نجد العنصرية تتداخل في اغلب تصرفات الدول والأفراد، ففي بعض الأماكن لا يحق لذوي البشرة السمراء الجلوس، وكذلك يمنع عليهم الدخول والعمل في مؤسسات بعينها، فهي حكرا على اصحاب البشرة البيضاء الذين اصبح لهم النفوذ وكأنهم اسياد العالم ولا يحق لأحد يتزاحم معهم او الاقتراب من المراكز التي يشغلونها...
كثيرا ما تنشر وسائل الإعلام بعض الاحداث اليومية المختلفة وتحظى المادة المعروضة بتعاطف وتفاعل كبيرين من قبل الجمهور المتلقي سواء الداخلي او الخارجي، فالعالم يضج عندما تنشر الصحف خبرا يتعلق بمحاولة إنقاذ قطة عالقة في احد المباني، واستغرقت هذه العملية ساعات طوال.
بينما نجد وسائل اخرى تركز على قيام الشرطة الأمريكية ملاحقة مواطن اعتدى على كلب سائب، ماسكة به ومنزلة بحقه أسوأ العقوبات التي تخلق تصورا ان المجتمع هناك هو مجتمع مثالي يعيش بصورة فريدة من نوعها، لا يُظلم فيه احد، ولا يعتدي بعض على بعض، مما دفع بالمتابعين القول او تشبيهه انه افضل المجتمعات لا سيما الإسلامية القائمة على الرحمة والتعاطف المتبادل.
في قلب كل انسان نسبة معينة من التعاطف والتعاطي مع ما يدور حوله من احداث بشكل يومي، اذ تجد عدد ليس قليل من الاشخاص يتعاطفون بشكل كبير مع الحوادث ذات الطابع الإنساني لا سيما المؤلم منها، وهو ما يبرهن الطبيعة البشرية القائمة على التماسك والمودة بين المخلوقات.
وليس في ذلك مشكلة إطلاقا، لكن المشكلة الحقيقة تكمن عندما تُوظف هذه العاطفة لغير غرضها الإنساني، وبذلك الصدد نذكر حملة التعاطف مع الحرائق والفيضانات التي تحصل في الدول الأوربية وغيرها في بقاع العالم، وتأخذ وسائل الإعلام بالتعاطي معها بشكل غريب، الى درجة تناول جديدها على رأس كل ساعة اخبارية.
بينما هذا الاهتمام بالنقل والتعاطف لم نراه بصورة جلية مع ما تمر به السودان من فيضانات مدمرة، خلفت حالة إنسانية مأساوية، ذهب ضحيتها اعداد من الموتى، بينما يواجه البعض ظروف قاسية حولت حياته من هادئة هانئة الى، صاخبة مهددة بالفقدان، نتيجة ارتفاع منسوب المياه بنهر النيل، وادى الى غرق كم هائل من المنازل.
بالأمس القريب حصلت حادثة ونالت نصيبها من الاهتمام العربي والدولي، فلم نجد حساب على مواقع التواصل الاجتماعي الا وظهرت به صورة تبين حجم الدمار الذي لحق بمرفأ بيروت الذي تعرض لانفجار عُد الأول من نوعه في القرن الأخير، وترافق هذه الصور الدعوات المستمرة لتظافر الجهود والوقوف مع الشعب اللبناني من اجل الخروج من مصيبته.
ومن جانب آخر نجد اغلب دول العالم جهزت حملات المساعدات في غضون ساعات، وخلقت مشهد انساني يمكن وصفه بأكثر من رائع، وأصبحت بعض الدول تتسابق في نوعية الخدمات التي تريد تقديمها، بما في ذلك بعض الدول الفقيرة التي هي في الأساس بحاجة الى مد يد العون وانتشال ساكنيها من اوضاعهم المزرية.
لكن ومع شديد الأسف نجد ذات الدول التي وقفت بالأمس مع لبنان في نكبتها، تغض أبصارنا عن مشاهد الألم التي تحصل في السودان، وتصك آذانها عن سماع انين الشيوخ وبكاء الاطفال ونياح النساء مما لحق بهم في الأيام القليلة الماضية، وهنا يجب ان نضع تساؤل يدور حول الاختلاف والعنصرية في التعامل مع الاحداث العالمية.
فهل الجنس البشري في السودان يختلف عن الجنس الموجود في لبنان، وهل البشرة البيضاء هي وحدها كافية لان يكون الإنسان في دائرة الاهتمام من قبل الآخرين؟ بالتأكيد ابناء آدام سواسية ولا يختلف الأبيض عن الاسود الا بالتقوى.
ومع ذلك نجد العنصرية تتداخل في اغلب تصرفات الدول والأفراد، ففي بعض الأماكن لا يحق لذوي البشرة السمراء الجلوس، وكذلك يمنع عليهم الدخول والعمل في مؤسسات بعينها، فهي حكرا على اصحاب البشرة البيضاء الذين اصبح لهم النفوذ وكأنهم اسياد العالم ولا يحق لأحد يتزاحم معهم او الاقتراب من المراكز التي يشغلونها والأعمال التي يديرونها؛ ذلك بسبب الاعتقاد السائد بانهم يمتلكون قدرات عقلية ومهارات فردية تميزهم عن بعضهم.
بالعودة لما يجري في الحال بالسودان نود إعطاء لمحة مبسطة حول طريقة التفاعل العالمي مع الحدث، فقد اقتصرت المواقف الدولية على المواساة الكلامية عبر التصريحات الصحفية، الى جانب التغطيات الاعلامية الخجولة من قبل المحطات التلفزيونية، ومتابعات ضعيفة قامت بها الصحف اليومية.
وهذا الحال يُنذر بأمر خطير، ويبين وبشكل واضح ما يعيشه العالم من اصطفافات وتخندقات بين الدول، قائمة على المصالح المشتركة والمنفعة الدائمة، ونظرا لما تعيشه السودان من حالة عدم استقرار سياسي، فضلا عن الفقر المدقع الذي تمر فيه، ما يجعلها تأتي في آخر قائمة اهتمام الدول التي من الممكن ان تقدم المساعدة او تحث البقية على تقديمها بفعل مكانتها وثقلها الدولي.
فلو كانت السودان من ضمن الدول التي تتمتع بعلاقات دولية واسعة، لكانت لها خير سند في محنتها، لكن توالي أحداثها الداخلية، جعلها تدفع الثمن هو عدم التعاطف الدولي وكذلك على المستوى العربي.
ويبقى اللوم قائما على الدول العربية التي لم تحرك ساكنا تجاه الشقيق الذي يمر بظرف لا يُحسد عليه، فالخرطوم اليوم بأمس الحاجة لمن يخفف عنها مصيبتها، ويشاركها حمل همومها التي أخذت بالتزايد يوما بعد آخر، اذ لا يصح ان يتم التعامل مع الاخ بأسلوب المنفعة المتقابلة، كون هذا المبدأ بالتعامل لا يمت للإنسانية بصلة.
المنظومة العربية يمكن ان نشبهها كالجسد الذي تُسيطر عليه مشاعر واحدة، نابعة من قلب واحد، فلا يمكن ان ينام المصري رغدا وأخيه السوداني يواجه غرقا وموتا محتوما، الكل في مركب واحد وما يطال احد يجب ان يشعر به الآخر ويقف الى جانبه.
اضف تعليق