بشكل نظري يسهل طرح فكرة مشروع إصلاحي وطني على المستويين الداخلي والخارجي، لكن بشكل عملي من المؤكد سيواجه المزيد من الضغط وبشكل صريح ربما يؤدي الى اقتتال داخلي لأسباب معروفة، لكن بالمحصلة سيكون الرابح الأكبر هو الوطن...

بشكل نظري يسهل طرح فكرة مشروع إصلاحي وطني على المستويين الداخلي والخارجي، لكن بشكل عملي من المؤكد سيواجه المزيد من الضغط وبشكل صريح ربما يؤدي الى اقتتال داخلي لأسباب معروفة، لكن بالمحصلة سيكون الرابح الأكبر هو الوطن، لكن بالمحصلة سيكون الرابح الأكبر هو الوطن. وبالارادة والعزيمة سيتنفذ ذلك مع مرور الوقت.

لقد كانت حركات الاصلاح –وان لم تصل لمعنى الحركة بشكل فعلي- لكنها كانت بارقة أمل وكُتب عنها بشكل يومي لكنها بقيت أفكار ذات تأثير محدود لأنها انطلقت من افراد وليست مدارس اصلاحية تنخرط بها النخب.

كذلك المشروع الوطني الشامل بحاجة الى تفكير وتأسيس وقادر على زرع بذرة التغيير لدى الشعب وتكون موجة عارمة من خلال منهاج واضح ومرن، وان يكون هناك دورا لكل الفاعلين ولا نعول كثيرا على الافراد الصوريين الذين يتغنون باستمرار بشعارات دون عمل يرددون في كل مكان وزمان يجب ان نعمل ويجب ان نخطط ويجب ان ننقذ وطننا..

وعلى الرغم من قوة الشعارات فإنها انحرفت نتيجة الظروف القاسية والأحداث المتسارعة من جانب وانها لم تكون مشروعا حقيقيا من جانب آخر، وتُركت الحكمة للانتهازيين. ومهما كان دور العلماء والمصلحين ازاء غياب المشروع الوطني فإنها في بداية المشوار في وقت يشهد حركة احتجاجات عارمة يمكنها ان تقوي المشروع الاصلاحي الوطني الذي يدفع تجاه الاستقلال.

وهنا يظهر السبب الذي ندعوا اليه المرجعيات الدينية والنخب المثقفة والاعلام الوطني من أجل السير نحو مشروع وطني اصلاحي بعيدا عن "الغرباء"، يكون مشروعاً وطنياً خالصاً لا تجره قوافل العمالة أو الأجندات الحزبية "ملمسها ناعم والسم في جوفها"، وربما بعد عام 2003 هو قمة الحرية التي من المفترض ان نتنعم بها، وهي نفسها التي تحولت فيما بعد الى فوضى لا يصمد أمامها صوت العقل الخجول.

من المحزن وبعد كل التضحيات الجسيمة منذ عقد ونصف أن نستسلم لرقاد قد يطول تحت سطوة الجهل وعدم اليقين وإضاعة المشروع الديمقراطي، فإننا نخاف أن يأتي اليوم الذي نشكو فيه عدم انتهاز الفرصة السانحة لنتخلص من سطوة "الغرباء" من جانب والخوف من الآخر العراقي من جانب آخر.

الحركة الاصلاحية الوطنية اليوم في العراق تشكو من عدم تعاليها عن وحل السياسة ومعارك الانتخابات، فالنجاح للحركة الاصلاحية يجب أن يبقى داخل دائرة الفكرة الاصلاحية وسموها، فأي حركة اصلاحية يجب ايضا ان تكون بنوايا صادقة وطاهرة بعيدة عن كل اجندات خارجية، ولو عدنا الى الماضي القريب نرى تلك النوايا الطاهرة في ثورة العشرين التي انطلقت بفتوى دينية وعزم عشائري، لكنها سرعان ما أخفقت نتيجة هبوط الفكرة الاصلاحية لبعض قادتها الجدد الذين انتهزوا الفرصة ودخلوا المعترك مؤخرا.

ان نجاح المشروع الوطني بشقيه الاصلاحي والاستقلالي مرهون بنجات نفوسنا من قابلية الاستعمار والتبعية، بحيث يصبح كل فرد منتجا وقائدا في ميدانه يقوم بوظيفته تجاه الوطن، ويكون جديرا بالاحترام، فان مشكلة السياسي اليوم هي في جوهرها مشكلة وعي، ولا يمكن أن يفهم مشكلته ويحلها ما لم يكن إنساناً بحيث يفهم حدود السلطة وحقوق الشعب بطريقة حضارية. لكننا اليوم صار كل حديثنا عن الحقوق المسلوبة ونسينا واجبنا، إننا نخشى أن تكون صراعاتنا الداخلية من أجل مصلحة "الغرباء" الذين تمكنوا على أثر انحطاط الانقسامات الى قتل المشروع الديمقراطي الكبير وتشتيت الآراء وبالتالي فإنها ستؤثر سلبا ويكون الانقياد الأعمى سبيلنا.

السلطة بدورها أيضا معرضة لمخاطر تدويل الأزمات في حال عدم ايجاد حل جذري ومن مخاطر ما يجري من قمع وتغييب للمشروع الاصلاحي انه سيزيد من الحركة الاحتجاجية بحيث إنها ستنجر الى المسرح الدولي، وحين يفضي فشل الدولة الى أزمة مواطنة فهو يزيد التدفق الدولي نحو البلاد الذي تلتف حوله الجماعات والاحزاب، واليوم نرى كيف انساقت الجماعات نحو "الغرباء" بعد أن فقدوا الثقة بالعملية السياسية وبشخوصها بحثا عن مخلص.

لقد ناقشنا تأثير الدور الخارجي في حركة الاصلاح وكذلك الجهل والتجاهل للمشروع وأهميته، ومع تصاعد وتيرة الأحداث لعله نحن اليوم بحاجة الى دعم مشروع اصلاحي وطني وذلك بمساعدة من يحمل راية الاصلاح مع توافر الشروط التي ذكرت. ويكون الأمل في ان يصبح المشروع تأسيسياً ومؤشراً على الانطلاق.

يبقى السؤال المهم حول مدى قبول القائد الاصلاحي بقدرته على الحد من نظام التمثيل الطائفي؟! وهو خطوة أولى تجاه الاندماج السياسي والاجتماعي، اضافة الى ذلك تعزيز مقومات الدولة في سيادتها بمضامين كاملة من بين هذه المضامين القدرة على بناء الدولة، وان تكون حاضرة بكل زمان ومكان في وجدان السياسي والأمة على حد سواء. الى الان نمر بمخاض ولادة عسيرة لجنين غير مكتمل "المشروع الاصلاحي". لذا نحن جزء ومنتج حقيقي لتلك للعملية السياسية ذات السيادة المنتهكة.

الحديث عن التجارب في التدخلات الخارجية وعن تراجع الحركات الاصلاحية كثيرة جدا، لكن المهم أن يكون شأن الدولة باعتبارها قيمة عليا ولا ينبغي التفريط بهذا الشعور، وفي اطار طرح المشروع الاصلاحي الوطني نقترح خارطة من الطرق المؤدية الى استقلال سيادي بحيث تتضمن هذه الخارطة مجموعة من الموضوعات التي يجب التوقف عندها لمعالجة ما نمر به من أزمات والجزء المهم من بين هذه الازمات التي يجب حلها:

*المحور الاقتصادي: ويتضمن، رؤية جدية للتعليم يضمن الاقتصاد المعرفي، برنامج الاصلاحات الحكومية ضمن فترة محددة، واقع الصناعة العراقية عبر التقنيات الحديثة، نظام الرواتب الجديد وقدرته في تحقيق العدالة الاجتماعية، أزمة العملة، السياسة النقدية، الموازنة بين العجز والانتاج النفطي، عقود الخدمة النفطية.

* محمور النفط وانماط الانتاج: ويتضمن، الاتفاق النفطي ومسار العلاقات بين بغداد واربيل. حقول النفط وعقود الشركات العالمية، الثروة النفطية وترسيم الحدود، الغاء عقود الخدمة ضمن مصالح البلاد، معضلات النفط والخدمات.

*محور المصارف والقطاع الخاص: ويتضمن، تطوير القطاع الخاص، الواقع المصرفي ودوره في التنمية، المال وافاق المستقبل، اصلاح القطاع الصناعي وتطوير القطاع الخاص، هيكلية المصارف الحكومية والنتائج المتوقعة، الاجراءات المطلوبة لتطوير القطاع الخاص.

المحور الأمني والسياسي: ويتضمن، التماسك الوطني، مصير الطبقة الوسطى، التشريعات الخاصة بالمجلس الاتحادي، دور الأحزاب في بناء العملية السياسية، الاصلاحات الحكومية والاطار القانوني، نقد العملية السياسية التحديات والمهام، مواطن الخلل والضعف في الاداء الحكومي.

*محور المرأة والشباب: ويتضمن، دور الشباب في عملية التغيير المنشود، قانون الاحوال الشخصية.

*المحور الثقافي والاجتماعي: ويتضمن، مواكبة العصر في مسار التحولات في العراق، الافاق المستقبلية للثقافة العراقية، المفاهيم الدينية والديمقراطية.

من خلال ما يجري من حوارات ونقاشات وحركة واسعة فإننا ندرك أهمية هذه المحاور في وقت لازالت النخب المثقفة لديها المزيد من الجهود في البحث والتطوير، وبقربنا منها فإنها مستعدة للمشاركة في صياغة أي مشروع وطني يضع في حساباته الفرص والمخاطر.

*كاتب صحفي

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
سؤال: هل نحن أمام حركة إصلاحية حقيقية في النظام السياسي بالعراق؟ وهل في العراق مواصفات حركة من هذا القبيل، مثل النخبة والقيادة والوعي الجماهيري، ثم الرؤية الواضحة؟2020-01-15