ماذا عن العراق، فهل نعمل نحن تجاه العراق بفكرة الحب ام المعرفة ام كليهما، هل اخذنا طريق الحب الذي مارسته الكنيسة تجاه مرضى الطاعون، ام بالمعرفة العسكرية الاوربية المدمرة، هذا السؤال يحتاج الى بحث معمق في سلوكياتنا السياسية والاجتماعية، واستقصاء الجذور المحركة لنا. ..
ربما يكون مفهوم المواطنة في العراق من أكثر المفاهيم بديهية على المستوى النظري والشعارات السياسية، لكنه من اكثرها اثارة للجدل على المستوى الواقعي، فلدينا مفهوم المواطنة الصالحة التي تعني التضحية بكل شيء من اجل اصلاح أخطاء السلطة الحاكمة، لذلك تجد المواطن الجيد من وجهة نظر الرأي العام هو الذي يرفع شعار "بالروح بالدم نفديك يا عراق" ويذهب الى التهلكة والموت بطريقة الانتحار الوطني.
حالة الانتحار تدفع عشرات الشباب العراقي نحو المقابر، بينما يعيش الساسة وهم ينحتون لوحات نهب المال في القصور وقاعات الاجتماعات المشبوهة، يموت المساكين بحب الوطن الذي يفقدهم كقوة دافعة نحو الإصلاح نتيجة أخطاء في التشخيص، فالبلد لا يريد هذا الكم الهائل من لافتات السواد والتعزية، ولا يحتاج الى مزيد من الايتام يضافوا الى سجلات مؤسسة الشهداء، هو يحتاج الى معرفة الطريق السليم لاعادة ترتيب قواعد العمل.
فالحب وحده لا يحقق الحياة السعيدة، لانه قد يؤدي الى التهلكة، يحتاج حب الوطن الى المعرفة، وفي هذا السياق يقول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل في اطار تعليقه على الحياة الجيدة والتي وصفها بانها، "الحياة التي يلهمها الحب وتقودها المعرفة"، ويسحضر هنا الحب الذي يسود بين الناس في القرون الوسطى، لكنه كان يفتقد للمعرفة، ويضرب مثالا بما حدث اثناء انتشار مرض الطاعون، فالناس الذين يحبون بعضهم بعضا يذهبون بمريض الطاعون الى الكنسية من اجل الدعاء له لعله يشفى من مرضه، لكنهم في حقيقة الامر زادوا من انتشار المرض عبر تجمع المرضى في الكنائس، فلو عرف هؤلاء ان تجمعهم يزيد من انتشار المرض لانتشلت الكثير من الأرواح.
كما ان المعرفة وحدها بدون حب ستؤدي الى كوارث كبرى، لنتذكر المانيا النازية، والدول الاوربية عموما عندما ولدت لهم المعرفة إمكانيات هائلة في التصنيع العسكري غذت الكراهية ورفعت من منسوب القتل ليصل الى عشرات الملايين في الحربين العظميين الأولى والثانية، فالمعرفة هنا لم تكن كافية أيضا، وكانت بحاجة الى الحب لتبني الحياة الجيدة.
كان الحب موجوداً حينما انتشر الطاعون وكان الناس متعاطفون مع بعضهم، لكنهم افتقدوا الى معرفة الطريق السليم لإنقاذ المرضى، ولم يجدوا سوى العاطفة لتاخذهم نحو الطريق الخاطئ، طريق الموت الحتمي، وكانت المعرفة موجودة لدى اوربا خلال الحربيين العظميين لكنها افتقدت للحب.
ماذا عن العراق، فهل نعمل نحن تجاه العراق بفكرة الحب ام المعرفة ام كليهما، هل اخذنا طريق الحب الذي مارسته الكنيسة تجاه مرضى الطاعون، ام بالمعرفة العسكرية الاوربية المدمرة، هذا السؤال يحتاج الى بحث معمق في سلوكياتنا السياسية والاجتماعية، واستقصاء الجذور المحركة لنا.
الأكيد اننا لم ناخذ بالطريق العلمي، فلو امتلكناه لظهر جليا لانه يسير في الاتجاه المادي في اغلب الأحيان، متمثلا بالمصانع وانتشار فن العمارة الحديثة، بل ان الخراب المتواصل الذي وصل اليه العراق يعود الى غياب المعرفة ووضعها على الرف، لكن الأكيد في الاتجاه الاخر اننا نملك من الحب ما يفيض على العراق كله، هذا الحب يترجم الى ما بات يعرف "بالغيرة العراقية"، وهي ماركة مسجلة باسم الشعب العراقي ومعروفة حتى لدى الشعوب العربية.
واذا كان العراق يملك الضلع الأول وهو الحب والعاطفة الجياشة الطامحة نحو البناء، فاننا يمكننا ان نجد الضلع الثاني بكل سهولة، لانه موجود لكنه مستبعد من قبل الطبقة السياسية، نملك من المفكريين والمثقفين والعلماء ما يجعلهم يبنون البلد مرات ومرات، وهذه حالة مشخصة لكن الطبقة السياسية تتمسك بابعادها بكل الطرق الممكنة مستفيدة من الدعم الخارجي الذي لا يرغب باستعادة العراق لمكانته في المنطقة.
اضف تعليق