الدرس القطري والفرنسي يجب ان نتعلم منه فن الاصرار والعزيمة طويلة الامد، وان نضع اهدافا كبيرة ونعمل من اجلها فالبلد يستحق ان نجتهد ونعطيه ما يستحق ان يكون عليه سواء في الرياضة او الاقتصاد او بناء نموذج سياسي متميز في منطقة تحكمها ديكتاتوريات فاشلة...
في بطولة اسيا الاخيرة التي اختتمت بتتويج المنتخب القطري اثيرت قضية استعارة بعض الدول للاعبين من دول اخرى وتجنيسهم ليمثلوا بلدهم الجديد كما حدث مع فريق قطر الذي لقن الفرق التي واجهته درسا قاسيا.
وسائل الاعلام والفضاء الالكتروني العام اعتبر المسألة عيبا وعلى الاتحاد الدولي لكرة القدم منع هذه الظاهرة باعتبارها تؤثر على مستقبل اللعبة، واغلب من نادى بهذه الرؤية هم من تلقوا الهزيمة من الفريق البطل. اما دولة الامارات فقدمت طعنا الى الاتحاد الدولي للعبة وحصلت على رد سريع بانه غير قانوني.
لكن هناك رأي اخر وله ثقل ايضا في الفضاء العام، والذي يقول بان الانجاز الذي حققه الفريق القطري يعبر عن حالة التنظيم والتخطيط طويل الامد وهي نتيجة طبيعية للدول التي تاخذ بالاسباب العلمية لتحقيق النجاحات، ولا يمكن اختزال الانجاز باستقدام لاعب عراقي واخر سوداني فالموضوع اكبر من ذلك.
الاعلام القطري يقول ان سر التطور الواضح للكرة في هذا البلد في العقد الأخير يعود الى أكاديمية "أسباير" للتفوق الرياضي، التي تأسست عام 2004 بهدف استكشاف وجذب ورعاية المواهب الرياضية، حيث يُعد بطل العالم في مسابقة "الوثب العالي" معتز برشم أبرز خريجيها.
واستقطبت اكاديمة لسباير مدربين من العيار الثقيل لتقديم خبراتهم، كان من بينهم الإسباني فيليكس سانشيز صانع الإنجاز الآسيوي، ليحفر اسمه في تاريخ الكرة القطرية والآسيوية.
وصل سانشيز إلى "أسباير" عام 2006، ونجح في قيادة الجيل الحالي للكرة القطرية منذ صغره، قبل أن يكلفه الاتحاد المحلي بتدريب منتخب الشباب تحت 19 سنة عام 2014، حيث نجح معهم في التتويج بكأس آسيا التي أقيمت في ميانمار.
وفي يناير 2018 حلّ "العنابي" الأولمبي ثالثاً في بطولة آسيا تحت 23 عاماً، حيث بزغ نجم المعز علي، الذي تُوّج هدافاً بـ6 أهداف، مؤكداً أنه "ماكينة أهداف لا تعرف الهدوء أبداً".
في الدول الطامحة للرقي بمجتمعاتها لا مجال للحدود، ولا يوجد مكان لقطاع صغير او كبير، سواء في الرياضة او الصناعة او التجارة او الشركات التكنلوجية، انها سياسة شاملة تهدف الى نحث اسم في عالم يتصارع فيه الحمسع من اجل حجز مكان في القمة.
لم تكن قطر الدولة الوحيدة في تحقيق الإنجاز في كاس العالم ففي بطولة كأس العالم الأخيرة وجدنا ان هناك منتخبات اوربية وخاصة المنتخب البطل فرنسا لديها لاعبين مجنسين اكثر من اللاعبين اللذين ينحدرون من اصول وطنية، هذه القضية تكشف نقطتين مهمتين:
ان الدول الاوربية نجحت في ان تكون الارض الحاضنة للابداع وهذه تحسب لتلك الدول.
الثانية ان الدول المتخلفة تعد ارضا طاردة للثروات التي منحها الله لها.
اوربا وبطلة العالم فرنسا لم تستثمر في الموارد البشرية للدول الاخرى انما هي تستثمر الخامات الاولية الموجودة في الدول المتخلفة، وهي تعطي إشارة واضحة الى ان إدارة الموارد اهم من وجودها.
لكن اذا كان المهاجرون يمثلون كنوزا ابداعية واوربا هي عش تفقيس هذا الابداع، على الدول الاوربية او غيرها بالاستمرار في استقبال المزيد من هذه الخامات الابداعية، فمثلما لا يمكنها ان تتخلى عن شراء النفط والمواد الاولية لصناعتها، لا بد لها ان تزيد من اهتمامها بالمبدعين، لتبقى عش الابداع عبر استيراد الخامات الابداعية من الدول التي تحكمها انظمة سياسية متخلفة.
قطر وقبلها فرنسا بطلة العالم بكرة القدم، دول اختارت طريق التخطيط السليم فحققت اهدافها في مجال الرياضة، وهذه التجارب تؤكد ان المستحيل فكرة وهمية محفورة في سجل المهزومين الذين يفتشون عن الثغرات في مشاريع الاخرين.
الدرس القطري والفرنسي يجب ان نتعلم منه فن الاصرار والعزينة طويلة الامد، وان نضع اهدافا كبيرة ونعمل من اجلها فالبلد يستحق ان نجتهد ونعطيه ما يستحق ان يكون عليه سواء في الرياضة او الاقتصاد او بناء نموذج سياسي متميز في منطقة تحكمها ديكتاتوريات فاشلة.
اضف تعليق