عندما تتحاور مع أي طرف سياسي أو شريك في عملية سياسية يفترض ان هناك قناعات الحد الأدنى في أن الحوار مبني على مشتركات او مسلمات بين اطراف الحوار وأن الأختلاف في التفاصيل وكيفية بلوغ الأهداف، ولكن عندما يكون الحوار مبنيا على اساس الأختلاف الجذري والعدائي في الرؤى...
عندما تتحاور مع أي طرف سياسي أو شريك في عملية سياسية يفترض ان هناك قناعات الحد الأدنى في أن الحوار مبني على مشتركات او مسلمات بين اطراف الحوار وأن الأختلاف في التفاصيل وكيفية بلوغ الأهداف، ولكن عندما يكون الحوار مبنيا على اساس الأختلاف الجذري والعدائي في الرؤى بما لا يؤمن الحد الأدنى من عوامل البقاء الصالح واستمرارية الوجود، وحتى بعدم امتلاك المرونة الضرورية والمشروعة للبقاء الصالح من اجل سلامة الوحدة العضوية، الفردية منها والمجتمعية، وبالتالي تكون هنا ومن المتوقع أن لغة السلاح والكاتيوشا العبثية والمريضة هي لغة الممكن المتاح لأغراض الفناء والخراب الشامل، والناتج في معظم الأحيان من اجندة عقائدية متتحجرة ترى في نفسها الصواب المطلق وفي غيرها الخطأ الكامل، وبالتالي حصيلة ذلك الأستعصاء والتحجر هو مزيدا من الضحايا الأبرياء ومزيدا من الخراب في مؤسسات الدولة وانعدام الاستقرار.
وعندما تكون تلك القوى الغير مؤمنة بالحوار الديمقراطي أو الرافضة اصلا للعملية الديمقراطية في الخفاء والتي تناور فقط لعوامل بقائها، وهي التي جاءت للمؤسسات الديمقراطية العراقية بعوامل الأكراه والضغط والتزوير وتهديد المواطن بأمنه واستقراره ولقمة عيشه، فأن الأمر يبدو ليست حوارا من اجل اصلاح الحال العام بل حوار من اجل تخريب ما تبقى من المخرب وتجزأت المجزء، أنه سيناريو يعكس عمق أزمة سياسية عرفها العراق منذ 2003 حيث الصراع الدائر على المحاصصة واقتسام غنائم السلطة بين قيادات الطوائف الأسلاموية والأثنية والتي تتحايل في اقتسام نفوذ السلطة، أنه مافيا الأستئثار بالسلطة بعيدا عن الأرادة الشعبية الحرة للمواطن.
تصور عندما يختلف المتحاصصون بالأتفاق على قانون الأنتخابات وحيث الشعب يغلي في ساحات الأحتجاجات ويطالب بتعديل قانون أنتخابات عادل ومنصف، وان القوى السياسية المحاصصاتية تتفرج على معاناة شعب أهدرت دمائه وقدم خيرة ابنائه من شهداء وجرحى ومغيبين، فأي طبقة سياسية هذه التي ترعى مصالح الشعب وطموحاته وهي تختلف على جزئيات لا اهمية لها قياسا بالدم العراقي المراق، فقط لأن اهمية ذلك الأختلاف تكمن في الصراع على البقاء واعادة انتاج العملية السياسية برموزها وسياقاتها الفاشلة منذ 17 عاما، بل هو صراع لأعادة تدوير نفايا العملية السياسية الفاشلة وتكريس بقائها خارج اطار الزمان والمكان والمتغيرات التي تعصف بالعراق.
العناد كسلوك متخلف والناتج من أيمان متحجر تغلفه مسبقات وقناعات وهمية يقود العراق الى المجهول، بل ينذر بتفكيك الدولة وما تبقى منها، وينذر بالمزيد من التفكك الأجتماعي والصراعات الاجتماعية المكوناتية وينذر ببوادر حرب اهلية لا تنتهي ولا تحمد عقباها في ظل تربص خارجي للأستفادة من ضعف وانهاك العراق العراق كدولة ومجتمع، وفي ظل تدهور مستمر من خدامات انسانية مختلفة ” صحة وتعليم وكهرباء وماء وغياب فرص العمل وبنى تحتية منهارة ودولة نفطية مفلسة ووباء كورنا المستفحل “.
نقولها بأنصاف ان اغلب مطالب المتظاهرين هي مطالب منصفة وعادلة وتنسجم مع مطالب الحد الأدنى للعيش الكريم، من خدمات اساسية وفرص عمل ومكافحة الفساد الأداري والمالي وسرقة المال العام وتعزيز هيبة الدولة ومكانتها، ووضع حد للسلاح المنفلت ومحاربة الجريمة المنظمة، والكشف عن قتلة متظاهري اكتوبر والاستجابة للمطالب العادلة في ضمان عملية سياسية سليمة وصحية وما يرتبط بها من انتخابات حرة وديمقراطية نزيهة، أنها مسلمات العيش بسلام وطمأنينة ولا يمكن بدونها الحديث عن عراق تعددي وديمقراطي بل وفدرالي آمن وذو أفق مستقر.
نقول أذا اريد لما تبقى للعراق من فرص للنجاة، وما تبقى للقوى السياسية الحاكمة من ذرة من الحياء وللأحزاب من ضمير في الحرص على العراق، فأن جهد الحد الأدنى من االتضحية يتطلب التنازل عن المصالح الذاتية والتخريبية التي تؤذي استقرار العراق ومستقبله، فأن الأنفتاح على المطالب الآتية يشكل جزء من الحل وهي:
أقرارالقانون الانتخابي: وهو من اختصاص مجلس النواب وقد تم التصويت على أغلبية مواده، وان المتبقي تحديد عدد الدوائر وعدد المقاعد المخصص لكل دائرة، والتي هي محل شد وجذب بين الكتل السياسية حتى هذه اللحظة. وحسب تقديرات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لابد من إقرار القانون الانتخابي قبل ستة أشهر من الموعد المحدد للانتخابات، لغرض توفير المواد اللوجستية.
تعديل قانون المحكمة الاتحادية: لقد أصبح تعديل قانون المحكمة الاتحادية حاجة ملحة بعد الاختلال في قوامها، لغرض إعادة النصاب لاجتماعاتها، لأنها هي المعنية بالمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب، وفق (الفقرة سابعاً، المادة 93 من الدستور العراقي).
حل مجلس النواب: لا يمكن الحديث عن الانتخابات العامة المبكرة دون الاتفاق بين الكتل السياسية على حل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بطلب من ثلث أعضائه أو من قبل رئيس مجلس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية، وان يكون ذلك قبل شهرين من السادس من حزيران إذا اتفقت الكتل السياسية على هذا الموعد، ليتسنى لرئيس الجمهورية الدعوة للانتخابات العامة المبكرة، وفق (الفقرة ثانيا، المادة64 من الدستور).
تطبيق قانون الاحزاب السياسية: لقد تم إصدار قانون الأحزاب منذ 2015 دون إجراءات حقيقية لتفعيله، وقد جاء ضمن المنهاج الوزاري: التطبيق الكامل لقانون الأحزاب وهو من اختصاص الوزارة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وكذلك ديوان الرقابة المالية وأيضا يقع من مهام مجلس النواب المعني بالرقابة على أداء هذه المؤسسات. لضمان الحد المقبول من تكافؤ الفرص بين الكيانات السياسية عند خوض الانتخابات.
نزع سلاح المليشيات السائبة والسيطرة على السلاح المنفلت والاستعانة بالمنظمات الدولية لمراقبة الانتخابات وتوفير بيئة آمنة للناخبين الى جانب الجرئة الحكومية في الاعلان عن قتلة المتظاهرين وبما يسهم في خلق مزاج مطمئن للناخب ورسالة للمواطنين ان الحكومة قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية تبعث الامل وتؤسس لنظام سياسي جديد يعبر عن ارادة المواطن بعيدا عن التزوير والتهديد وسلب ارادة الناخب.
أن فرصة النجاح امام العراق ليست كبيرة بدون تضحيات ولكن هول مشاكل البلد يفترض ان يضع الجميع امام حالة استنفار للحرص على الوطن من الضياع والخراب، وعلى رئيس الوزراء السيد الكاظمي أن يبتعد عن الخطابات الأنشائية كسابقه عادل عبد المهدي، وعليه أن يسمي الأشياء بمسمياتها ويبدأ بأفعال ملموسة، في اهمها محاربة المليشيات المنفلتة علنا والأعلان عن قتلة المتظاهرين ومختطفي الناشطين المدنيين، ومطلقي الكاتيوشا بعناوينهم الرئيسية ” والتي يعرفها الكاظمي قبل غيره” فالشعب العراقي مع الكاظمي حين يريد وضده حين لا يفعل، وعلى الكاظمي ان يكون ذكيا وجريئا ويستفيد من مزاج الشعب الذي قد يقف معه في أشد لحظات احراج الأسلامويون له.
اضف تعليق