السرقة الأكبر هي بتحويل العراق الى حقل تجارب امريكي واذا ما فشلت التجارب تلك يتهم الشعب العراقي بانه هو من افشل التجربة، امريكا والكويت وباقي دول الخليج والعالم تعتمد على شريعة الغاب، والضعيف يكون الضحية دائما ينهب كل شيء منه، التاريخ والجغرافيا والتراث وكل ما يجعله قادرا على الاستمرار...
نسب المغني الكويتي نبيل شعيل شخصية السندباد الى دول الخليج الخليج، يقول فيها ما نصه: " سندباد كان بحاراً خليجياً عظيماً من هنا، والذين اشتركوا في رحملة الاحلام هم أولادنا، والمجاديف التي شقت جبال الموت كانت من هنا"، ما عرضه لانتقادات لاذعة من قبل العراقيين تحت هاشتاغ #سندباد_من_بغداد، وارفقوا ذلك بالمصادر التوضيحية كل ما يتعلق باثبات ان القصة بغدادية وان ما يقوم به الفنان الكويتي هو تشويه للتاريخ.
نعم هو تشويه واضح للتاريخ ليس في قصة السندباد بل في التاريخ اجمع، نحن الذين ندافع عن التاريخ الخيالي الذي لم يثبت اصله بصفة قطعية نستهين ونستنكر التاريخ الحقيقي، والسبب كله يعود للصراعات السياسية، ومن تكون له الغلبة يكتب التاريخ بحسب اهوائه، يحذف ما يخالف هواه، ويضيف من خياله ما يعظم من شأنه، منذ ظهور الانسان وجدت كتابة التاريخ اما بالقصص الخيالية والاساطير التي تنسب لشعب معين الفضيلة وتلصق تهمة الشر على شعوب أخرى.
ومنذ فجر الانسانية كانت القصة والاغنية والرواية والشعر هو مجال لتشويه التاريخ، اما بالإيجاب او السلب، وحسب طبيعة القائل وموقفه من المسألة المطروحة، ووسائل الاعلام اليوم هي الخطوة الأولى الابتدائية نحو كتابة التاريخ، ثم تتبعها خطوات اكثر عمقا ومنهجية، وقد اخذت الدول على عاتقها تطوير وسائل الاعلام بما يضمن لها الفوز في الخطوة الأولى ان تعمق بعض الحوادث لدى الشعوب، وطمس حقائق أخرى لا تناسب سياساتها، فاسهمت بتاسيس وعي عام حول القضايا تلك، لياتي بعدها دور المؤرخين والباحثين الذين تشبعوا بالافكار الإعلامية المبسطة ليؤسسوا هم بشكل منهجي كتابة التاريخ المزيف بدون ان يعترض عليهم احد لان الخطوة الأولى أسهمت في اقناع الجميع بما سوف يكتب.
واذا كانت التاريخ يكتبه المنتصر، واذا كان العراق هو المهزوم منذ الاحتلال العثماني وحتى الاحتلال الأمريكي، لنا في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية وعلاقتها مع العراق فكرة حسنة، فهي التطبيق الفعلي للمنتصر الذي يكتب التاريخ بما تهوى أفلام هوليود، المخيال الهوليودي يصور الأمريكي على انه الانسان المنقذ للبشرية، والأفلام الامريكية في اغلبها تقدم لنا النموذج الأمريكي والحلم الأمريكي، بطل العالم في تحدي الصعاب، وهو الملاذ الأخير للبشرية التي تعيش أساليب حياتية المتوحشة ولم يبقى امامها سوى أمريكا تلك الدولة المتقدمة علميا وفكريا وتحمل راية "الإنقاذ للبشرية".
وعلى مقربة من السينما تحمل تصريحات السياسيين الامريكان الكثير من هذا المنطق "الانقاذي"، فهم يشنون الحرب على العراق من اجل إنقاذه من الأسلحة التدميرية التي يمتلكها حزب البعث، ورغم انهم لم يجدوا اليورانيوم الذي كان صدام يستخدمه لأغراض عسكرية، ولم يذكروا انهم من كانوا يدعمونه أيام الحرب العراقية الإيرانية وما تبعها من تعظيم لقوته، كما انهم وحسب الاحصائيات الدولية قد القوا ما يزيد عن 300 طن من اليورانيوم المنضب على الأراضي العراقية، ما زاد من نسبة الامراض السرطانية وغيرها، الولايات المتحدة الامريكية هي التي فتحت أبواب المؤسسات الحكومية امام السراق لتقوم وسائل اعلامها فيما بعد باتهام العراقيين بالفرهود والحواسم.
قامت الولايات المتحدة الامريكية بقلب نظام الحكم وتدمير المنظومة المؤسساتية البيروقراطية القديمة عبر حل مؤسستي الجيش والشرطة، ثم قامت بعد ذلك وسائل اعلامها باتهام العراقيين بالطائفية وعدم قدرتهم على ضبط الامن، وسوقت للموضوع حتى صار تهمة جاهزة ضد كل عراقي، بينما تغفل دورها التدميري.
قامت الولايات المتحدة الامريكية بتاسيس نظام المحاصصة الحزبية والطائفية وقسمت الحصص بين الطوائف، وجلبت بعض السياسيين معها ونصبتهم بارفع المناصب، وهم اليوم أساس الفساد المالي والاداي وتعطيل حركة الاعمار في البلاد، لكنها هربت من هذا الالتزام واتهمت الشعب العراقي بانه لا يجيد فن الانتخاب وانه لا يستحق الديمقراطية.
قد لا يحلو للبعض التحول بالحديث من اغنية كويتية عن مغامرة خيالية الى حديث عن السياسة، لكنني استغل المناسبة للحديث عن السرقات الأكبر في وقتنا الحاضر، السرقة الأكبر هي بتحويل العراق الى حقل تجارب امريكي واذا ما فشلت التجارب تلك يتهم الشعب العراقي بانه هو من افشل التجربة، امريكا والكويت وباقي دول الخليج والعالم تعتمد على شريعة الغاب، والضعيف يكون الضحية دائما ينهب كل شيء منه، التاريخ والجغرافيا والتراث وكل ما يجلعه قادرا على الاستمرار، والحملة الكويتية المتواصلة لتشويه العراقيين وتشويه الحقائق لا تعادل جزءا بسيطا من الحملة الامريكية القائمة على تدمير العراق بكل ما يملك من تاريخ وعبر وسائلها العنيفة مثل القوة العسكرية، ووسائلها الناعمة عبر وسائل الاعلام التي تبرر الفعل الأمريكي وتلقي بالجزء السلبي منه على كاهل العراقيين.
اضف تعليق