كلّ هذه الأمور تعكس تصاعد مناسيب التشنج والتوتر الذي يُخيم على منطقة الخليج في ضوء اتهام الإدارة الأمريكية وبعض حلفائها لإيران عن مسؤوليتها بالوقوف وراء هذه الهجمات. فإيران انزعجت لقيام واشنطن بنشر صور عن استهداف ناقلتي النفط وإشاراتها بأصابع الاتهام مباشرة لإيران ممثلة بالحرس الثوري...
بعد الهجمات الغامضة على ناقلات النفط في خليج عُمان وإسقاط إيران للطائرة الأمريكية المسيرة، تطرح تساؤلات عن إمكانية إندلاع حرب جديدة في منطقة الخليج؟، كل المؤشرات تدل على استبعاد وقع تلك الحرب لكن تزايد الحوادث قد يؤدي إلى وقوعها، فكل يوم يتزايد التوتّر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، كما هو ملاحظ خاصة بعد إعلان إيران أنها على وشك تجاوز سقف تخصيب اليورانيوم الذي أوقفته خطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي الإيراني مع 5+1)، ثم إعلان الولايات المتحدة الأمريكية يوم الاثنين 17 حزيران زيادة تواجدها العسكري وتعزيز قدراتها في منطقة الشرق الأوسط بعد أن قرر البنتاغون بإرسال ألف جندي إلى المنطقة.
كلّ هذه الأمور تعكس تصاعد مناسيب التشنج والتوتر الذي يُخيم على منطقة الخليج في ضوء اتهام الإدارة الأمريكية وبعض حلفائها لإيران عن مسؤوليتها بالوقوف وراء هذه الهجمات. فإيران انزعجت لقيام واشنطن بنشر صور عن استهداف ناقلتي النفط وإشاراتها بأصابع الاتهام مباشرة لإيران ممثلة بالحرس الثوري في هذا الهجوم، مما دفعها لعدم التأخر في الرد وأعلنت يوم الثلاثاء ١٨حزيران عن تفكيك شبكة جديدة مختصة بالتجسس تعمل لحساب الولايات المتحدة.
وقامت إيران بإسقاط طائرة أمريكية مسيرة بعد أن أدعت اختراقها للأجواء الإيرانية مما يمكن اعتباره في منطق الردع أنها خطت خطوة بإتجاه الحرب وإنقاصها لعدد درجات السُلَّم المؤدي إلى الحرب بينها وبين الولايات المتحدة، فإيران صَعدت خطوة على هذا السُلم بإسقاطها الطائرة مع تحميلها المسؤولية على ترامب، والحق يقال أن دونالد ترامب يتحمل بشكل كبير، مسؤولية التصعيد الحاصل بسبب: انسحابه الفردي من الإتفاق النووي الإيراني وتشديد الضغوطات الاقتصادية ضد إيران، فترامب باعتماده إستراتيجية الضغوطات والعقوبات القاسية واستبعاده الطرق والحلول السياسية والدبلوماسية، أوقع نفسه في وضعية تحمل كل ما حصل وما يمكن أن يحصل، وبهذا الحال بات على ترامب أن يواجه النتائج والعواقب المتسارعة والضاغطة التي أفرزها انتهاجه لهذه الإستراتيجية.
فمن مؤشرات ونتائج هذا التوتّر زيادة أسعار التأمين على شحنات السفن المبحرة في مياه الخليج بنسبة 10 بالمئة، وتحذيرات ومخاوف موجّهة للطيران المدني التي تُحلّق فوق أجواء هذه المنطقة، وأيضا مخاوف دبلوماسية في بلدان تلك المنطقة بعد طرح تحذيرات الإخلاء في السفارات، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط الخام، فأصبح المجتمع الدولي في إحتقان واضح وأعيُن الجميع تترصّد شرارة الحرب التي من شأنها إشعال النار في منطقة مشتعلة أصلا.
إن ردة فعل طهران إزاء تصاعد لهجة وسياسات واشنطن وخروجها عن تحفظها إنما يفسر رغبتها بشروع اختبار ردود فعل واشنطن من جهة، ويفسر أيضا حقيقة مؤشرات يأسها من تغليظ العقوبات عليها من قبل الرئيس الأميركي ترامب فهذه أول مرة منذ بداية الأزمة، تطال فيها إيران ردا مباشرا يعد بمثابة هجوما على الولايات المتحدة.
هذا الرد قد يدفع إلى تزايد خطر ردود الفعل الأمريكية إذا ما تراكمت الحوادث رغم إعلان دونالد ترامب والقادة الإيرانيين أنهم لا يريدون الحرب. لأن هنالك تطابقا بالتوجهات والمطالب إلى حد ما بين الطرفين، تجعلهم صدقا لا يقصدون مسار الحرب، فثقافة السوق الإيراني تتقارب مع ثقافة التاجر والمقاول وسيد الصفقات الأمريكي.
والتصعيد قد لا يشكل موضوعا للحرب فكل ما يجري هو مواجهة بين تلك الثقافتين، وهي مواجهة قد لا يخرج منها طرفا منتصرا على الآخر في ظل كل الاحتمالات، مما يجعلهما ضائعان في ضباب مياه الخليج، إذا ما استمر هذا الصراع بهذه الحيثية بمعنى (لا حرب ولا سلام)، والتي يبحث عنها الطرفين، إذ كل طرف لا يريد أن يتنازل للآخر ويفقد مصداقيته في الصراع داخليا وخارجيا.
وبالنتيجة، بعد إسقاط الطائرة وتراجع ترامب عن ضربة عسكرية لإيران قد يدفع طهران لهجمات أو ردود متتالية في مضيق هرمز ومناطق أخرى تمثل مصالح حيوية لواشنطن فيجد ترامب نفسه مجبرا على الرد العسكري بالنهاية.
فإيران ستصر على توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها: إن استمراركم بفرض الحظر والتصعيد والعقوبات المؤلمة يمكن أن تتم مواجهتها من قبلنا، عبر الإستمرار بزرع الفوضى في مضيق هرمز واستدراجكم إلى التصعيد العسكري الذي نعلم إنكم لا تريدوه في ظل قرب الانتخابات الرئاسية وفي ظل معرفتكم بامتلاكنا أدوات زعزعة استقرار المنطقة في حال حصول هذه الحرب.
وهذه رسالة مهمة تضع ترامب بمهمة البحث عن حفظ ماء الوجه عبر الرد العسكري وهو ما لا يريده فكيف يمكنه الإفلات من دوامة يشعر فيها بالغرق؟
فإن شبح الحرب قريب، لكن الجبهات المحرضة للحرب بدأت تتصدع. ومنها جبهة أعداء إيران، فَهُم لا يريدون تلك الحرب في ضوء القدرات الإيرانية على زعزعة مصالحهم واستقرارهم بعد استهداف الحوثيين لمطار أبها وقبلها حرب الناقلات، فتراجعت مثلا اللهجة الإماراتية عن لغة الحرب إلى طرح مساعي لتهدئة الوضع بحكمة ووسائل دبلوماسية وأن المنطقة لا تحتمل حربا جديدة، وعبرت المملكة العربية السعودية عن طريق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن عدم رغبة المملكة بالحرب رغم عداءها لإيران ودعمها لواشنطن ورغبتها إلى استجابة حاسمة ضد التهديدات الإيرانية.
في النهاية، حتى مع تدشين ضربات عسكرية أمريكية محدودة ضد منشآت ومصالح إيرانية فلا دليل أو حجة على أنها ستؤدي إلى حرب برية مفتوحة.
اضف تعليق