أكثر ما يمكن تهديد الشعب به من قبل الطبقة السياسية هو العودة الى المربع الأول، ما يعني مباشرة استحضار أيام العنف وتدمير البنى التحتية الذي تزامن مع نهاية حكم البعث المنحل وبداية الحكم الديمقراطي التعددي القائم على اختيار الشعب لممثليه في السلطة التشريعية...
أكثر ما يمكن تهديد الشعب به من قبل الطبقة السياسية هو العودة الى المربع الأول، ما يعني مباشرة استحضار أيام العنف وتدمير البنى التحتية الذي تزامن مع نهاية حكم البعث المنحل وبداية الحكم الديمقراطي التعددي القائم على اختيار الشعب لممثليه في السلطة التشريعية.
مر عقد ونصف من تجاوزنا مرحلة المربع الأول، وهي مدة زمنية كافية لتجعلنا نشعر باجتيازه بمراحل طويلة نخشى من خلالها النظر الى الوراء فذلك مخالف للعقل، لكن هل ان حرق 15 عاما من عمر الانسان العراقي يعني انه تقدم للقفز في المركب المؤسساتي وطريقة نظام الحكم وبناء نظام اقتصادي يمكن ان يتحرك ذاتيا، فضلا عن طمأنة المواطن بالمستقبل القريب والمتوسط له وللجيل الذي يأتي بعده؟
اننا نسير على أرضية متحركة لا ثابت فيها الا مصالح الدول الكبرى والإقليمية، الدستور الذي يفترض ان يكون الفضاء الذي تسبح فيه الدولة العراقية تحول الى جرم سماوي صغير لا ينظر اليه احد الا بمقدار حاجته (انه مثل هلال العيد مصلحتنا معه تنتهي باليوم الأول من شوال ولا نعود اليه الا حينما نشعر بجوع شديد)، وهو ذات الامر الذي كان في عهد حزب البعث بزعامة صدام حسين، النظام القضائي والقانوني اقل مرتبة من الرئيس والحزب.
ونحن نعيش على عتبة العام 2019 يمكن لموظف صغير يصعد سيارة تحمل رقما حكوميا "ازرق" ان يتجاوز كل الحواجز الأمنية، ويخترق كل الشوارع بدون الالتزام بالإشارة المرورية، لانه لا يريد ذلك، (حدث هذا الامر قبل أسبوع تماما في الفلكة الملاصقة لمجلس محافظة كربلاء، اذ رفض موظف بسيارته الحكومية الالتزام بتعليمات رجل المرور مع الغمز بعبارات مهينة لذلك الرجل)، انها ترسبات أيام الحاكم الأمريكي والحرب الطائفية، فلا قانون ولا سلطة الا في اطار علاقاتك بالحزب وقربك من مراكز القرار.
في الاقتصاد لا يزال النفط يتحمل مسؤولية تعبئة خزينة الدولة بالدولارات، انه آلهة العراق الاقتصادية، نقدسه حد العبادة، نرفض فراقه، ونخشى ان نزعجه بمشاريع زراعية او صناعية، فهو النبع الذي لا ينضب، ومنه جعلنا من كل موظف عراقي مواطنا يتمتع بالحقوق المالية كل شهر.
الصناعة والزراعة مارد مرتد قُتِل بسوء الادارة، وحاربته الأحزاب بسيف الفساد، كل شيء يسمح باستيراده حتى وان كانت البلاد قد حققت الاكتفاء الذاتي منه، سقطت الصناعة مباشرة بعد دخول القوات الامريكية، اما الزراع فقاتلت لفترة أطول لتجد نفسها في النهاية غير قادرة على مصارعة عمالقة الاستيراد الذين جلبوا الخضروات والفجل من الخارج، عندها رفع القطاع الزراعي راية الاستسلام بعد تآمر الجفاف الذي هاجمه من دول الجوار.
في السياسية تقبع كل مشكلات المربع الأول، وربما تعود اليه المشكلات الإدارية والقانونية التي اشرنا اليها انفا، فالمنطقة الخضراء ارض ليس للعراقيين اطلاقا، هي ارض السفارات الأجنبية التي تقرر ما يجب تحديده للبلاد، اذا كان الرئيس قريبا من الدولة الفلانية فالاحد ان يكون رئيس البرلمان مقربا من الدولة الأخرى المعادية لها ليحدث نوع من التوازن، هذا الذي يعبر عنه بالتوازن بين المكونات الطائفية والقومية، وفي حقيقته توازن دولي على ارض العراق.
من اعلى سلطة في الدولة وحتى منصب المدير العام وربما الموظف الصغير يجب ان يخضع للحصة الحزبية، كل شيء خارج نطاق القانون، والدستور تحول الى راية ترفع عندما يفقد احد الأحزاب حصته ليتبين انه اكثر الأحزاب وطنية وحبنا لشعبه، هل سنعود الى المربع الأول؟ ام اننا لا زلنا نسير داخل لولب انهيار للدولة العراقية سيعيدها الى مربع ما بعد الاستعمار البريطاني وليس مربع ما بعد حزب البعث.
دولة المؤسسات هي الحل الوحيد لتجنب النهائية المأساوية لنظام ديمقراطي يمكن ان يكون املا للأجيال القادمة.
اضف تعليق