذْ بدونها يتحول الناس الى "رعية"، قطيع، "يرعاها" الحاكم. واذا كانت المواطنة هي التعبير عن الانتماء الحر والمتساوي والمباشر الى وطن ودولة، فان ما عداها تسجيل حضور بالواسطة، والواسطة هي المكون او الطائفة او العشيرة او غيرها.
والديمقراطية هي شرط المواطنة الفاعلة، لانها تجسيد لنشاط المواطن، ومشاركته في الحياة العامة لبلده، وموقعه المركزي في صناعة القرارات التي تؤثر على حياته، ومنظومة اليات محايدة لتبادل السلطة سلميا ودوريا عبر الانتخابات العادلة والمنصفة والنزيهة في مجتمع حسن التنظيم.
والقانون هو ضابط المجتمع حسن التنظيم وقاعدة الدولة الحضارية الحديثة والمائز بينها وبين مجتمع الغابة والدولة المتخلفة. والقانون يقتضي سريانه على الجميع والخضوع له من قبل الكل. وبخلافه تحل الفوضى، وتضيع الحقوق، وتسفك الدماء بغير وجه حق، ويختفي العدل.
و المؤسسات تجسد القيم العليا والتقاليد الصالحة للسلوك ومكان تراكم خبرات المجتمع العلمية والسياسية، وشرط سيرورته التكاملية. وبخلافها يفقد المجتمع خاصية المراكمة للخبرات، ويعجز عن التقدم. وفي مجتمع حسن التنظيم تكون المؤسسات هي الحاكمة وهي مكان اتخاذ القرارات ورسم السياسات، وليس الكواليس والغرف السرية التي يتحكم اشخاص قليلون داخلها بحياة البقية من الناس خارجها.
والعلم الحديث هو مفتاح الباب الى حداثة الدولة. والمجتمع المتقدم ينظم اموره على اساس معطيات العلم عامة والعلم الحديث خاصة. والعلم ليس فقط معلومات تختزنها الكتب والاقراص المدمجة، انما هو منهجية في البحث والتفكير ايضا. وهو يناقض التقليد والخرافة. كما يقتضي تحرير العقل من الجمود والقوالب والاحكام المسبقة والعادات العقلية السيئة.
نستطيع من خلال هذه المقدمة الطويلة ان نتعرف على معالم المجتمع المتقدم/ المتحضر والمجتمع المتخلف. ومن خلال هذا التمييز ندخل في بحث مسالة الانتخابات في المجتمع المتأخر والمتخلف.
الانتخابات هي احدى اهم العمليات التي تتطلبها الديمقراطية. وهي تجسيد لحق المواطن في المشاركة السياسية. وهي الية ديمقراطية اصيلة لاختيار ممثلي الشعب وموظفيه التنفيذيين. والفكرة هنا هي عدم جواز ان يتولى امور الناس من لم يخوله الناس عبر الانتخاب بذلك، كما نوه الامام علي. وكلما كانت الانتخابات نزيهة وشفافة و"نظيفة" كلما كانت اداة صالحة لتمكين الديمقراطية وتجسيد خيارات الناس. والعكس بالعكس. وهذا ما يحصل في المجتمعات المتخلفة. ففي هذه المجتمعات، حيث لا تُحترم المواطنة، ولا الديمقراطية، ولا القانون، ولا المؤسسات ولا حقوق الانسان...فلا يمكن ان نتوقع ان تكون الانتخابات اداة جيدة وصالحة مئة بالمئة لان تحقق ما تحققه في المجتمعات المتقدمة. ذلك ان سلبيات المجتمعات المتخلفة سوف تفرغ المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات وحقوق الانسان من مضامينها الحقيقية، وسوف تنعكس هذه السلبيات على قوانين الانتخابات، والانظمة الانتخابية، والسلوك الانتخابي للمرشحين والناخبين على حد سواء. الانتخابات تكون غالبا على مقاسات مجتمعها.
اضف تعليق