هناك العديد من التعريفات لمصطلح "النزاع" منها أن "النزاع هو تصارع فعلي بين طرفين أو أكثر، يتصور كل منهم عدم توافق أهدافه مع الأخر أو عدم كفاية الموارد لكلاهم". ومنها أن "النزاع هو التصور أو الاعتقاد باختلاف المصالح، وأن تطلعات كل أطراف النزاع لا يمكن تحقيقها تزامنيا معا" وأن "النزاع هو أي حالة يوجد فيها طرفان اجتماعيان يتصوران أن أهدافهما غير متوافقة".
يؤكد خبراء مختصون في إدارة النزاعات أنه ليس هناك مصدر أو سبب واحد للنزاعات والصراعات في العام، بل، هناك أنواع مختلفة من المصادر والأسباب التي تحدث الصراعات بسببها. فبعض الصراعات تحدث بسبب تبني قيم ما؛ مثل: اختلاف معايير تقييم الأفكار أو السلوك؛ وضع أهداف يعتبرها الشخص ذات أهمية كبرى؛ اختلاف أسلوب الحياة أو العقيدة أو الدين، وبعض الصراعات تحدث بسبب العلاقات مثل: سوء الفهم؛ ضعف التواصل أو سوء التواصل؛ والسلوكيات السلبية المتكررة.
وبعضها يحدث بسبب المصالح مثل: المنافسة الفعلية على مصالح ذات أهمية قصوى؛ المصالح الإجرائية؛ المصالح الفسيولوجية. بينما بعض الصراعات تكون ناتجة عن البيانات مثل: قلة المعلومات؛ التضليل؛ اختلاف وجهات نظر حول مدى أهمية الأمور؛ الاختلاف في تفسير البيانات؛ الاختلاف في تقييم الإجراءات. وبعض الصراعات تعود الى التحكم غير المتكافئ في الموارد وحيازتها وتوزيعها وعدم التكافؤ في السلطة والنفوذ؛ وعوامل بيئية أو طبيعية أو جغرافية تعيق التعاون..
ومع أن الأسباب أعلاه هي أسباب مباشرة للصراعات والنزاعات المجتمعية؛ بيد أن هذه النزاعات تظل في إطارها السلمي المعتاد عندما تكون مؤسسات الدولة قادرة على إدارتها والسيطرة عليها. بيد أنها تتحول إلى عنف مجتمعي إذا ما كانت مؤسسات الدولة؛ كالمؤسسات السياسية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وغيرها من الأدوات المجتمعية مؤسسات ضعيفة لا ترتقي إلى مستوى الأزمة. كما إذا كانت غير قادرة على معالجة أشكال اللامساواة والتهميش الكامنة التي تعاني منها مجموعات سياسية أو عرقية أو دينية.
في إطار عمليات حفظ السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة؛ هناك ما يُعرف بمفهوم "إدارة النزاعات" وهذا المفهوم يتألف من ثلاث عمليات مختلفة، وهي: منع نشوب النزاعات، والمصالحة، وبناء السلام. هذه العمليات الثلاث المختلفة لا تطبَّق بالضرورة على التوالي، وكثيرا ما تكون مترابطة فيما بينها. ويوجد أيضا قدر كبير من التداخل فيما بينها من حيث الأدوات والأساليب التي يمكن استخدامها.
تشير "المصالحة" إلى عملية إعادة بناء الثقة بين أفراد الشعب من خلال تدابير من قبيل لجان تقصي الحقائق والمصالحة، والمحاكم، والتوعية. بينما يشير "بناء السلام" إلى إتباع نهج متكامل ومتعدد الأوجه في بناء المؤسسات، والتنمية، والجوانب الأخرى التي عادة ما تكون متلازمة من أجل ضمان الاستقرار على المدى الطويل.
بينما يشير مصطلح "منع نشوب النزاعات" إلى الإجراءات التي تعالج خطر الاندلاع الوشيك للعنف في مجتمعات طالت فيها النزاعات، مثل الانتخابات المزورة، التي قد تؤدي إلى اندلاع العنف أو عودته.
والحقيقة أن منع نشوب النزاعات لا يهدف بالضرورة إلى اجتثاث النزاعات في حد ذاته، بل إلى منع تحول التوترات المجتمعية إلى عنف. فلا يكاد مجتمع من المجتمعات يخلو من النزاعات، وقد تكون هذه النزاعات مفيدة عندما تساعد على تطور المجتمع وتؤدي إلى تماسكه. فالنزاع بسبب عدم المساواة في الوصول إلى الموارد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي إلى تدابير تسفر عن إقامة مجتمعات أكثر عدالة، وبالتالي، توفير الأساس لإرساء سلام أكثر استقرارا على المدى البعيد. بينما تغدو بعض النزاعات سببا مباشرا لاندلاع العنف المجتمعي؛ فعوامل من قبيل المخالفات الانتخابية يمكن أن تؤدي إلى اندلاع العنف.
إذا ما سلمنا بوجود الاختلافات والصراعات المجتمعية، فما هي الوسائل التي يمكن للمجتمع أن يلجأ إليها للحد من منع تلك النزاعات وتطورها تجاه العنف؟
على المستوى الدولي يمكن للأمم المتحدة أن تسهم بشكل كبير في عمليات "منع النزاعات" في الدول التي تشهد توترات ونزاعات حيث يمكنها المساعدة على تيسير التوصل إلى تسوية للنزاعات عن طريق التفاوض من خلال جهود الوساطة المبذولة بقيادتها. ويمكنها أيضا المساعدة على تعزيز المؤسسات الانتخابية القائمة للحيلولة دون حدوث تأخير غير ضروري ولبناء الثقة بين أوساط عامة الشعب في المؤسسات مثل اللجان الانتخابية.
علاوة على ذلك، يمكن للأمم المتحدة أن تساعد على منع نشوب النزاعات عن طريق الحد من عدد الأسلحة التي يمكن الحصول عليها بسهولة، ومن السبل الأخرى التي يمكن للأمم المتحدة القيام من أجل التقليل إلى أدنى حد من خطر اندلاع النزاعات العنيفة هي تدريب المفاوضين الوطنيين والمحليين، وتوعية جهاز الشرطة وغيرها.
على المستوى الوطني، يمكن أن تلعب البرلمانات المنتخبة دورا مهما في منع نشوب النزاعات، فحيثما يقم البرلمانيون علاقة متينة بقواعدهم الشعبية تكنِ البرلمانات مؤهلة تماما للتعرف على المظالم التي تعاني منها تلك القواعد سواء المتطاولة أو الناشئة منها.
ونتيجة لذلك، فبوسع البرلمانيين القيام بدور الوسطاء في منع نشوب النزاعات بعدة طرق منها التواصل الدائم مع ناخبيهم، وتحديد المسائل التي يتعين معالجتها من أجل منع نشوب النزاعات، من قبيل الشعور بالحرمان النسبي وغياب التمثيل؛ وتثقيف ناخبيهم بشأن التدابير المتخذة لمعالجة المظالم القائمة، وعرض المناقشات البرلمانية لأبناء الشعب، وإظهار التعاون البرلماني، وبناء الثقة في المؤسسات الوطنية من أجل تشجيع أطراف النزاع على استخدام هذه المؤسسات وسيلةً للتوصل إلى حلول. كذلك يمكن للبرلمانات تعزيز رقابتها على السلطة التنفيذية بوسائل منها الأخذ باللامركزية في عمليات صنع القرار، واتخاذ التدابير اللازمة لكفالة أن تحافظ تلك العمليات على استقلاليتها عن السلطة التنفيذية.
وعلى المستوى الوطني والمحلي أيضاً يمكن لبعض العناصر والمكونات المجتمعية مثل المرأة وأهل الحل والعقد والعلماء ورجال الدين والشيوخ والوجهاء وغيرهم أن يلعبوا دورا إيجابيا في منع نشوب الصراعات وعدم توسعها.
تستطيع المرأة أن تسهم بدور مهم في منع النزاعات؛ لان المرأة هي أكثر من يعي أهمية منع الصراعات في العلاقات الاجتماعية، وهي في الوقت نفسه يمكن أن تكون عنصرا مؤثرا في إذكائها إذا لم يحسن التعامل معها. فالمرأة تعي بطبيعتها التهديدات لأمنها الشخصي، والتهديدات التي تطال أمن الأسرة والمجتمع المحلي، وتستطيع أن تتعرف كونها محور الأسرة على تدفق الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة عبر الأسر والمجتمعات المحلية، وتفهم أسباب التطرف في الخطاب المحلي، وكلها أمور تشكل معاً نظاماً معقداً مهماً للإنذار المبكر والمعلومات بشأن النزاعات الوشيكة.
وكذلك يمكن أن يلعب رجال الدين ووجهاء العشائر والمثقفون دورا في الحد من النزاعات المجتمعية والتحكم فيها بما يعزز التماسك الاجتماعي ويحفظ هيبة المجتمع، وبالتالي كلما تمكن المجتمع من تقوية هذه العناصر الاجتماعية تمكن من منع نشوب الصراعات والنزاعات والعكس أيضا صحيح فالكثير من النزاعات في مجتمعاتنا والتي تأخذ طابعا محليا ووطنيا وربما دوليا تعود على تلك العناصر أيضا، فالكثير من النزاعات العائلية على سبيل المثال تحدث بسب المرأة أو أن المرأة طرفا فيها؛ فهي من يذكي تلك الصراعات ويديمه. والكثير من الصراعات القومية يقودها مثقفون قوميون متعصبون لقوميتهم وينبذون القوميات الأخرى، والكثير من الصراعات الدينية والمذهبية تعود إلى أسبابها إلى الأفكار التي يحملها بعض رجال الدين والمذاهب والاديان.
التوصيات:
- ينبغي للدول أن تولي اهتماما خاصا بالعناصر والمكونات الاجتماعية المحلية المؤثرة في منع نشوب الصراعات والنزاعات مثل البرلمانات والمجالس المحلية، والمرأة ورجال الدين وشيوخ العشائر.
- ينبغي للبرلمان ومجالس النواب الممثلين للشعوب أن يكونوا بالمستوى الذي يؤهلوهم لإدارة النزاعات الاجتماعية، سواء تلك القائمة على أسس دينية ومذهبية أو عرقية أو تلك التي تقوم على أساس سياسي، وكلما كانت المجالس التمثيلية أقدر على منع النزاعات كلما تمكنت المجتمعات المحلية من تجاوز محنتها. وكلما كان البرلمان أعجز كلما سارعت الأمور نحو العنف المجتمعي.
- ينبغي للدول أن تعمل جهد إمكانها على تقوية مؤسسات نفاذ القانون بما فيها المؤسسات القضائية وأجهزة الإصلاح والشرطة، فكلما كانت تلك المؤسسات مؤسسات محايدة ومحصنة ومستقلة كلما تمكنت من حل الصراعات وتسويتها..
- ينبغي على الدولة ومؤسساتها التعاون مع مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة بمنع النزاعات في حال تطورت النزاعات إلى ما لا تستطيع مؤسسات الدولة تحمله ومنعه. حيث تمتلك الأمم المتحدة ما يساعدها في أداء مهمتها الإنسانية فيما لو أبدى جميع أطراف النزاع الإرادة السياسية اللازمة لإيجاد حل له. فالأمم المتحدة، التي يُنظر إليها على أنها كيان محايد، مؤهلة تماما لتوفير منبر لحوار شامل. وكثيرا ما يكون الوعد بالتوصل إلى حل شامل شرطا مسبقا لموافقة أطراف النزاع أصلا على الجلوس حول طاولة المفاوضات.
..........................................
اضف تعليق