الشعب هو صاحب السيادة في الدولة الديمقراطية الحضارية الحديثة، وهو مصدر الشرعية، شرعية النظام والسلطات، وهو مصدر السلطات، وبناء على هذا المبدأ فان الشعب هو الذي يحدد نوعية النظام السياسي الاقتصادي الذي يريد، وتعرف إرادة الشعب من خلال صناديق الاقتراع، إما عبر استفتاء عام...
الشعب هو صاحب السيادة في الدولة الديمقراطية الحضارية الحديثة، وهو مصدر الشرعية، شرعية النظام والسلطات، وهو مصدر السلطات.
وبناء على هذا المبدأ فان الشعب هو الذي يحدد نوعية النظام السياسي /الاقتصادي الذي يريد، وتعرف إرادة الشعب من خلال صناديق الاقتراع، إما عبر استفتاء عام (كما حصل في الاستفتاء على الدستور)، او في انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات (وانتخاب رئيس الجمهورية كما في النظام الرئاسي).
شهد العراق اربعة احداث كبيرة خلال المئة سنة الاخيرة.
الحدث الاولى، اقامة الملكية عبر استفتاءات عامة بدائية تناسب مرحلتها.
الحدث الثاني، اقامة الجمهورية الاولى عبر انقلاب عسكري عام ١٩٥٨، ولم يؤخذ فيه راي الشعب بالغاء الملكية واقامة الجمهورية.
الحدث الثالث، اقامة السلطة البعثية عام ١٩٦٨ ولم يؤخذ فيه راي الشعب باقامة نظام الحزب الواحد.
الحدث الرابع، النظام الحالي وقد تم من خلال الاستفتاء العام على الدستور عام ٢٠٠٥. وكان الاستفتاء بعنوان الجمهورية الديمقراطية الاتحادية البرلمانية، كما نص الدستور. لكن الطبقة السياسية (المؤلفة من سياسيين عرب وكرد وشيعة وسنة الخ) فشلت في تحقيق هذه المفردات واقامت نظاما تلفيقيا هجينا يستند الى فكرة المكون (بدل المواطن)، والاستحقاق الانتخابي، والمحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، والتوافق (بدل الديمقراطية)، والحكومة الجماعية (بدل حكومة الاغلبية السياسية) الخ.
ونظام كهذا يفقد القدرة على الاداء الجيد وتحسين حياة الناس. ولهذا اخذت حالة عدم الرضا بالتراكم التدريجي الى ان انفجرت على شكل الانتفاضة الحالية التي اخذت تنشر الحرائق في المناطق ذات الاغلبية الشيعية، دون المناطق ذات الاغلبية السنية او الكردية. وهذا امر بحاجة الى دراسة بحد ذاته.
وفي مجرى الاحتجاجات تتعالى الاصوات المطالبة بتغيير النظام واعتماد النظام الرئاسي بدل النظام البرلماني. وبغض النظر عن محاسن ومساوئ النظامين، فانه من الضروري معرفة ان التنقل بين النظامين او اي نظام اخر يجب ان يكون بقرار يستند الى شرعية شعبية واضحة يتم تحقيقها عن طريق الاستفتاء النظامي.
ولا يمكن الاستناد فقط الى التظاهرات، لسبب واضح وهو ان التظاهرات مهما بلغ عدد المشاركين فيها لا يمكن ان تحقق تمثيلا صحيحا ودستوريا وديمقراطيا لارادة الشعب البالغ عدده حوالي ٣٨ مليون نسمة، اكثر من نصفهم يحق لهم التصويت (حوالي ٢٠ مليون نسمة). وعليه، يستطيع انصار النظام الرئاسي ان يواصلوا الترويج لهذا النظام والدعوة اليه، ولكن ليس لهم ان يتصورا انه من الصحيح فرض هذا الخيار على الناس بدون استفتاء نظامي (مع اعتقادي المسبق ان اغلبية الناس خاصة في الوسط والجنوب صارت تميل الى النظام الرئاسي)، لان فرض اي نوع من الانظمة على الناس هو اجراء او تراجع عن الديمقراطية.
وقد قلت مرارا ان قيمة اي تحول او تغيير تكمن في كونه يعزز الديمقراطية لا ان يتراجع عنها. فقد فتحت باب الديمقراطية بعد ٤٥ سنة من الحكم الدكتاتوري بثمن باهض، وليس من المعقول ان يتراجع المجتمع عن هذه الخطوة بسبب عدم رضاه عن الحالة الراهنة. وهذا ينطبق على العبارة التي تقول: اغلق بأمر الشعب. فهذا قول غير سليم وغير صحيح، لان الشعب لم يؤخذ رأيه بغلق الطرق او المدارس، عبر استفتاء عام، والاولى ان يقال اغلق بامر المتظاهرين.
ان الممارسات التي تحصل في فترة التغيير قد تكشف عن طبيعة الحكام وتوجهاتهم لما بعد التغيير، وهذه تصرفات (حتى وان كانت فردية) فانها لا تبشر بولادة نظام اكثر ديمقراطية واكثر تمثيلا وتعبيرا عن الارادة الشعبية الحرة، بوصفها مصدر الشرعية.
اضف تعليق