تعرف النخبة الاستراتيجية على انها مجموعة من رواد الفكر والراي والذي يقع على عاتقها تسيير شؤون العامة على نسق احترافي بناء، من خلال تقديم الراي البناء والمشورة الناجعة، كما تعرف في اللغة العربية على انها صفوة القوم وقادتهم وخيارهم، حيث تلعب النخبة دور كبير في...
تعرف النخبة الاستراتيجية على انها مجموعة من رواد الفكر والراي والذي يقع على عاتقها تسيير شؤون العامة على نسق احترافي بناء، من خلال تقديم الراي البناء والمشورة الناجعة، كما تعرف في اللغة العربية على انها صفوة القوم وقادتهم وخيارهم، حيث تلعب النخبة دور كبير في توعية العامة وارشد القادة، اذا يقترن عملها بمجال صناعة الفكر والراي لدى العامة من خلال تقديم رؤية استراتيجية في مجالات يعجز الاخرون الخوض فيها، وتعزيز الرؤية الاستراتيجية لصانعي القرار وقاطني المناصب لأجل تعزيز وتنضيد الاستراتيجيات ومعالجة مكامن الخلل والاخفاق بحلول ناجعة والاصلاح حقيقي.
فلازال العراق يعاني من جملة من الاشكالات والارهاصات والتي باتت تمثل عقدة لمعظم منظري التحليل والتفسير حيث تبادر تساؤل لدى الجميع، اين النخبة من هذه الاشكالات التي باتت تعصف بالعراق على اختلاف حيثياتها (السياسية، الاقتصادية، الامنية، الاجتماعية؟)، ومن جهة اخرى بات البعض يبحث عن ماهية شكل النخبة التي قد تكون الطرف المعزز لأي عملية اصلاح ومعالجة حقيقية.
وفي الوقت الحاضر معروف عن النخبة على انها مجموعة من رجالات الفكر والتعليم والتي تختزل الذكاء والكياس والتكتيك النوعي والتي ينعكس عملها بصورة حتمية على واقع الاشكالات التي يعاني منها العراق، كما نلفت الانظار الى ان النخبة لا تقترن بالعمل المؤسساتي الرسمي فقط وانما تتحدث عن اي عنصر فعال في مركزه سوء كان هذا العنصر ينتمي الى جهة حكومية او مستقلة يجيد صفة التأثير والتحفيز الخلاق، وبالتالي فإن هناك علاقة ارتباط غير رسمية ما بين الاستراتيجيات العامة، للدولة العراقية وما بين النخبة الاستراتيجية الرسمية وغير الرسمية، ولان غالباً ما تستعين النخبة المؤسساتية بالمشورة من النخبة الاكاديمية، نشير هنا الى ان الاخيرة تتحمل مسؤولية تضامنية مع اي اخفاق يحدث في الاداء الحكومي حاضرا ومؤجلاً.
فهناك تساءل يطرح نفسه يدور مضمونه حول الاسباب التي تحول دون عجز النخبة عن تقديم حلول ناجعة لفك خيوط العقد الاستثنائية والتي باتت تعصف بالمجتمع والدولة؟، او على الاقل التقليل من آثارها ؟، نستطيع القول ان هناك فرضية تقول بان النخبة الاستراتيجية اليوم، هي اصلا تعاني من عدة مشكلات وازمات داخلية تتعلق بالإمكانات الحقيقية التي تمتلكها (علمية وتكتيكية)، نتحدث هنا عن نخبة (الراي، التخيط، الاستشارة، القيادة) هذه الاركان الاربعة هي مربع توصيفي وتحليلي لأي نخبة استراتيجي في العالم، والتي تقوم على تبويب اساس مستويات الادوار والتركيز الاستراتيجية الوظيفة الايجابية، مقترنة بذلك مع حجم العوائد خدمات التي تقدمها لأبناء جلدتها.
اذاً، يتمظهر وجوب دور النخبة الاستراتيجية في العراق من خلال تسخير الامكانات الفكرية المادية لأجل تقديم اعلى درجة الجهد الفكري وتوجيه بوصلة الخبرة الفكرية والعلمية في وقت السراء والضراء من اجل جني أكبر كم من العائد ودفع الضرر عن العامة بأقل الامكانات، والارتقاء بمستوى الخدمات على مختلف انواعها والتي تليق بالمواطن وتدفع عجلة التنمية الى الامام.
لذا، لابد للنخبة ان تبتعد عن كل ما ليس له اساس موضوعي في عملية الارشاد والاستشارة الاستراتيجية، خصوصا لصانع القرار، فلا وجود للمجاملة والتي باتت تمثل اشكالية كبرى تصيب الاستراتيجيات العامة للدولة، لكن للأسف الشديد بات السواد الاعظم من النخبة الاستراتيجية (اقتصادية، سياسية، امنية)، يقدم المجاملة على حساب المصالح العامة والموضوعية العلمية، وهو بالتالي ما انعكس بشكل سلبي على المخرجات الحكومية واثرت بشكل كبير على مستويات الاداء الحكومي بكل مفاصله، فالإرشاد الاستراتيجي هي عملية حساسة مكتظة بالذكاء والكياسة التكتيكة والتراكم المعرفي، والتي تجمع ما بين الخبرة والتخصص الدقيق مع الدراماتيكية العملياتية خصوصاً، في اوقات الازمات.
كما ان الجمود الفكري والعلمي لدى معظم الذين يتقمصون نوبة النخبة والذي أثر بدوره بشكل كبير على دور ومكانة النخبة الحقيقية، فاستغلال المناصب وتسخيرها للصالح الشخصي، قد انعكس بشكل سلبي على سمعة النخبة الاستراتيجية لدى الاوساط الشعبية، كما ان العجز الفكري والشلال التام في تقديم اي حلول بناءة للمعضلات والمصائب التي باتت تعاني من الدولة والمجتمع وضعت النخبة الاستراتيجية في وضع لا يحسد عليه، وانكسرت الثقة لدى الشارع باي عنصر يطرح حلول ناجعة جديدة غير التي متعارف عليها.
ومن اجل الخروج بمخرجات ايجابية لا بد لنا، من وضع استراتيجيات واضحة عن التعامل مع عناصر النخبة خصوصاً في مجال طلب الارشاد والمشورة الاستراتيجية والتي تمثل حالة استثنائية حساسة في صياغة اي قرار او وضع استراتيجية تتعامل مع اشكالية خطيرة، وبالتالي لابد من الابتعاد عن كل من يتقمص دائرة المعرفة، والثقافة الزائفة، دون امتلاك اي رصيد علمي او خبرة تكتيكية في تقديم الاستشارة والراي البناء، لأجل تذليل المخرجات الناجمة عن اراء وممارسات لا تتحلى باي خبرة علمية، وبالتالي لابد من ضخ دماء جديدة والاستعانة بعقول نيرة استثنائية، من خلال خلق عملية المنافسة الفكرية عند التعامل مع اي اشكالية تصيب مفاصل الدولة الحساسة، لأجل ايجاد افكار نوعية صادرة من نخبة حقيقة تستطيع تقديم حلول استراتيجية للعملية السياسية والاقتصادية الامنية التي يعتقد البعض بانها باتت مستعصية على الجميع.
اضف تعليق