q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

تسعة أيام تشكل مصير الشرق الأوسط

استراتيجية ترامب في ضوء زيارة مايك بومبيو

كيف يمكننا أن نستقرأ الاستراتيجية الأمريكية في ضوء زيارة بومبيو المكوكية إلى المنطقة؟ وهل هناك بالفعل بوادر استراتيجية أمريكية جديدة في المنطقة أم هناك إعادة ترتيب وشراكة لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ وما هو هدف الإدارة الأمريكية من ذلك؟ بالتأكيد لم تأتي زيارة بومبيو...

يتواجد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في منطقة الشرق الأوسط بجولة تمتد لمدة (9) أيام ابتدئها من الاردن وتوجه بعدها بشكل غير معلن إلى العراق ثم غادر إلى مصر، وسيختتم بومبيو جولته الشرق أوسطية يوم 15 من الشهر الجاري قبل أن يتوجه إلى الدول الخليجية، إذ تتضمن زيارة إلى (السعودية، قطر، الإمارات، البحرين وعمان، والكويت).

وتأتي هذه الزيارة في ظل القرار الأخير الذي اتخذه الرئيس الأمريكي بسحب قوات بلاده من سوريا؛ الأمر الذي لم يعجب حلفاء واشنطن في المنطقة وزاد من مخاوفهم السياسية والعسكرية، لاسيما مع تصاعد الدور الإيراني في المنطقة وعدم الانتهاء بعد من الحرب ضد تنظيم "داعش"، من جانبها أعلنت الخارجية الأمريكية بأن الهدف من زيارة بومبيو للشرق الأوسط هي وضع الخطوط العريضة للسياسات الأمريكية حيال المنطقة، بعد التطورات التي حدثت مؤخرًا، موضحة بأن بومبيو سوف يطرح العديد من القضايا الإقليمية الحيوية، وابرزها ملف إيران ووضع غزة ومحاربة الإرهاب والتعاون في مجالي الطاقة والاقتصاد، واحياء التحالف العربي الذي سيكون محوره دول الخليج بالإضافة إلى مصر والأردن.

بهذا السياق كيف يمكننا أن نستقرأ الاستراتيجية الأمريكية في ضوء زيارة بومبيو المكوكية إلى المنطقة؟ وهل هناك بالفعل بوادر استراتيجية أمريكية جديدة في المنطقة أم هناك إعادة ترتيب وشراكة لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ وما هو هدف الإدارة الأمريكية من ذلك؟

بالتأكيد لم تأتي زيارة بومبيو إلى المنطقة من أجل طمأنة حلفاء واشنطن في المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا فقط، وإنما الزيارة جاءت لمناقشة قضايا مهمة تتعلق بالاستراتيجية الأمريكية في المرحلة المقبلة وسياسة الرئيس الأمريكي حيال المنطقة.

فإذا ما أخذنا التحركات الأمريكية الجديدة في المنطقة سواء فيما يتعلق بحل الأزمة اليمنية والانسحاب الأمريكي من سوريا وإعادة انتشار قواتها في العراق وحث الدول العربية والخليجية على إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، ومشاركتها في إعادة إعمار سوريا، فضلاً عن توجهات الكونغرس الأخيرة اتجاه السعودية ومحمد بن سلمان "على وجه التحديد" بعد قضية مقتل خاشقجي، سوف نستشف بأن الإدارة الأمريكية الحالية بصدد وضع استراتيجية جديدة تمثل خارطة طريق لتوجهاتها الخارجية اتجاه الشرق الأوسط والمنطقة العربية في المرحلة المقبلة.

بالرغم من أن هذه التوجهات تتنافى مع عقيدة ترامب، الذي أعلن مراراً بأن أمريكا لا يمكن أن تكون شرطي الشرق الوسط أو شرطي العالم، وأنه سيعمل جاهداً على التقليل من التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة.

زيارة بومبيو جاءت بتوجيه مباشر من الرئيس الأمريكي؛ وذلك من أجل الاستماع إلى قادة ورؤساء الدول العربية والخليجية والوقوف على ابرز المشاكل والمعوقات التي تقف بوجه الوحدة العربية، لاسيما المشاكل المتعلقة بالخلاف الخليجي – الخليجي والأزمة بين السعودية وقطر، وتقارب الدوحة من طهران، فضلاً عن الخلاف بين القاهرة والدوحة؛ لان استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيكون محورها الموقف العربي والخليجي الموحد اتجاه القضايا الاساسية في المنطقة، لاسيما تلك المتعلقة بالتمدد الإيراني والموقف الأمريكي منها ومواجهة الترسانة الصاروخية لحزب الله اللبناني، والموقف من الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي، وسبل ابعاد العراق عن التأثير الإيراني؛ ولهذا تريد إدارة ترامب أن تستمع للمواقف العربية المشتركة لكل هذه الملفات ووضع خطة مشتركة من أجل الخروج بموقف عربي موحد يتناغم مع الرؤية الأمريكية وتوجهاتها السياسية في المنطقة.

وفقاً لذلك، فإن الإدارة الأمريكية بصدد وضع استراتيجية لها في منطقة الشرق الأوسط يكون محورها احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة والتقليل من تمدد طهران في العواصم العربية، لاسيما في سوريا والعراق، وطمأنة حلفاء واشنطن من الحرب ضد تنظيم "داعش" والحرب على الإرهاب بشكل عام.

وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة؛ لأن مواجهة إيران واستراتيجية مكافحة الإرهاب كانت محور الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة منذ احداث 11 سبتمبر 2001، دون أن تحقق الأمن والاستقرار لشعوبها وللمنطقة بشكل عام، فضلاً عن ذلك، فأن هناك مشاكل كبيرة تقف بوجه توجهات الإدارة الأمريكية في المنطقة، فالخلافات العربية والخليجية كبيرة، والمواقف من السياسة الإيرانية مختلفة ومتضاربة، فضلاً عن أن الثقة العربية بالسياسة الأمريكية ربما تكون معدومة، لاسيما فيما يتعلق بمواقف الرئيس الأمريكي من القضية الفلسطينية وقراره باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وقضية نقل السفارة إلى القدس.

لكن بشكل عام هناك اهداف أمريكية ثابتة في العقل السياسي الأمريكي تريد إدارة ترامب أن تحافظ عليها بعيداً عن الشراكة الدولية والإقليمية من خلال هذه الاستراتيجية ومنها:

• إن واشنطن تريد أن تهيمن على النظام الأمني في الشرق الأوسط، وتريد أن تضع دول الخليج العربية في محور خلافها مع إيران.

• مكافحة الإرهاب في المنطقة لم تأتي ضمن أولويات الإدارة الأمريكية بقدر ما هو صراع تنافسي مع اقطاب النظام العالمي، لاسيما مع القوى العالمية الصاعدة مثل الصين وروسيا، وإلا أين الولايات المتحدة من مكافحة الإرهاب في شمال افريقيا وأفريقيا نفسها وجنوب شرق اسيا ايضاً؟

• هناك اهداف اقتصادية تتعلق بأمن الطاقة والمعادن، وهذه مهام واهداف اساسية في عقل الإدارة الأمريكية الحالية.

• مواجهة خطر انتشار الاسلحة النووية في المنطقة، لاسيما فيما يتعلق بالمشروع النووي الإيراني دون الإشارة إلى السلاح النووي الإسرائيلي.

• أمن إسرائيل، فجميع الإدارات الأمريكية تضع أمن ومصلحة إسرائيل في المنقطة على رأس أولوياتها السياسية والعسكرية.

وبالتالي فأن هذه الاهداف تمثل أولويات اساسية في الاستراتيجية الأمريكية بشكل عام وليست فقط في عقل الإدارة الأمريكية الحالية، وعليه فأن أي استراتيجية أمريكية جديدة في المنطقة لا يمكن أن تأخذ بالمصلحة العربية أو الأمن العربي أو الموقف العربي الموحد في نظر الاعتبار بقدر ما تريد تأمين تلك الاهداف في الاستراتيجيات الأمريكية، وربما يكون الصراع مع إيران والحرب على الإرهاب سيمفونية دائمة من أجل تغذية تلك الاهداف.

فهل يدرك صانع القرار العربي والخليجي طبيعة التوجهات الأمريكية هذه المرة أم ستكون شعوب المنطقة والانظمة العربية مرة أخرى ضحية للسياسات الأمريكية؟

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2019
www.fcdrs.com

اضف تعليق