وُلِد أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرّازي بالرِّي؛ بالفارسية (شهر ری) وهي مدينة تاريخية تقع في الجنوب الشرقي لمدينة طهران، درس الرازي الرياضيات والطب والفلسفة والفلك والكيمياء والمنطق والأدب. وكان كريما متفضلا بارا بالناس حسن الرأفة بالفقراء، حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة...
وُلِد أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرّازي (250 هـ/864 م - 5 شعبان 311هـ/19 نوفمبر 923م) بالرِّي؛ بالفارسية (شهر ری) وهي مدينة تاريخية تقع في الجنوب الشرقي لمدينة طهران، درس الرازي الرياضيات والطب والفلسفة والفلك والكيمياء والمنطق والأدب. وكان كريما متفضلا بارا بالناس حسن الرأفة بالفقراء، حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة ويمرضهم، وله تجديد في الفلسفة اليونانية، وكانت كتبه مع كتب ابن سينا أساس للتدريس في الجامعات الأوربية في القرن السابع عشر!.
وللرازي أقوال حكيمة في الطب والعلاج، ترقى إلى مماهاة ومماحكة ومزاحمة أقوال الأطباء والعلماء المعاصرين، ومنها قوله:
• مهما قدرت أن تعالج بالأغذية فلا تعالج بالأدوية.
• مهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب.
• إذا كان الطبيب عالماً والمريض مطيعاً، فما أقل لبث العلة.
• عالج في أول العلة بما لا تسقط به القوة.
أسهمت كتاباته في نمو الفكر العلمي العالمي، بل كانت الأساس الذي اعتمدته أوربا في تنمية قدراتها العلمية، ذكر سامح كريم في موسوعة أعلام المجددين في الإسلام من القرن الأول حتى القرن الخامس للهجرة - الجزء الأول، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية أن للرازي كتابا اسمه "الحاوي" ترجم في عصر النهضة إلى اللاتينية، ترجمه فرج بن سالم الاسرائيلي عام 1279، ونُسخ عدة نسخت دارت في أوربا، ثم طبع بين الأعوام 1486 و 1542 خمس طبعات عدا ما طبع منه متفرقا.
أما كتابه في الجدري والحصبة فقد ترجم إلى اللاتينية، وخرج منه أربعون طبعة بين عام 1498 وعام 1866، ومع ذلك لم يسلم هذا العظيم من هجمات اللئيم زورا وبهتانا، فاتهم بأنه صاحب فلسفة تنتقد الاديان والنبوة والكتب السماوية وتشكك بصحة النبوة، وترفض التصديق بالمعجزات النبوية، ومن هنا تجرأ أحد معاصريه من علماء الجرح والتعديل وهو الاسماعيلي محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران؛ أبو حاتم الرازي (195هـ/ 811م ـ 277هـ / 890 م) فوصفه في القرن الثالث للهجرة بالملحد!.
ثم اتخذ هذا القول أساسا لتأكيد كفر الرازي، ففي رسالة لأبي الريحان محمد بن أحمد البيروني (362هـ/ 973م ـ 440هـ/ 1048م) عنوانها "فهرست كتب الرازي"، هناك كتابان للرازي لا أصل لهما، صنفا على أنهما (كتب في الكفريات) هما كتاب "في النبوات" وكتاب "حيل المتنبين".
وقد اقتبست المستشرقة الألمانية "زيغريد هونكة" (26 أبريل 1913 / 15 يونيو 1999) المعروفة بكتاباتها في مجال الدراسات الدينية هذه الرؤية، وادعت أن هناك أيضا كتاب للرازي يبشر بأخلاق لا دينية ويدعو إلى أن يعيش الانسان حياته بشجاعة ورجولة دون أن تؤثر فيه وعود بوجود جنة أو نار في العالم الاخر، وذلك أن العلم والعقل يشهدان على انعدام الحياة بعد الموت.
وقد جايلها علماء ومستشرقون آخرون من ذوي النزعات الإسرائيلية مثل "بول كراوس" (1904 - 1944م) وهو مستعرب يهودي. درس اللغات الشرقية بجامعتي براك وبرلين، له رسالة في تاريخ الأفكار العلمية في الإسلام بثلاثة أجزاء ورسالة في فهرست كتب محمد بن زكريا الرازي لأبي الريحان البيروني. و"سارة سترومسا" وهي رئيسة الجامعة العبرية، فادعيا ان أبا حاتم الرازي أقتبس الآراء التي كفر من خلالها الرازي إما من كتاب يسمى "مخاريق الانبياء" أو كتاب "العلم الالهي".
المشكلة أن جميع الكتب المنسوبة إلى الرازي؛ المتعلقة بالأديان مفقودة الآن، ولا توجد أي نسخة مخطوطة أو مطبوعة أو مصورة منها، ولم يصلنا منها إلا مجرد اقتباسات وردت في أقوال منتقديه ومعارضيه ومكفريه، وهذا يجعلنا نشكك بصحة تلك الأقوال، بل ونطعن بها ونوهنها، طالما أن التنافس والصراع والنزاع والسياسة ومنهج التسقيط والانتقام كان محتدما بين الأطراف، وطالما أن التهم ومن قام بدراستها ومن أبدى رأيا فيها، كلها تجتمع على قاعدة من الشك والاحتمال، وعدم التيقن والقطع.
وآخر ما أريد الإشارة إليه هو أن الرازي قدم للإنسانية الشيء الكثير، الذي يستحق عليه أن تخلده الإنسانية وتحترمه بل وتقدسه، وأقل ما قدم من خير، يعتبر أكبر كثيرا من كل الذي قدمه منتقدوه؛ الذين لم ينجحوا إلا في زراعة عقيدة التكفير وثقافة التجهيل والتفرقة والعنصرية والجهل والأمية والكراهية، ولذا أرى أن على العالم المعاصر ولاسيما الدول العربية والإسلامية أن يرفعوا عن هذا العالم الجهبذ الظلم الذي لحق به.
...........................
اضف تعليق