ستنشأ أقطاب اقتصادية كبيرة في العالم، الهند والبرازيل وتركيا، واللافت أن مصر مرشحة للمكانة السابعة عالمياً، تسبق روسيا واليابان وألمانيا، ربما الدول كثيفة السكان، سيكون لها قصب السبق على الخريطة الاقتصادية العالمية... لن يعود الغرب ممسكاً بزمام الاقتصاد العالمي، ولن يعود القطب الواحد، قادراً على...
زيارتان متقاربتان لكل من الصين وروسيا، لا يفصلهما أحدهما عن الأخرى سوى أسابيع قلائل، ومتابعة لما يتصدر جدول أولويات الدولتين العظميين، تقودك إلى الخلاصة التي ستقرر شكل النظام العالمي في السنوات العشر القادمة: عالم متعدد الأقطاب اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، سيحل محل نظام القطب الواحد، شاء من شاء وأبى من أبى، فتلكم هي حتمية التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا... وهذا هو الهاجس الذي يهيمن على الدولتين الشيوعيتين (السابقة والحالية)، وهذا هو الأساس الأعمق لتلاقيهما ثنائياً وعلى الساحة الدولية.
وإذا كانت الصين اليوم، مسكونة بهاجس "حرية التجارة" و"المنافسة الحرة"، وبما لا ينسجم مع إرثها ونظام السياسي الذي لا يزال يستمد شرعيته من "شيوعيته"، فإنها تفعل ذلك لأنها تحتل المكانة الثانية في قائمة الاقتصادات العالمية، بعد الولايات المتحدة، الأولى بـ (20.5 ترليون دولار) والثانية بـ(13.5 ترليون دولار" وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي عن العام 2018... روسيا بعيدة جداً في مضمار المنافسة الاقتصادية، وبناتج قومي (1.6 ترليون دولار) يضعها في المرتبة 12 عالمياً، بعد دول مثل كندا والهند والبرازيل.
ووفقاً لتوقعات بنك ستاندرد تشارتر (التي قد لا تكون دقيقة تماماً وإن كانت تحمل في طياتها مؤشرات صلبة)، فإن الصورة ستنقلب تماماً في غضون عشرة سنوات أو أكثر قليلاً، أي في العام 2030... حينها ستصبح الصين في المرتبة الأولى وبناتج قومي إجمالي يصل إلى أكثر من 64 ترليون دولار، وتأتي الولايات ثالثة بعد الهند، وبناتج إجمالي يصل إلى 31 ترليون دولار، أقل من نصف الناتج الإجمالي الصيني، وستقفز روسيا من المرتبة 12 عالمياً كما هي عليه اليوم إلى المرتبة الثامنة، وبناتج إجمالي يقل قليلاً عن ثمانية ترليون دولار.
ستنشأ أقطاب اقتصادية كبيرة في العالم، الهند والبرازيل وتركيا، واللافت أن مصر مرشحة للمكانة السابعة عالمياً، تسبق روسيا واليابان وألمانيا، ربما الدول كثيفة السكان، سيكون لها قصب السبق على الخريطة الاقتصادية العالمية... لن يعود الغرب ممسكاً بزمام الاقتصاد العالمي، ولن يعود القطب الواحد، قادراً على تسيير عجلة الاقتصاد من "وول ستريت"، ولن يكون الدولار عملة التداول المهيمنة، ستنشأ منظومات جديدة، تهزّ مكانته، وهذا ما تسعى واشنطن لإعاقته وتأخيره، ليس بالأدوات الاقتصادية ونظريات السوق، بل بقوة الدبلوماسية ودبلوماسية البوارج والعقوبات الاقتصادية المغلظة... لكن ذلك لن يوقف عجلة التاريخ ولن يعيق تقدمه.
سيشمل "الانقلاب" دولاً ومناطق أخرى، نصف الناتج العالمي سيأتي من الاقتصادات الناشئة، بعد أن كانت الولايات تساهم بنصف هذا الإنتاج بعد الحرب العالمية الثانية... مصر الفقيرة، ستحل في قائمة العشرة (أو الـ12) الأوائل، وقد لا تظل دول الخليج الغنية اليوم في قائمة دول العشرين الكبرى، كما تشير لذلك بعض التقديرات.
في الحقل السياسي/الاستراتيجي تبدو روسيا أكثر استعجالاً لاستيلاد نظام قائم على التعددية القطبية، بدل نظام القطب الواحد الذي ظهر في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المعسكر الاشتراكي... مكانة روسيا الدولية، لا يحددها العامل الاقتصادي فقط، بل وتكمن في الجغرافيا والديموغرافيا والإرث السوفياتي الامبراطوري والموارد الطبيعية والقدرات العسكرية الجبارة، من تقليدية و"دمار شامل"... وهي بحكم هذه العوامل مجتمعة، تحل ثانية اليوم بعد الولايات المتحدة، وقبل إحدى عشرة دولة تسبقها في المضمار الاقتصادي.
تعددت الأسباب والنتيجة ذاتها: نظام القطب الواحد، لم يعد يعمل، لا اقتصادياً ولا استراتيجياً... واشنطن لا تريد الاعتراف بهذه الحقيقة، وتسعى في تأخيرها قدر الإمكان، وإن باللجوء إلى وسائل القوة القسرية، وأحياناً على طريقة "البلطجة الدولية"، وليس وفقاً لنظريات المنافسة والتجارة الحرة واقتصادات السوق... الدول تغير مواقفها وتتبادل مواقعها... الدولتان الشيوعيتان، سابقاً وحالياً بدرجة ما، هما الأكثر دفاعاً عن قوانين السوق والمنافسة... الدولة التي جسدت الرأسمالية بأعلى درجات "توحشها" تعتمد "الحمائية الجمركية" وتستعير من قاموس موسكو وبكين القديم بعضاً من مفرداته... الشيوعيون حالياً وسابقاً يدافعون عن الاقتصاد الرأسمالي والعولمة ويقفون ضد الجدران الحديدية... مركز الرأسمالية العالمية وقيادتها، يلجأ إلى أدوات وسياسات، انعزالية وحمائية، يبني جدران التعرفة والضرائب، بل ويشيد الجدران الحقيقية على حدوده، وهذه جميعها من موروثات النظام الشيوعي ودول "رأسمالية الدولة الاحتكارية" أو دول "القطاع العام" القائد للاقتصاد والمجتمع.
اضف تعليق