يحبس العالم أنفاسه منذ بداية عام 2020 في ظل تزايد احتمالات وقوع مواجهة نووية في شبه الجزيرة الكورية، فمنذ الأحداث التي تسارعت وتيرتها في ديسمبر2015 تساعدنا على فهم المشهد السياسي بين البلدين، إذ أطلقت كوريا الشمالية فجأة ومن دون سابق انذار صاروخاً ذا ثلاث مراحل...
يحبس العالم أنفاسه منذ بداية عام 2020 في ظل تزايد احتمالات وقوع مواجهة نووية في شبه الجزيرة الكورية، فمنذ الأحداث التي تسارعت وتيرتها في ديسمبر2015 تساعدنا على فهم المشهد السياسي بين البلدين، إذ أطلقت كوريا الشمالية فجأة ومن دون سابق انذار صاروخاً ذا ثلاث مراحل في 12 ديسمبر2015 في خطوة ادانتها الأمم المتحدة بوصفها تجربة محرمة لتقنية الصورايخ البعيدة المدى، مما إدى إلى استياء الولايات المتحدة الأمريكية فتسارعت بتقديم مشروع قانون لمجلس الأمن لمعاقبة بيونج يانج على هذا الفعل، فأستفز هذا الامر الكوريين فشرعت كوريا الشمالية بإجراء تجربة نووية تحت الأرض في 12 فبراير 2015، وهي التجربة الثالثة من نوعها بعد تجربتي عامي 2006 و 2009.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد فقد تم توقيع اتفاقية جديدة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في نفس العام وتضمن هذا الاتفاق الكوري الجنوبي- الأمريكي السماح للولايات المتحدة الأمريكية بزيادة مدى صواريخها (3) مرات تقريباً لتغطي كامل مساحة كوريا الشمالية؛ مقابل ذلك صادق الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون على خطط عسكرية تضمن احتمال توجيه ضربيات نووية ضد أهداف أمريكية وكل هذهِ الاحداث المتسارعة تدفعنا إلى طرح تساؤل حول لماذا يحدث كل هذا؟
في الواقع هناك العديد من المداخل المهمة التي يمكن من خلالها الاقتراب أكثر من الصراع النووي، الذي يعد اللاعب الرئيسي فيه كوريا الشمالية وتهديداتها المستمرة لجارتها الجنوبية وللولايات المتحدة، وأهم هذهِ المداخل لفهم طبيعة هذا الصراع يكمن في التنقل ما بين منطقتين رئيسيتين لفهم جوهر هذا الصراع وهما:
الأولى: هي المنطقة التاريخية التي لا يمكن الاستغناء عنها لفهم طبيعة الكراهية التي تحملها الأطراف المتصارعة بعضها البعض.
الثانية: هي منطقة العمليات ونطاقات الاشتباك والتي تفترض دراسة سيناريوهات المواجهة وتكتيكات الحرب بشكل حقيقي وواقعي.
لهذا يمكن ببساطة وضع صراع كوريا الشمالية مع المعسكر الغربي في أطاره التاريخي كجزء من مخلفات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، إذ جاء استقلال الكوريتين في عام 1948 وأكد هذا الانقسام المحاولات المستمرة من قبل الطرفين للاستيلاء على أراضي الأخر، فحاولت كوريا الشمالية في عام 1950 غزو كوريا الجنوبية وكاد ينجح هذا التدخل لولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت في تدخلها هذا فرصة لضم الشمال؛ فأرسلت قواتها قبل ان تدخل الصين الشيوعية حلبة الصراع وتعلن دعمها لكوريا الشمالية، واستمرت الحرب الكورية ليلقى ما يقارب (9) مليون شخص كوري شمالي حتفه وتخسر الصين نصف مليون مقاتل ويقتل من الأمريكيين ما يقارب (50) الف جندي قبل أن يتدخل السوفيت ويعلنوا هدنة بين الأطراف المتنازعة عام 1953، كذلك أن حادثة احتجاز سفينة التجسس الأمريكية في بيونج يانج عام 1968 واعتقال (82) فرداً من طاقمها، وحادثة تعرض سفينة تشيونان الكورية الجنوبية في 10 مارس 2010 التي كانت تبحر بالقرب من المنطقة البحرية المتنازع عليها بين البلدين إلى تفجير شطرها إلى نصفين وقتل (46) من البحارة على متنها.
وانطلاقاً من ذلك فإن هذهِ الاحداث لا يمكن التعامل معها من قبيل الاحداث السياسية الاعتيادية، فالواقع يقول أن الماضي قد خلف رواسب شديدة الخطورة ، إذ كان هناك دائماً نوعاً من الكراهية والرغبة في الثأر لدى كوريا الشمالية على وجه الخصوص التي لم تكن ترضى بوقوع كل هؤلاء الضحايا من جانبها في هذا الصراع، فتزايدت القناعة في نفوس قياداتها بأن التسليح المستمر سواء التقليدي، أو النووي هو من سيكفل عدم تكرار هذا الامر مستقبلاً، مما جعل أجواء الحرب الباردة مستمرة وهي السائدة في علاقات كوريا الشمالية مع جيرانها؛ وبالتالي ظل الصراع مستمراً والتهديد متبادلاً ولم تصمد أي اتفاقية عسكرية وحتى أقتصادية أكثر من عام واحد.
اضف تعليق