إن 500 كنيسة أغلقت أبوابها في العاصمة لندن منذ عام 2001 مقابل بناء 423 مسجدا جديدا في المدينة، وأنّ عدد المسلمين والمسيحيين المؤدين للصلوات في لندن سيبلغ ما بين 800 الى900 ألف شخص، ولكن سيكون أعمار 50 بالمئة من المصلين المسيحيين أكثر من 65 عاما...
بمناسبة انتهاء الانتخابات المجرية منتصف ابريل الماضي، والتي انتهت بفوز رئيس حزب "فيديسز" فيكتور اوربان (54عاما) برئاسة الوزراء لولاية ثالثة، والذي كان يشدد دوما في حملته على أن أي هزيمة له بالانتخابات ستؤدى الى فوضى في ملف الهجرة وانتصار لأعداء المجر الذين يريدون تجريد المجريين من بلادهم.
وقبل تصريحات رئيس الوزراء والمعارض الليبرالي الذي تحول الى بطل يميني فيكتور اوربان، كان الرئيس المجري يانوش لازار يعزف على نفس الوتر، بعد أن صرح بداية مارس الماضي، قائلا "أنّ العاصمة النمساوية فيينا أصبحت مكاناً سيئاً بسبب المهاجرين والأجانب"، وهو الأمر الذي تسبب في ردود فعل غاضبة من قبل السياسيين النمساويين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الشاب سباستيان كورز.
وهنا كان علينا القاء الضوء ليس على الانتخابات المجرية ومجرياتها، فكل ما جاء بها وبعدها متوقع ولم يحدث شيء خارج النص، ولكن عن ما كان يقال داخل اروقة البرلمان المجري بتلك الفترة، والتي تعكس لنا حقيقة الوضع الاوروبي الحالي وكم التحديات والتهديدات التي تواجه القارة العجوز، أوروبا التي تتعرض للضغوط من كل ما حولها بداية من صديقة الامس بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الاوروبي، مرورا بالولايات المتحدة الامريكية التي تنقض على مصالح اوروبا بالشرق الاوسط كماء تشاء، وتدفع بها للصدام التجاري كما تشاء ايضا، ثم روسيا التي تلوي ذراعها بالغاز، وصولا لتركيا التي تتعامل مع الارهابيين بمعسكراتها بشرق تركيا وورقة المهاجرين على أنهم القوى الانكشارية التي ستمد نفوذ الامبراطورية العثمانية الجديدة لما هو أبعد من اسطنبول وازمير.
فهذا البلد العريق الذي يقع وسط اوروبا، صرح رئيس برلمانه لاسلو كوفير خلال كلمته التي ألقاها بمنتدى سوبرون (مدينة غرب المجر) ابريل الماضي، قائلا: "إن 500 كنيسة أغلقت أبوابها في العاصمة لندن منذ عام 2001 مقابل بناء 423 مسجدا جديدا في المدينة، وأنّ عدد المسلمين والمسيحيين المؤدين للصلوات في لندن سيبلغ ما بين 800 الى900 ألف شخص، ولكن سيكون أعمار 50 بالمئة من المصلين المسيحيين أكثر من 65 عاما، بينما 50 بالمئة من المصلين المسلمين أقل من 25 عاما، وان كانت التركيبة السكانية والثقافية للمملكة المتحدة أصبحت على هذا الشكل، فالسؤال لنا الان، هل تريد المجر ان تكون على نفس الشكل أيضا أم تتجنب حدوث مثل هذا الوضع".
وهنا قد جاءت رؤية رئيس البرلمان المجري لشكل القارة العجوز جراء تدفق موجات اللاجئين العرب والمسلمون لأوروبا بسبب الحروب بالمنطقة كرؤية رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الذي قال: "أنّ معظم اللاجئين في أوروبا قادمون من الدول الإسلامية، وفي حال استمرار الوضع على هذا الحال سيكون سكان كبرى المدن الأوروبية من المسلمين".
واذا كان ذلك هو وضع اوروبا وذلك هو السؤال الى طرحه رئيس برلمان المجر على شعبه وتلك الرؤية التي بعقل رئيس الوزراء، فالان السؤال الذي نطرحه امامكم وهو ما يخصنا، أي إسلام حينها هو الذي سيكون في اوروبا؟.
أي إسلام؟ في ظل توغل الاخوان المسلمون وسيطرتهم على أغلب المؤسسات الاسلامية بأوروبا تقريبا ان لم يكن جميعها، فالنمسا وزيورخ وروما وباريس ومن قبلهم لندن باتت أكثر أمنا وهدوء لقيادات وعناصر جماعة الاخوان المسلمون من اسطنبول والدوحة والخرطوم، حتى صارت اوروبا الان بين كماشة الاسلام السياسي. فمن جهة الشمال غرب ستجد الصانعة والحاضنة لتيار الاخوان المسلمون الا وهي بريطانيا، ومن جهة الجنوب شرق تركيا التي يتزعمها حزب العدالة والتنمية الاخواني، والتي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 80 مليون مسلم نصفهم تقريبا موال للحزب الحاكم وللتيار القومي (الموالي أيضا لحزب العدالة والتنمية) وترغب في الانضمام للاتحاد الاوروبي.
وهذا امر لم يكن مفاجئ للدولة العميقة بباريس، ونتذكر حديث رئيس اركان فرنسا الاسبق إدوار جيو ببدايات 2012 لمجلة "لوبوان"، عندما سئل عن ما الخطر الذي يهدد مستقبل القارة الاوروبية، فقال: "أن الجهاديين والتكفيريين الذين يتم تدريبهم بمعسكرات شرق تركيا، بعد انتهاء مهمتهم في الشرق الاوسط سيزحفون علينا عاجلا أم اجلا".
خلاصة القول في ظل امواج الهجرة من بلادنا غير المتوقف للقارة العجوز، وتأثر مسلمو اوروبا الذين ولدوا وعاشوا في المجتمع الاوروبي المتحضر بالفكر الداعشي (حسب تقارير تلك الدول)، حتى رأينا قيادات لداعش في سوريا والعراق من اصول وجنسيات اوروبية، بالتزامن مع تحول تركيا من دولة ممر للتكفيريين والارهابيين الى دولة مقر، حتى باتت تركيا هي البوابة الرئيسية لهم نحو أوروبا، في ظل رؤية اردوغان لهؤلاء الارهابيين على أنهم القوى الانكشارية الجديدة التي ستمد نفوذ دولته خارج حدود تركيا، حتى صار الامر له في ادلب السورية وبعشيقة التركية، السؤال الان بات واضحا، كيف سيكون شكل الاسلام الذي يتمدد بالقارة العجوز اليوم وغدا؟.
* باحث ومحلل سياسى بشئون الشرق الاوسط
fady.world86@gmail.com
اضف تعليق