تعودت الطبقة السياسية الحاكمة ان تتعامل مع خطب المرجعية بنوع من البراغماتية، فهم يأخذون ما يناسبهم، ويتركون ما يتعارض مع مصالحهم، مستفيدين من حرص المرجعية سابقا على مرحلة التأسيس للدولة العراقية، اما الان وقد استغلوا كل خطواتها السابقة فقد سحبت الشرعية من كل الطبقة السياسية بكل مكوناتها...
تضمنت خطبة المرجعية نقاطا يمكن القول انها غير مسبوقة واستثنائية، تختلف عما كانت تتحدث في خطبها طوال السنوات السابقة عن ازمة الحكومة العراقية والنظام السياسي، ودعواتها الساسة الى اصلاح من افسدته اساليبهم في المحاصصة وتحويل مجلس النواب والوزراء الى سوق للبيع والشراء على حساب المصلحة العامة.
ما يميز خطبة هذه الجمعة انها تاتي تطبيقا لتهديدها بطرح الخيار الاخر ضد الساسة والذي اعلنت عنه المرجعية في بيان لها بعد زيارة ممثلة بعثة الامم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، كما انها جاءت متزامنة مع فورة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالاصلاح الجذري للنظام في العراق، هؤلاء الذين نزلوا الى الشوارع وتعرضوا الى كم هائل من الاتهامات التي وجهتها جهات سياسية متنفذة، ووسائل اعلام محلية، فضلا عن الاتهامات التي وجهت للمتظاهرين من قبل دول خارجية لها مصلحة ببقاء الوضع على ما هو عليه.
النقطة الاولى للرد على الجهات التي اتهمت المتظاهرين هي اعلان المرجعية مساندتها الصريحة للمتظاهرين السلميين، بل ودعت الى الاستجابة لهم وتوفير الحماية لهم، فهي لم تتطرق الى فكرة الاضراب في المؤسسات التعليمية، ولم تعترض على الاسلوب السلمي للمتظاهرين في التعبير عن رؤيتهم للاصلاح في العراق.
النقطة الثانية وهي التي نراها "تمثيل للخيار الاخر الذي هددت به المرجعية"، وهو سحب الشرعية من الحكومة واسناد السلطة الحقيقية للشعب عبر تاكيدها على سن قانون منصف للانتخابات وتشكيل هيأة انتخابية مستقلة تدير الشؤون الانتخابية، بمعنى ان الانتخابات السابقة والتي جرت وفق القانون المشرع من مجلس النواب لم تكن تحظى بقبول المرجعية والشارع العراقي، وما نتج عنه هو مجلس نيابي غير مصرح له شعبيا.
النقطة الثالثة، لا ترى المرجعية في الاعلانات الحكومية المتكررة عن الاصلاحات بانها عمل لا يستحق التوقف عنده، واعتبرت تلك الخطوات غير متناسبة مع حجم المطلب الشعبي العام، وبالتالي فهي ترى ان ما يريد الشارع يجب ان يتحقق والا سوف تكون هناك خطوات تصعيدية لا سيما وان المحتجين ما يزالون يرابطون في ساحات الإصلاح.
النقطة الرابعة، تشكيك الحكومة بجدية وقدرة الطبقة الحاكمة على تنفيذ الاصلاحات وهذه نقطة جوهرية تؤكد للمتخوفين من الفراغ في العراق بان الطبقة السياسية غير قادرة اصلا على قيادة البلد الى بر الامان ومن ثم فان استبدالهم لا يؤثر ما دامت هذه الطبقة غير مؤهلة وهي اصل الخراب الذي نخر جسد الدولة العراقية منذ سنوات طوال.
النقطة الخامسة، تاكيدها على فساد السلطة بجميع مكوناتها، وهنا رسالة واضحة للساسة الكرد والسنة الذين يعتقدون ان المرجعية لن تنتقدهم بخطابها بحكم موقفها التوفيقي المعروف عنها، لكنها اليوم لمحت الى فسادهم، وربما سوف توجه نقدا لاذعا في الخطب المقبلة لهم بشكل أوضح، لا سيما وان بعض الساسة الكرد اعلنوا صراحة رفضهم المطالب الإصلاحية ودفاعهم عن مصالح فئوية ضيقة لا تتناسب وحجم الظرف السياسي الذي يمر به البلد.
النقطة السادسة، سحب المرجعية لورقة اللعب على الوقت التي يمارسها الساسة من مختلف المكونات، بقولها ان ما بعد هذه الاحتجاجات لن يكون كما قبها، فالاصلاح قادم رغم انف الطبقة الحاكمة، والوقت لن ينفد ما دام الشعب صابرا هذه المرة ولن تكون لهم عودة الا وهم يحملون رايات النصر على افسد طبقة سياسية مرت على تاريخ العراق الحديث.
النقطة السابعة، اعادة تاكيد المرجعية على عراقية المطالب الشعبية، ورفض التدخل الخارجي بمختلف اشكاله، ودعت الى منع من يحاولون التدخل في هذا الشأن الداخلي، وهنا تؤسس المرجعية لحدود واضحة تفصل بين التحالف مع الدول او الخضوع لها.
تعودت الطبقة السياسية الحاكمة ان تتعامل مع خطب المرجعية بنوع من البراغماتية، فهم ياخذون ما يناسبهم، ويتركون ما يتعارض مع مصالحهم، مستفيدين من حرص المرجعية سابقا على مرحلة التأسيس للدولة العراقية، اما الان وقد استغلوا كل خطواتها السابقة فقد سحبت الشرعية من كل الطبقة السياسية بكل مكوناتها، وسلمت راية القيادة الشعب وساحات التظاهر السلمي.
اضف تعليق