وآن الأوان لمعرفة العالم عظمة الإسلام، وعدالته في الأحكام، وقسطه بين الأنام، فالإسلام العظيم جاء في عصر الجاهلية حيث الغزو، والأمية، والجهل، والتخلف، والرِّق والعبودية وخلال عقد من الزمن فقط منع القتال إلا بحق، ونشر العلم، والتقدم، والحضارة، وكان أعظم ثورة في إلغاء نظام الرِّق وتحرير العبيد...
نظرة في التاريخ
النظر في التاريخ البشري منذ أبينا آدم (ع)، ثم أبو البشر الثاني نبي الله نوح (ع) يعرف أن أصل البشر واحد، ومن نفس واحدة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء: 1)
هذه حقيقة تاريخية واضحة وضوح الشمس، وهي حقيقة علمية أقرَّها العقل، والعلم، والمنطق، والواقع الذي نعيش فيه جميعاً، ونشترك فيه كلنا، فاللون، والشَّكل، يتحكم فيها الطبيعة، والمكان الذي يعيش فيه الإنسان، فتأثير حرارة الشمس المحرقة في قارة أفريقيا، والمناطق الاستوائية هي التي تجعل بشرتهم سمراء داكنة، وأما الأوربيين البيض فليس عندهم تلك الظروف القاسية وأشعة الشمس العمودية عليهم طيلة فترة السَّنة، وأجواءهم معتدلة ولذا تراهم بذلك اللون المميَّز لهم، وكذلك بقيَّة البلدان والشعوب في العالم أجمع.
فالذي يتحكم بلونهم هي الطبيعة ثم تنتقل الألوان بالجينات الوراثية، وما يؤكد ذلك أن جميع الأوربيين الذين يذهبون إلى أفريقيا يتغير لونهم، والأفارقة إذا سكنوا البلاد الأخرى يتلطف لونهم وإذا تزاوجوا تكون الأجيال اللاحقة لهم بلون حنطي متوسطي كما في البلاد العربية عامة..
فالمسألة العنصرية هي نتاج فكر بشري عفِن أول مَنْ جاء به اليهود، فصار عندهم ديناً يدينون به لأنهم دسُّوه في نصوص التوراة ليُلقنوه إلى أجيالهم وبالتالي ليحفظوا أصولهم ولا يذوبوا في الآخرين فصار علامة مميِّزةً لهم، فهم ميَّزوا أنفسهم عن الآخرين بهذه النظرة العنصرية التي لا أصل لها في التاريخ البشري، لمعرفة الجميع أن أصولهم واحدة فكيف تختلف الفروع؟
اليهود أصل العنصرية
فالمراجعة السريعة لتاريخ اليهود، وتقلباتهم في الفساد منذ خمسة آلاف سنة، ومَنْ ينظر إلى توراتهم التي كتبوها بأيديهم ونسبُوها لربِّهم –ربِّ الجنود– يجد أن منبع العنصرية، وأصل التمييز العنصري بين البشر هو نابع من التوراة المزيَّف، وجاء التلمود وبروتوكولات حكماء صهيون ليُعززوا هذه النظرة الدُّونية للبشر وما يُسمى العنصرية البغيضة.
فاليهود ينظرون على أنفسهم؛ (أنهم شعب الله المختار)، وقال تعالى في القرآن الحكيم عنهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (المائدة: 18)
انظر كيف تُبيِّن الآية الكريمة زيف دعواهم، وفساد معتقداتهم، وباطل رأيهم، وتؤكد أن البشر جميعاً (بشر ممَنْ خلق)، والبشر من آدم وحواء، وهما من التراب، ولكن التراب يختلف ألوانه باختلاف مكانه، وكما قال تعالى يؤكد هذه الحقيقة العلمية والطبيعية: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 28)
فكما أن العلماء في الطبيعة يعرفون أنه من البديهي أن يكون هناك ألوان مختلفة في التربة حتى في الأرض الواحدة، وكذلك علماء البشر والأطباء خاصَّة يعلمون أن التكوين واحد وبديهي أن يكون هناك اختلاف في الألوان والأشكال البشرية، ولكن نظرة اليهود وعنصريتهم هي التي أشاعت في العالم أنهم مميَّزون عن غيرهم، حتى بلون الدَّم وليس بالبشرة فقط فدمهم أزرق وليس أحمر قاني كما هو معهود، وهذا ما يفضحه العيان في كل زمان ومكان.
العنصرية في الحضارة الرقمية
وأما العنصرية في هذا الزمن الأغبر، وفي عصر الحضارة الرقمية، فهي من ذات الأصول البعيدة للفكر اليهودي الغائر بالعنصرية، والتمييز الطبقي بين البشر، على أساس لونهم، ودينهم، وقوميتهم، وبلدهم، وقارتهم، وذلك على أساس التفريق بين البشر بكل وسيلة ممكنة، فلكل منطقة وبلد ما يناسبها من دعوات لتفريق شعبها ودقِّ أسافين العنصرية بينهم لإضعافهم وتنازعهم فيما بينهم فيسهل على اليهود استغلالهم واستضعافهم وحتى استحقارهم واستحمارهم كما يقول الدكتور علي شريعتي.
فالحضارة الرقمية قامت على أساس العنصرية البغيضة، وهي التي كان يدَّعيها هتلر بالنسبة للشعب الألماني المميَّز عن غيره من الشعوب الأوربية التي تتمتع بنفس اللون، ولكنه ظنَّ أن الألمان يتميزون بالذكاء والقوة البدنية، فحاول أن يُدمِّر العالم، ويحتل القارة الأوربية بسبب نظرته الاستعلائية العنصرية البغيضة وقامت الحرب العالمية الثانية، ولم يقتنع بسبب عنصريته حتى انكسر جيشه، وتقسَّمت بلده، وانتهى به الأمر إلى الانتحار غير مأسوف عليه.
ولكن ما وضعت الحرب العالمية أوزارها إلا باستسلام اليابان، وما استسلمت الإمبراطورية اليابانية إلا باستخدام الولايات المتحدة الأمريكية القنبلة النووية (الذرية) بحجمها التكتيكي الصغير فدمَّرت مدينتين – الناغازاكي وهيروشيما – بلحظات وأبادتها عن جديد الأرض، وبذلك أعلنت رسمياً ولادة العنصر النووي ولكن بكارثة ما زالت تبعاتها إلى اليوم.
وكان ما أعقب ذلك تسارع الدول القوية إلى الوصول إلى هذه التقنية التدميرية، وهو ما يُسمونه بالتسابق النووي، فوصلت دولٌ وقصَّرت أخرى ولكن اليابان انعكفت على صناعات من نوع آخر لأنهم منعوها من الصناعات العسكرية، فتوصلوا إلى صناعات النانو، وثورة السِّليكون وأنواع الصناعات الرَّقمية الدَّقيقة، فأنتج التسابق في هذا المضمار ثورة تقنية لم يشهدها التاريخ البشري على طول امتداده، ولكن لسوء الحظ كان أصحابها ورعاتها وقادتها الكوبوي الأمريكي، وهؤلاء لا تاريخ لهم ولا يعرفون معنى للحضارة بل كانوا قطاع طرق ومجرمين أقاموا حياتهم على رعي الماشية وحضارتهم على جماجم البشر دون رحمة، فأبادوا الهنود الحمر، وسرقوا الأفارقة السُّود ليخدموهم في مزارعهم، فعاشوا بعنصرية من أبشع ما عرفته البشرية تجاه الآخرين لا سيما المختلفين معهم باللون، أو الدِّين والعقيدة، لأنهم لا دين لهم وإن تلبَّسوا بلباس المسيحية ولكن المتحكم بهم اليهود العنصريين، وقادتهم من الماسون العالمي والمتصهينين الجُدد.
فالحضارة الرقمية ولدت عنصرية، لأنها لقيطة سقطت في الأحضان اليهودية الأمريكية، وها نحن نعيش إرهاصات الحرب الثالثة بأدواتها القذرة بسبب التطور والتقدم التقني الآسيوي لا سيما في الصين واليابان وكوريا، وهذه الجائحة الكورونية التي ما زلنا نصطلي في أتونها ما هي إلا مرحلة متدنية من مراحل الصِّراع على القمَّة العالمية التي نشهدها اليوم بكل مآسيها العالمية.
الإسلام هو الحل
وهنا يجب أن نوجِّه – العالم الإسلامي، وعلماء الأمة – صرخة مدوية يسمعها جميع دول العالم بعد ما نراه من اضطرابات واحتجاجات عارمة وعالمية بسبب العنصرية البغيضة التي تعيشها الإمبراطورية الأمريكية بكل بشاعتها وتمارسها بكل شناعتها فيقتلون الناس الملونين بكل بساطة وكأنهم يقتلون حيواناً برِّياً شرساً، ولا يندى لهم جبين لأنهم اعتادوا على صيد الحيوانات ورعاية البقر في تاريخهم، فهم يعتمدون ثقافة القطيع ليس مع جائحة الكورونا فقط بل حتى مع المجتمع البشري بمختلف طبقاتهم عندهم.
فمقتل رجل أسود واحد لا يُقيم الدنيا عندهم لأن السود سنوياً يُقتل منهم بالآلاف ولا أحد يجرؤ ليتكلم بكلمة واحدة، ولكن زاد الأمر عن حدِّه في الفترة الأخيرة حيث وصل إلى البيت الأسود ذلك الأبيض العنصري الذي سوَّد صفحات التاريخ الحضاري بعنصريته وتكبُّره وغطرسته التي فاقت كل تصور بقائد أكبر إمبراطورية في العالم يتعامل معاملة الشَّركة في سياسته العالمية، وسياسة المزرعة في داخل بلده الذي قام رافضاً لسياسته ومنطقه وعنصريته الواضحة المعلنة.
وآن الأوان لمعرفة العالم عظمة الإسلام، وعدالته في الأحكام، وقسطه بين الأنام، فالإسلام العظيم جاء في عصر الجاهلية حيث الغزو، والأمية، والجهل، والتخلف، والرِّق والعبودية وخلال عقد من الزمن فقط منع القتال إلا بحق، ونشر العلم، والتقدم، والحضارة، وكان أعظم ثورة في إلغاء نظام الرِّق وتحرير العبيد، إذ شرَّع شرائع ونصَّ على أحكام تُحرر العبيد بل وشجَّع على ذلك انطلاقاً من نظرته الراقية للإنسان كما هو إنسان حيث قال ربنا سبحانه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70)
فأصل البشر واحد، والتعامل معهم يجب أن يكون من هذا المنطلق (الكرامة الآدمية) وليس ينطلق من اللون، أو العرق، أو العشيرة، والبلد والدولة، وغير ذلك من العنصريات المقيتة التي اخترعها اليهود ومَنْ تأثَّر بهم عبر التاريخ، فكل عنصري ابحث عنه تجد فيه تلك النزعة اليهودية وما جاء الإسلام إلا ليقول رسوله الكريم (ص): (أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ أللهم اشهد. قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب). (بحار الأنوار: ج 31 ص35)
ويقول الدكتور محمد الصغير المصري: "من الركائز الأساسية لدعوة الإسلام منذ فجر بزوغه محاربته للعنصرية والطبقية وسائر أنواع التمييز باللون أو الجنس أو العرق، وأكدّ تلك المعاني في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، فلا مفاضلة بين الناس إلا بالتقوى والعمل الصالح".
فنظرة الإسلام كما قال أميره وإمام المسلمين الإمام علي بن أبي طالب (ع): فالناس (صنفان؛ إمّا أخ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلق)، تلك الكلمة التي صارت شعاراً لمنظمات الحقوق الدولية والأمم المتحدة منذ بداية القرن الحالي.
وهو الذي نطق بالحق والصدق، وحكم بالعدل، وبسط القسط في المجتمع؛ فعن أبي إسحاق الهمداني، أنّ امرأتين أتتا علياً (عليه السلام) عند القسمة، إحداهما من العرب، والأخرى من الموالي، فأعطى كل واحدة خمسة وعشرين درهما وكراً من الطعام، فقالت العربية: يا أمير المؤمنين إني امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم، فقال علي (عليه السلام): (والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلا على بني إسحاق).
وما أجمل كلمات الإمام الشيرازي الراحل (رحمة الله عليه) في هذا المجال في كتاب الرائع (الصياغة الجديدة لعالم الرفاه)، حيث يقول: (أما الإسلام فحيث توفرت فيه الحريات المعقولة، ولم تكن فيه طبقات يسندها القانون، ولا تشدد من الدِّين ورجاله - بل عفو وسماح ودعوة بالتي هي أحسن - ولم يكن فيه تسلُّط أقوامٌ على أقوامٍ بل كان مَنْ دخل في الإسلام يُصبح كسائر المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، وإنما الكفاءات تصل إلى أرقى المناصب سواء في الحُكم، أو في العلم، أو في القضاء، أو في غيرها، ولذلك نرى مثلاً أن سلمان الفارسي نُصِّب حاكماً على الإمبراطورية الفارسية (ولاية المدائن) لما فتُحت إيران... لذلك كله لم يكن في الإسلام استعمار، ولا استغلال، ولا ردود فعل...
وهكذا امتد الإسلام وزحف إلى الأمام باستثناء بعض الفترات التي سيطر فيها حكام منحرفون خرجوا عن الموازين الإسلامية جملةً وتفصيلاً فأوقفوا زحف الإسلام الإصلاحي، وباستثناء الفترة الأخيرة حيث ابتعد كثير من المسلمين عن القرآن الكريم الذي كان هو خُلُقُ المسلم مما سبب تمكُّن الغرب والشرق من الزَّحف عليهم وتنصيب حكام عملاء عليهم، وتبديل القوانين الإسلامية إلى القوانين الوضعية الكابتة.. وهكذا فقدت الدنيا القيادة الرَّشيدة، وولدت مشكلات عالمية لها أول وليس لها آخر، ارتطم الأقوام كلهم فيها، وإن كانت على نسب مختلفة ـ.
الجاهلية الجديدة (الحضارة الرقمية)
ويصف جناب السيد الإمام حالنا وحضارتنا الرقمية، فيقول: "والحالة التي تعيشها الدُّنيا في الوقت الحاضر هي حالة مرضية -بكل خصائص المرض- وما لم تُرفع هذه الحالة إلى حالة صحيِّة فستظل الدنيا تتخبط في دياجير، وظلمات، ومشاكل، أسوأ من المشاكل التي كانت الدنيا تتخبط فيها قبل ظهور الإسلام، فهي (جاهلية ثانية) أسوأ من (الجاهلية الأولى).
إن الدنيا الحاضرة دينا مغلفة بالأنانية، والأثرة، والتفاوت الطبقي، والموازين التي تحكمها هي موازين (القومية) و(الوطنية) و(المادة) و(اللغة) وما أشبه لا الموازين الإنسانية، ولذا تجد كل إنسان لا يرتبط بالوطن الخاص، والشعب الخاص -ونحو هذين الأمرين- غريباً ليس له أي حق في الحياة، فهو يولد في العالم الحاضر دون حق، وينظر إليه بالشُّبهة والرِّيبة، لا يُزوَّج، ولا يُتزوج منه، ويُطرد من البلاد، ولا حقَّ له في البيع والشراء إلى غير ذلك، إلا في نطاق خاص وتحت شروط قاسية جداً، لم يكن لها مثيل حتى في الجاهلية الأولى.
وما دامت الدنيا لا تضع الحب مكان الكراهية، والأخوة مكان الطبقية، والوطنية، والقومية، ونحو ذلك، وحُسن الظن بدل سوء الظن، وحب الإنسان بما هو إنسان بدل الرَّوابط الأنانية، والأرضية، ونحوها، والتعاون بدل التقاطع، وأصالة الصَّحة -في عمل الإنسان وفي قوله- بدل أصالة الفساد، وأصالة البراءة حتى تثبت الجريمة، بدل أصالة الشُّبهة، وأصالة الحرية في كل شيء بدل أصالة الكبت.. لم يكن للعالم خلاص من المشاكل، بل أنها تزداد ضيقاً يوماً بعد يوم، حالها حاله المريض فإنه إذا لم يستعمل الدَّواء يزداد مرضه يوماً بعد يوم حتى ينتهي به إلى الموت.
آفاق (عنصرية) ضيّقة
ولما ذكرناه - من ضيق الأفق الذي يحكم على بلاد عالم اليوم - نرى أن الإنسان الغربي والشرقي إذا قال لزملائه: (إني لا أحب بلادي) يقابل بالاستنكار، أما إذا قال: (إني أريد استعمار سائر البلاد أو إني أريد الاستيلاء على خيرات سائر البلاد، أو إني أريد قتل الطائفة الفلانية التي هي خارجة عن بلادي) أو ما أشبه لا يقابل بالاستنكار، إلا عند فئة خاصة.. إن مردّ ذلك إلى عدم إنسانية الفكر، وضيق الفكر، سواء في القومية، أو في الوطنية، أو في اللغوية، أو في اللونية، أو ما أشبه ذلك".
فالتفكير صار فاسداً وعنصرياً مقيتاً لا رائحة فيه للقيم والفضائل الإنسانية التي يشترك فيها جميع البشر، فالعنصرية هي مرض خطير جداً يُصيب الفطرة الإنسانية فيفسدها ويقتلها فيتحوَّل الإنسان إلى وحش شرس يضع ركبته على رقبة إنسان حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويُطلق النار على رجل مقعد على كرسيه، أو يطلق النار على إنسان فرَّ منه لأنه مختلف اللون فيرديه قتيلاً بكل صلافة وجرأة على القتل لأنهم دولة نشأت على القتل وسفك الدماء للمختلف معهم باللون، أو العرق، أو الدِّين، أو غيرها من الموازين العنصرية التي أطلقوها وأبشعها (أمريكا أولاً)، وهم يُريدون قيادة العالم بهذه النظرة الاستعلائية على البشرية.
الأديان السماوية توسّع آفاق الفكر الإنساني
ثم يُعطي السيد الشيرازي الدواء لمعضلة العنصرية البغيضة، بقوله: "قد ورد في الإسلام سعة مثل هذا الأفق وهكذا في كل الأديان السماوية، بل نُقل عن المسيح (عليه الصلاة والسلام)، أنه قال: (أحبوا أعداءكم)، وفسَّره البعض بأن حب الأعداء هو حب للنفس، لوجود الجذور الإنسانية في كل إنسان سواء كان عدواً أو صديقاً، وفي القرآن الحكيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: 8)
وورد في الحديث: (إنصاف الناس من نفسك) (بحار الأنوار: ج62، ص381)
وفي حديث آخر: (فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك) (نهج البلاغة، شرح محمد عبدة: ج3، ص45)
هذا هو منطق الأديان السماوية، منطق العقل، والرُّشد الفكري... فإذا تمكن الإنسان أن يدخل تحت مظلة الأنبياء عليهم السلام وأن يجعل جذوره إنسانية لا عنصرية أو طائفية.. أو.. فعندئذٍ يسود الوئام والسَّلام، وتتبدل معامل صنع السلاح إلى معامل صنع الأغذية، ولا تجد ألف مليون إنسان يتضورون جوعاً بينما أفراد آخرون يسبحون في اللبن - كما نشاهد في عالم اليوم - كما لا تجد في ذلك اليوم السجون المفتحة والحاجات المعطلة، ولا تجد بعض الناس يسكنون القصور الباذخة بينما السَّواد الأكبر يسكنون الأكواخ ويعيشون نصف عراة". (الصياغة الجديدة لعالم الرفاه: ص 38 بتصرف)
فالحل في الإسلام العظيم وقوانينه العادلة، وتشريعاته الشاملة ولن ينقذ هذا الكوكب الجميل، ولا هذه الحضارة العملاقة من الدَّمار إلا التنادي والعودة إلى الله وشريعته السَّهلة السَّمحة في الدِّين السَّماوي الرَّباني (الإسلام) الذي حوى جميع رسالات الأنبياء والرُّسل الكرام، وكتابه القرآن اشتمل على جميع كتب السَّماء، ولن يُنقذ أهل الأرض إلا تشريع السَّماء فهل من سامع يسمع، وهل من عاقل يرفع صوته معنا لإنقاذ هذه السفينة التي تعصف فيها يد الخراب العنصرية، والعنجهية الأمريكية (الكوبوي) لدمار البشرية، فإذا لم يتداعى العُقلاء فسنغرق جميعاً ولن يبقى حتى البوم لينعق ويعيش في خرائب الحضارة الرَّقمية الحالية؟
اضف تعليق