كان العراق ولا زال الدولة الاكثر تعددية (مجتمعياً ودينياً وقومياً) في الشرق الاوسط، هذه الخصوصية تمثل في حقيقتها نقطة قوة في حد ذاتها، فاذا ما حسن ادارة هذا التنوع سيعكس صورة اكثر ايجابية للتعايش والتآلف الاجتماعي بين مكونات المجتمع العراقي والتي تشمل (المسحيين والمسلمين والكاكائية...
كان العراق ولا زال الدولة الاكثر تعددية (مجتمعياً ودينياً وقومياً) في الشرق الاوسط، هذه الخصوصية تمثل في حقيقتها نقطة قوة في حد ذاتها، فاذا ما حسن ادارة هذا التنوع سيعكس صورة اكثر ايجابية للتعايش والتآلف الاجتماعي بين مكونات المجتمع العراقي والتي تشمل (المسحيين والمسلمين والكاكائية والإيزيديون والصابئة)، بالإضافة الى مكونات عرقية مثل (العرب والكرد والتركمان)، هذه المجتمعات المتنوعة لها خصوصية ثقافية ودينية وعرقية تجعل من العراق بلد ذو ملامح وخصائص متنوعة.
هذا التنوع الاجتماعي والديني ضربة ملامحه ومرتكزاته بعد موجهة الارهاب التي عصفت بالعراق، وخصوصا بعد دخول تنظيم داعش الى العراق عام 2014، حيث عمد هذا التنظيم الى الاخلال بمنظومة التنوع الاجتماعي والعرقي للمجتمع العراقي من خلال طرد المسحيين من مناطقها، وقتل الايزيديين والكاكائيين، اذ أحدثت هذه التصرفات الوحشية موجة من الهجرة الواسعة لهذه المكونات الى الخارج.
وترتب على هذا الفعل ضرب مصفوفة النسيج الاجتماعي التي كانت سائدة في العراق بعد موجة الارهاب، وظهر نوع من الشرخ والتشنج المجتمعي بين المكونات غذتها بعض المواقف السياسية لبعض السياسيين المتعصبين، بحيث انتجت مجتمعا متباعدا غير منسجم اجتماعياً، وبالتالي، هذا التباعد قد يخلق تصعيدا بمبدأ التعايش المجتمعي بعيد المدى خصوصا في المناطق المتعددة عرقياً، حيث وضعت السلم المجتمعي في العراق بحالة من القلق وعدم الاستقرار، خصوصاً بعد موجة فقدان الثقة من قبل بعض المكونات بمبدأ التعايش مع نظرائهم من المكونات الاخرى داخل المجتمع، وهذا ما سبب اشكالية كبرى داخل النسيج الاجتماعي.
لذا فان عملية تعميق وترسيخ السلام في العراق لابد لها ان تصاغ بصورة ممنهجة في اطار استراتيجية شاملة تنفذ في خطوات جادة من اجل احتواء حالة فقدان الثقة والتباعد بين مكونات المجتمع، حيث كان الانتصار في معركة داعش اولى الخطوات في اتجاه تعميق السلام الاجتماعي والتفاعل السلمي، خصوصاً بعد خروج داعش من بعض المناطق التي يسكنها المسحيون والايزيديون.
ومن اجل ترسيخ السلام بشكل اكثر لابد من ان يلحق هذه الخطوة خطوات اخرى والتي يمكن التطرق اليها بالاتي:
1- العمل بنظام العدالة الانتقالية من اجل استرجاع حقوق المضطهدين، ومحاسبة الجناة، لتشكل بدورها بادرة لحسن النية وتجسير يوصل الثقة المجتمعية بالمؤسسات الوطنية، خصوصاً للفئات المتضررة من المجتمع العراقي.
2- توسيع دائرة عمل النخبة المجتمعية من خلال بسط افاق التعاون المجتمعي، لأجل ترسيخ العلاقات المجتمعية وتعميق اوصر السلم المجتمعي في اطار المصالح الوطنية المشتركة.
3- ترسيخ مفهوم التعايش السلمي المشترك بين المجتمعات المتنوعة من خلال نبذ خطاب الكراهية والغاء الآخر، بحيث تكون خطوة جادة من اجل استيعاب الاطراف الاخرى في طاولة الوطن الواحد للتعايش السلمي.
4- تعزيز مبدأ التعددية الدينية والعرقية، والتي تمثل احدى اهم الخطوات تعزيز السلم في المجتمعات المتعددة ديناً وعرقياً بحيث يكون الهدف هو قبول الآخر بغض النظر عن انتماءاته الفرعية.
5- إعادة اعمار المناطق المنكوبة وتوسيع نطاق فرص العمل والتي تشكل نقطة جاذبة للعيش الكريم، لإعادة سكان تلك المناطق ذات الطوائف المتعددة، والتي اتخذت طريق الهجرة خياراً لها.
6- تفعيل دور المؤسسات المدنية والتي يقع على عاتقها تقريب وجهات النظر بين الطوائف المتعددة وبعض المؤسسات الحكومية، من اجل وضع حلول سريعة وجادة وتوسيع افاق التعاون في مجالات اخرى.
7- تعزيز مبداً المواطنة كاطار جامع عابر للانتماءات، من خلال تعزيز مبدأ الثقافات الفرعية في اطار الثقافة الوطنية الشاملة التي تجمع خصوصيات المكونات المتعددة داخل اطار وطني دون الغاء خصوصياتها المتنوعة.
8- تبني مشروع قوانين يقع على عاتقها تنضيد طبيعة العلاقات ما بين المجتمعات المتعددة لأجل الحفاظ على خصوصياتها، مع الاخذ بالحسبان الحفاظ على الاطار الوطني الجامع لهذه الفئات.
واخيراً يمكن القول، ان عملية بناء وترسيخ السلام في المجتمعات المتعددة خصوصاً في العراق تشكل ضرورة ملحة لابد من ترسيخها والعمل على توسيع آفاقها بحيث نستطيع من خلالها معالج ارهاصات الارهاب وتداعياته على بعض الفئات الاجتماعية والعرقية والدينية.
لذا لابد من ترسيخ عملية بناء وصناعة السلام في بعض المناطق التي يغلب عليها طابع التنوع والتعدد الاجتماعي والديني مثل مناطق سهل نينوى وبعض المناطق الاخرى التي تحتوي مجتمعات متعددة، من خلال رسم استراتيجية واضحة المعالم يقع على عاتقها وضع حلولا ومعالجات لبعض الاشكالات التي تعيق عمليات بناء السلام، من خلال ايجاد وسائل وتكتيكات مجتمعية وسياسية وقانونية لأجل صناعة وتوطين السلام، وبناء مجتمع مدني اكثر تسامحا وانفتاحا.
اضف تعليق