مثل انسحاب الجيش العراقي من الانبار بعد الموصل في فارق زمني قليل نسبيا انتكاسة امنية مكنت تنظيم "داعش" من السيطرة على مئات الكيلومترات بصورة مجانية، إضافة الى الأسلحة والعتاد والعجلات العسكرية التي تم نقل الكثير منها الى سوريا لاستخدامها في الهجمات التي يشنها عناصر التنظيم في الجبهة الثانية على الحدود العراقية، وكان اول المنتقدين للجيش العراقي، الولايات المتحدة الامريكية، مؤكدة على لسان كبار مسؤوليها وقادتها العسكريين (ومنهم وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر) "انعدام رغبة القوات العراقية في قتال تنظيم داعش، وإن القوات الأمريكية تشجعهم على الاشتباك بشكل مباشر بدرجة أكبر"، ومع ان توتر دبلوماسي ساد الموقف العراقي- الأمريكي بعد ان رفض رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" وصف الجيش العراقي بهذا المستوى المتدني من الكفاءة العسكرية، الا ان نائب الرئيس الأمريكي "بايدن" اتصل لاحقا بالعبادي ليوضح مواصلة دعم الولايات المتحدة الامريكية لشريكه العراقي في مكافحة الإرهاب، أضافة الى تسريع شحنات الأسلحة المضادة للأليات التي يستخدمها التنظيم في هجماته الانتحارية.

الحشد الشعبي

في هذه الاثناء كانت الحكومة العراقية مشغولة بالإعداد لخطة محكمة لاقتحام "الانبار" من ثلاث محاور عسكرية، إضافة الى تقسيم القطعات العسكرية المشاركة، والتي تنوعت بين الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والفرق التكتيكة الخاصة، إضافة الى العشائر السنية التي ساندت الحكومة في مقاتلة المتطرفين، لكن المشاركين الأبرز بين جميع هذه القوات هم مقاتلو "الحشد الشعبي" الشيعة، الذين تجمعوا بالآلاف، في وقت سابق من اعلان انطلاق العمليات العسكرية في المحافظة في 26/أيار تحت اسم "لبيك ياحسين"، في قاعدة "الحبانية" العسكرية، بعد ان صوت مجلس محافظة الانبار بالإجماع على تقديم طلب لرئيس الوزراء بمشاركة "الحشد الشعبي" في 17/أيار الجاري، حيث مثلت هذه الاحداث انتقاله مهمة في تطورات الأوضاع الميدانية مقارنة بما جرى في عمليات تحرير مدينة "تكريت"، التي توقفت لأسابيع بسبب الاتهامات المتبادلة بين جميع الأطراف، وبالأخص ما اثير حول تدخل ايران المباشر في العملية، ما اثار حساسية الولايات المتحدة الامريكية التي اقتصر حضورها على تأمين الغطاء الجوي (رغم الاتهامات بضعف تأثير هذه الضربات على تنظيم داعش)، في حين اصر مجلس محافظة الانبار على تواجد قوات "الحشد الشعبي" في معركة الانبار وهدد بعدم التعامل مع الامريكان في حال رفضوا هذه القوات او امتنعوا من تنفيذ الضربات الجوية، بحسب ما أشار اليه احد أعضاء المجلس في مؤتمر صحفي.

الحرس الوطني

بين مشهد "الجيش العراقي" الضعيف و"الحشد الشعبي" القوي هناك طرف ثالث يجري اضافته الى المعادلة العسكرية العراق من خلال قانون تشكيل قوات "الحرس الوطني" والتي يعول عليها في توفير الحماية للمحافظات من خلال تشكيل قوات عسكرية محلية لحفظ الامن الداخلي، إلا ان خلافات سياسية تعصف بالتوافقات المطلوبة لتمرير هذا القانون حاليا، ويبدو ان الولايات المتحدة الامريكية التي شجعت على تشكيل "الحرس الوطني" ما زالت منقسمة على نفسها بشان كيفية التعامل مع قوات "الحشد الشعبي" المتنامية امام تواصل مسلسل ضعف المؤسسة العسكرية العراقية التي تكفلت الولايات المتحدة الامريكية، بعد عام 2003، بعملية هدمها وبنائها على أسس جديدة لم تثبت نجاعتها امام تنظيم "داعش"، على الرغم من الميزانيات الضخمة التي تم صرفها على تأهيل وبناء جيش عصري ومسلح تسليحا جيدا، ويرى الكثير من الخبراء ان عدة عوامل تقف وراء ما يحدث للجيش العراقي ويمكن تحديدها اهمها:

- الفساد المالي والإداري الذي نخر هذه المؤسسة من الداخل طوال أكثر من عقد من الزمن

- عدم كفاءة ومهنية كبار الضباط والرتب، والتي تسببت اوامرهم الفردية بالانسحاب من المعركة في مجمل الهزائم العسكرية للجيش

- غياب العقيدة القتالية الواضحة

- لم يتم ابعاد العامل السياسي والطائفي عن الجيش العراقي وبالتالي عمل على تمزيق وحدة وانسجام هذه المؤسسة

ومع ان الحكومة العراقية حاولت احتواء وتصحيح بعض هذه الأخطاء الا ان المشكلة أكبر من ان يتم احتوائها في هذا الظرف الحرج، لذا فهي مجبرة على التعامل مع هذه المؤسسة بوضحها الحالي، إضافة الى تنويع مصادر الاسناد والدعم الداخلي والخارجي.

توقعات قادمة

يبدو ان الأيام القادمة ستكون حافلة بجملة من الاحداث قد تحدد مصير المؤسسة العسكرية العراقية في المستقبل، ويمكن توقع بعضها من خلال الاستنتاجات التالية:

- في حال تمكن "الحشد الشعبي" من حسم معركة الانبار "خلال أيام" كما وعد العبادي بذلك، فتحرير الموصل سيكون بمشاركة الحشد الشعبي أيضا ومن دون اعتراض امريكي.

- إعادة هيكلة واسعة النطاق للمؤسسة العسكرية، وقد يجري الاعتماد على قوات "الحشد الشعبي" في تشكيل نواة جديدة للجيش العراقي.

- تسريع قانون "الحرس الوطني" ليتزامن مع تحرير المدن الكبرى التي تقع تحت سيطرة التنظيم، وربما تتولى الولايات المتحدة الامريكية عملية تدريب وتجهيز هذه القوات المحلية.

- ستجري محاولة تسريع عمليات تحرير المدن والمناطق المحيطة بالموصل استعدادا لاقتحامها قبل حلول فصل الشتاء.

- استمرار الخلافات السياسية داخليا، والتي ستكون أحد اقوى العقبات امام جهود مكافحة الإرهاب في العراق، وقد ترتفع وتيرة هذا الخلاف مع الاقتراب من مدينة الموصل.

اضف تعليق