المتمعن في كلام الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، أثناء لقائه برئيس مجلس الوزراء العراقي (مصطفى الكاظمي)، سيجد غلبة اللغة الدبلوماسية الهادئة عليه، وهي قد تحمل رسائل أمريكية داعمة لجهود الكاظمي في الداخل العراقي، لا سيما فيما يخص علاقته المضطربة مع الفصائل السياسية، والمسلحة المتحالفة مع إيران...

كان رئيس مجلس الوزراء العراقي (مصطفى الكاظمي)، يهدف عبر زيارته إلى واشنطن، التي تقع ضمن مسار الجولة الثانية للحوار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية، والعراق، والذي انعقدت جولته الأولى في شهر حزيران من هذا العام، إلى أن يضمن قدر الإمكان مساندةً أمريكيةً لحكومته التي تعاني على الصعيد الداخلي، إذ تعاني من تحدي الأزمة الاقتصادية، والصحية بسبب هبوط أسعار النفط، وجائحة كورونا التي ألقت بظلها على الاقتصاد، وكذلك وجود العديد من التظاهرات الاحتجاجية ذات النزعة المطلبية، فضلًا عن ضاغط صواريخ الكاتيوشا، التي تسهم في زعزعة ثقة العالم بالعراق، إذ سينظر إليه كبلدٍ لا يستطيع حماية البعثات الدبلوماسية وغيرها من الأسباب، فضلًا عن التحدي الإيراني الذي يحاول بكل ما أوتي من قوةٍ إبعاد العراق عن المحور الأمريكي.

بالتالي إن هذه الزيارة تهم العراق بالدرجة الأولى، وليست الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما وأن رئيسها منشغل بشكلٍ رئيسٍ بالوقت الحاضر بالتحضير للانتخابات الرئاسية، وآخر اهتماماته ما يعانيه العراق داخليًا.

إن المتمعن في كلام الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، أثناء لقائه برئيس مجلس الوزراء العراقي (مصطفى الكاظمي)، سيجد غلبة اللغة الدبلوماسية الهادئة عليه، وهي قد تحمل رسائل أمريكية داعمة لجهود الكاظمي في الداخل العراقي، لا سيما فيما يخص علاقته المضطربة مع الفصائل السياسية، والمسلحة المتحالفة مع إيران، حتى أنه عندما تم سؤاله عن موقف بلاده من الميليشيات في العراق حسب وصف الصحفي، وما يمكن أن تقوم به حيالها، نجد أن جوابه على هذا السؤال، اتسم بالتجاهل وأكد في ذات الوقت على أن العراق بلد لديه سيادة، أي بمعنى كما في الظاهر لا علاقة لنا بذلك فهو شأن داخلي عراقي، وفي ذات الوقت أكد على أن أي تهديدٍ لمصالح بلاده سيواجه بكل قوةٍ، وهي رسالة ذات مضامين ردعية مزدوجة، فمن ناحية نحن لا علاقة لنا، ومن ناحيةٍ أخرى سنضرب بقوةٍ لو تعرضت مصالحنا للخطر، بالتالي هي رسالة للجهات العراقية الشيعية المناوئة للوجود الأمريكي في العراق، بأن تتوقف عن استهداف مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، ويقينًا أن الرسالة موجهة إلى إيران في ذات الوقت.

وبالتأكيد إن ما يظهر في العلن غير الذي في السر، فقد تكون هنالك تفاهماتٍ سريةٍ توصل إليها الكاظمي مع الإدارة الأمريكية لن يتم الإفصاح عنها؛ بيد إن السياسات التي سينتهجها رئيس مجلس الوزراء العراقي على الأرض بعد عودته من واشنطن، كفيلةٌ بأن تُفصح ما دار خلف الكواليس. مع ذلك يمكننا تفسير طبيعة ما تم الحديث عنه في لقاء ترامب والكاظمي، وما يمكن أن يخفي ورائه من مضامين. الذي يهدف كما أرى إلى تخفيف الضغوط الداخلية على الكاظمي، كما أنها تحمل رسائل سياسية للأطراف الموالية لإيران، حتى تكون أكثر مرونةً حياله، من قبيل أنه لا يحمل أجندات تستهدفها، أو ربما تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية.

طبيعة هذا الخطاب بالتأكيد تم الاتفاق عليه مسبقًا، بين فريق ترامب، وفريق الكاظمي، حتى أن كلمات الرئيس الأمريكي كانت محسوبة بدقة على غير عادته، فلم يتكلم مثلًا بخصوص أن العراق بلد لديه موارد، أو غني، وعليه أن يدفع كما هو الحال مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأبان عن تقديرٍ دبلوماسيٍ عال المستوى عند استقباله للكاظمي.

وقد تكون لغته هذه تحمل دلالات عدم اهتمامه بالعراق، فهو بالأساس خارجيًا يركز على الصين، باعتبارها المهدد الأبرز للمصالح الأمريكية، وكذلك فهو لديه معركةً داخليةً تتعلق بالانتخابات الرئاسية التي لم يتبق أمامها إلا شهرين ونيف، لهذا لا يريد ما من شأنه أن يعكر صفو تجديد ولايته الرئاسية لمدةٍ رئاسيةٍ ثانيةٍ، لا سيما وأنه يواجه العديد من التحديات الداخلية، لعل من أبرزها تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الأمريكي، بالتالي فهو لا يريد الدخول في مناكفاتٍ خارجيةٍ قد تؤثر على حظوظه في تجديد ولايته لمرةٍ ثانيةٍ.

إذ أن الناخب الأمريكي دائمًا ما يركز على ما يحمله برنامج المرشح الراغب بالوصول إلى البيت الأبيض، أو الرئيس الذي يرغب بتجديد ولايته، من أجندةٍ داخليةٍ تهمه بالدرجة الأولى، لأنها تؤثر على طبيعة حياته المعيشية، ورفاهيته، وما يمكن أن يكون عليه مستقبله كمواطن أمريكي. الشاهد على ذلك يقول (مارسيل ميرل) "على الرغم من أن التضامن الدولي يمكن أن يمثل أطروحةً تصلح شعارًا لحركاتٍ خطابيةٍ بلاغيةٍ؛ إلا أنه لسوء الحظ لا يمثل حجةً مقنعةً انتخابيًا"(1).

لذلك فهو لا يهمه أي الناخب الأمريكي ما يدور في الخارج، إلا بنسبةٍ قليلةٍ للغاية، إذ أن العقلية الشعبية الأمريكية تميل دائمًا إلى خيار العزلة، متأثرةً بنهج رئيسها الأسبق وأحد الآباء المؤسسين (جورج واشنطن)، وكذلك بمبدأ مونرو "أمريكا للأمريكيين"، ولهذا غالبًا ما تحاول الإدارات الأمريكية المتعاقبة، على التأكيد بأن هنالك مصالح عليا خارجية تهم الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يدفعها للتدخل من أجل حمايتها، بالتالي تعمل على إقناع المواطن الأمريكي أن في ذلك مصلحةً له، حتى تستطيع كسب مساندته لسياسات بلاده الخارجية، لذا لا غرابة عندما قال الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون) "لقد حلت الهزيمة محل النصر في فيتنام؛ لأننا خسرنا الحرب سياسيًا في الولايات المتحدة الأمريكية"(2).

فالسياسات الأمريكية الخارجية تهم النخب الأمريكية بالدرجة الأولى، وكذلك حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن منافسيها، وأعدائها، ودائمًا ما يحاول الرؤساء الأمريكان التوفيق بين سياساتهم الداخلية، والخارجية، وهنالك من يُغلب السياسة الداخلية في برنامجه على السياسة الخارجية كما هو حال الرئيس الأمريكي الأسبق (بِل كلينتون)، أما الرئيس الأسبق (جورج ووكر بوش) فغلب السياسة الخارجية على الداخلية.

وبالنسبة للرئيس ترامب نجده يعطي الأفضلية للداخل على الخارج (التأكيد على الخيار القومي بدلًا عن الخيار الإمبراطوري، أو العالمي)، وهذا ما يؤكده شعاره (أمريكا أولًا)، ولهذا دائمًا ما يركز في خطاباته على أن عهده شهد تحقيق نسبًا كبيرةً لفرص العمل لم تشهدها بلاده من قبل، وكذا الحال بالنسبة لانخفاض معدلات البطالة، وأن بلاده أضحت أكثر قوة وما شاكل ذلك، وعمل على الإنسحاب من بعض الالتزامات الدولية لبلاده، وكذلك قلص من حجم المساعدات التي تقدمها دولته للدول الأخرى، وغيرها من الإجراءات التي تؤكد نهجه المختلف عن سابقيه من الرؤساء.

أما نظرته للخارج فتتركز فيسيطر نظرته على الهاجس الاقتصادي، إذ يؤكد على أن بلاده خسرت الكثير بسبب تدخلاتها الخارجية عديمة الفائدة من ذلك مثلًا: حربي أفغانستان، والعراق، كما يسيطر على إدراكه مفهوم الصفقة، لا سيما وأنه رجل أعمال بالأساس، حتى أنه يكرر كلمة الصفقة في أكثر من حديثٍ له، نفهم من ذلك أنه يلجأ للخارج كوسيلةٍ من أجل تحقيق منافع اقتصادية تهم المواطن الأمريكي. لذلك إن مدركات صانع القرار مهمة في مسألة تحديد أولوياته، وكذلك يمكن الإنطلاق عبره لتفسير، وتحليل تحركاته، وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات؛ إلا أن ذلك لا يعني انتفاء الطابع الشخصي عن طبيعة القرار الأمريكي.

وبالعودة إلى لقاء ترامب والكاظمي، فعندما وجه أحد الصحفيين سؤالًا آخرًا للرئيس الأمريكي حول موقفه من التواجد العسكري الأمريكي في العراق، لاحظت كيف أنه قال لوزير خارجيته (مايك بومبيو) مايك، ما رأيك في ذلك؟، أجاب الوزير على لسان رئيسه أن قوات بلاده باقية حتى يتحقق الاستقرار في العراق، وتنتفي التهديدات المنبعثة منه، كداعش، وبالتأكيد النفوذ الإيراني، وحلفاء إيران في العراق. بالتالي هو لم يحدد مدةٍ زمنيةٍ معينةٍ، وأشار بومبيو في المؤتمر الصحفي الذي عقد بينه وبين وزير الخارجية العراقي (فؤاد حسين) الذي سبق لقاء القمة بين ترامب والكاظمي؛ إلى أنه ليس من الضروري الحديث عن مسألة انسحاب القوات الأمريكية من العراق، أما بخصوص طلب ترامب من وزير الخارجية من أجل الإجابة على هذا السؤال، أتصور أن ذلك يعني أن بومبيو هو المسؤول الأول عن الملف العراقي، وكذلك قد تكون إشارةً إلى أن الملف العراقي لا يقع ضمن أولويات ترامب، حتى أن بومبيو أجرى لقاءً مع الكاظمي في مقر إقامته، قبل لقاء القمة بين ترامب ورئيس مجلس الوزراء العراقي، وبالتأكيد تم عبره بحث القضايا كافة التي تهم الطرفان، والتي يمكن أن تكون على أولوية أجندة لقاء القمة.

عمومًا لم ألحظ تأكيدًا قويًا من قبل ترامب على دعم العراق على الأقل من الناحية الاقتصادية، الجانب الذي يشكل عاملًا ملحًا وضاغًطا على حكومة الكاظمي، وأغلب كلامه كان في العموميات بل نجد أن الحكومة العراقية عملت على عقد مجموعة من مذكرات التفاهم ذات الأبعاد الاقتصادية، تتعلق بقطاع الطاقة، وكذلك البنى التحتية، وصلت قيمتها إلى (8) مليار دولارًا، بينما قدمت الإدارة الأمريكية مساعداتٍ ماليةٍ قدرها (200) مليون دولارًا فقط، وكأن الجانب العراقي يحاول مغازلة الرئيس الأمريكي في الجانب الذي يعد في قمة اهتماماته ألا وهو الاقتصاد، ذلك في محاولةٍ منه لكسب دعم إدارته للحكومة العراقية التي تواجهها العديد من التحديات ذكرتها بشكلٍ موسعٍ في مقالةٍ سابقةٍ عنوانها "العراق وأمريكا ولعبة العصا والجزرة".

أما بخصوص الكاظمي، فنجده يؤكد في أكثر من مرةٍ عند تواجده في واشنطن على القضايا الاقتصادية، سواءً أكان ذلك عند إلقائه لكلمته في غرفة التجارة الأمريكية، أو اللقاء الخاص الذي أجرته معه قناة العراقية في مقر إقامته بواشنطن. وبالفعل إن هذه القضية هي الأولوية القصوى بالنسبة للعراق في الوقت الحاضر. وبخصوص موقف حكومته من التدخلات الخارجية أكد على أن العراق لن يكون منطلقًا لضرب دولةٍ أخرى، وهذا ما أكد عليه الدستور العراقي؛ وهي إشارةٍ إلى إيران التي تنظر بعين الحذر، وعدم الرضا على هذه الزيارة، إلى أنه أي الكاظمي لن يقف مع أمريكا لضرب المصالح الإيرانية في العراق، أو حتى أن تكون الأراضي العراقية لضرب المصالح الإيرانية في أي مكانٍ آخرٍ.

وفي ذات الوقت قد تكون رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تبعد العراق عن مسألة صراعها مع إيران، لكن، هل يمتلك العراق هذه القدرة بحيث يستطيع منع ما تريده أمريكا؟ أشك في ذلك، لا سيما وأن الجماعات العراقية الفاعلة، مختلفةً إزاء ما يمكن أن يكون عليه الدور الأمريكي في العراق، فالسنة والكرد يساندون هذا الدور، أما الشيعة فجزء مهم منهم يعلنها صراحةً أنهم ضده. لهذا لا توجد رؤيةً عراقيةً موحدةً حيال وجود الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا فيما يتعلق بوجودها العسكري، إذ يرى الأكراد أن ذلك هو ضمانةً لأمنهم، وكذا الحال أصبح للسنة بعد عام (2014)، وهذا ما تلعب عليه الإدارة الأمريكية وتستثمر فيه.

وعندما سألته مراسلة القناة العراقية حول موقفه من عملية الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، أجابها أن هذه الوجود ستتم إعادة جدولته، وسيكون الانسحاب على مدى ثلاث سنوات قادمة. ويجدر بنا التوقف عند هذا الكلام، إذ لم يشر لا ترامب، ولا بومبيو إلى مسألة تحديد مدةٍ زمنيةٍ تنسحب خلالها قوات بلادهم من العراق، وكان كلامهم كله يذهب باتجاه ضرورة بقائها حتى يستطيع العراق حماية نفسه، وفي ذات الوقت تكون هذه القوات بمثابة ردع للنفوذ الإيراني. فهل كلام الكاظمي هذا من ذاته فقط؟، أم أنه أتفق عليه مع الإدارة الأمريكية ما خلف الكواليس؟، أم هو كلام إعلامي يهدف عبره إلى تطمين الجهات الشيعية التي تعادي هذا التواجد؟ والتي تصر على مسألة انسحاب هذه القوات بأسرع ما يمكن، على العموم المستقبل كفيلٌ بكشف حقيقة الوقائع. من جانبٍ آخرٍ أكد على أهمية الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للعراق، لا سيما من الناحية الاقتصادية، أو من جانب التدريب العسكري، وعملية تأهيل مختلف صنوف القوات المسلحة العراقية.

وكلمته التي ألقاها في غرفة التجارة الأمريكية كان يغلب عليها الطابع الإنشائي، تعرفه غالبية الشعب العراقي، كلام يمكن أن يقوله أي إنسان عادي، لا بحجم المسؤول التنفيذي الأول في العراق، إذ تكلم عن المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها العراق، وأن البلاد تعاني من الفساد، وأنه راغب بالإصلاح، وأنه يهدف إلى تنويع الاقتصاد العراقي، وعدم الاكتفاء على النفط فقط، إلا أنه لم يخبرنا كيف سيحقق ذلك؟، وما خطواته؟، وهل يستطيع القيام بذلك فعلًا؟، لا سيما وأن خطواته تسورها العديد من الدوائر التي لن تقبل بأن تتنازل عن مصالحها، والتي تعتاش على شبكة الفساد الممتدة في عموم البلاد.

فهل سيقتنع القائمون على غرفة التجارة بكلامه هذا؟، فإن كان يرغب بأن يقدم الإغراءات للاستثمارات الأمريكية حتى تأتي إلى العراق، فأنها لن تجازف في ظل وضعٍ مضطربٍ على كل الصعد، وفي ذات الوقت لن تقدم على تقديم القروض للحكومة العراقية، ما لم تعرف أين ستكون وجهتها؟، وما موقف الأطراف المناوئة للمصالح الأمريكية في العراق؟، فالدول لن تجازف بأموالها في وسط بيئةٍ معاديةٍ لها، مهما كان الكلام جميلًا، ورومانسيًا الذي تكلم به الكاظمي، فالواقع لا يشكله الكلام؛ بل من يتملك السيطرة الفعلية عليه.

مع ذلك تعرف الدولة الأمريكية بمؤسساتها لا كسلطة رئيس يأتي ويذهب، وكذلك الشركات الأمريكية مدى أهمية العراق بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، بالتالي لن تتركه وحيدًا للنفوذ الإيراني، إلا أنها تنتظر فقط كيف ستصبح عليه الأمور فيه، ومن بعدها ستتحرك، هم يريدون ضماناتٍ فعليةٍ حول وجهة العراق، إذ لا تحبذهم فكرة الوقوف في المنتصف، التي تحاول الحكومة العراقية اللعب عليها، وكذلك الجهات الفاعلة فيها، والمسيطرة على المشهد السياسي العراقي، فالعالم يقوم على محاور عدة، تتشكل عبر تفاعل، وتنافس، وتصارع، وتضارب، مصالح الدول فيما بينها، وكل دولة تذهب باتجاه المحور الذي ترى فيه مصلحتها، أما أن تحاول اللعب على أكثر من محورٍ مسألةٍ صعبةٍ للغاية، وستضيع نفسها قبل أن يضيعها الآخرون، وحتى فكرة الحياد فهي شبه خياليةٍ في عالم الدول، أما ما يقال أن هذه الدولة أو تلك حيادية، هذه مسألةٌ تقررها لعبة المصالح الدولية، ولربما هي دولةٌ هامشيةٌ لا تمتلك من المقومات التي تغري الدول الأخرى للتحرك باتجاهها، بالتالي تبقى على الحياد. ومن ثم هو ترفٌ أي الحياد، ومحاولة اللعب على أكثر من محورٍ، لا يقدر عليه العراق بالنظر إلى وضعه الحالي، وكذلك موقعه الجيوبولتيكي يحتم عليه الانضواء تحت كنف إحدى المحاور، على أن يكون المحور الأقوى وليس الأضعف.

من الأمور الأخرى التي لفتت الانتباه فيما يخص الكاظمي، هي اهتمام فريقه المرافق كما هو واضح بقضية مدى جودة ظهوره الإعلامي (طريقة أخذ لقطات الصور، طريقة جلوس الكاظمي مع ترامب، ووقوفه معه)، لأنهم يعلمون اهتمام الرأي العام العراقي بمثل هكذا تفاصيل، حتى أنني لاحظت جزءًا من الآراء الشعبية تقول بأنه هيبة، وشخصيةٍ قويةٍ، بالتالي هو يحاول الحصول على القبول الشعبي عبر استثمار الصورة.

أخيرًا وفيما يتعلق بإيران وموقفها من هذه الزيارة، فكما أشرت سابقًا إلى أنها لم ترحب بها، فهي تحاول قدر ما تستطيع إبعاد العراق عن الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها لن تثق بتوجهات الكاظمي؛ وأن أكد على أن حكومته لن تتبنى سياساتٍ مناوئةٍ للمصالح الإيرانية، إلا أنه على ما يبدو نجد أن قواعد "معضلة السجينين" هي الحاكمة بين الجانبين، فلا ثقة بما يمكن أن تضمره الأطراف اتجاه بعضها البعض.

..........................................
المصادر:
1- مارسيل ميرل، سوسيولوجيا العلاقات الدولية، ترجمة: حسن نافعة، دار المستقبل العربي، بيروت، 1986، ص269.
2- المصدر نفسه، ص335.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق