الازمات التي تشتعل بين عدد كبير من الدول تعرضها لمخاطر انهيار النظام القديم وما يتبع ذلك من الفوضى وانعدام الاستقرار وربما قد تتولد حروب يصعب ايقافها، لكن هناك أيضا الفرصة متمثلة بإعادة ترتيب مواقع بعض اللاعبين الذين يجيدون فن إدارة هذا النوع من التغيرات وبما يخدم مصالح بلدانهم...
الازمات التي تشتعل بين عدد كبير من الدول تعرضها لمخاطر انهيار النظام القديم وما يتبع ذلك من الفوضى وانعدام الاستقرار وربما قد تتولد حروب يصعب ايقافها، لكن هناك أيضا الفرصة متمثلة بإعادة ترتيب مواقع بعض اللاعبين الذين يجيدون فن إدارة هذا النوع من التغيرات وبما يخدم مصالح بلدانهم.
الشرق الأوسط هو النقطة الأكثر سخونة في العالم، وفيه من الصراعات ما يكفي لاستمرار حياة مئات مصانع الأسلحة، دول تطمح لصعود سلم التاثير الإقليمي مثل قطر والامارات والسعودية، واخرى تبحث عن توسيع قاعدة النفوذ لتثبت نفسها كقوة إقليمية كبرى كما هو حال تركيا وايران، وهناك دول كبرى تبحث عن موطيء قدم يعزز مكانتها الدولية مثل الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والصين.
جميع هذه الدول تبحث عن حلفاء لتامين استراتيجياتها سواء كانت طامحة لصعود السلم الإقليمي او باحثة عن توسيع قاعدة نفوذ موجودة أصلا، وسواء تعلق الامر بالدول الإقليمية او الكبرى، فلكل منها أهدافها التي ستجد مكانا لها في احدى دول المنطقة وخاصة المتازمة مثل سوريا ولبنان والعراق.
الدول الطامحة في تحقيق مكاسب من دول الازمات، وبما يسهم في تعزيز مكانتها تعرف جيدا ان الساحة هي تلك الدول المتازمة التي يكون العراق احدها، هذا البلد الذي يخرج بشكل واضح الى الفضاء الإقليمي باعتباره بلدا يمكن الاعتماد عليه بمستقبل سياسي افضل بكثير مما هو عليه الان، فخلال خمسة عشر عاما منذ الغزو الأمريكي اثبت انه في طور التكوين ويسير نحو تقديم نموذج جديد رغم ما يشوب مسيرته من أخطاء لكنها قابلة للحل، فالعلاقات مع السنة والشيعة في افضل احوالها، وبين العرب والكرد تسير في توافق جيد.
كل ما يطمح اليه العراق هو تحقيق الاستقرار السياسي وإعادة بناء البنى التحتية وترتيب النظام المؤسساتي الذي انهار نتيجة الحروب المستمرة منذ سنوات، فهو لا يملك طموحات عسكرية كبرى ولا يريد توسيع قاعدة نفوذه الإقليمي، حروبه السابقة جعلته ينظر الى النموذج الياباني والألماني والعماني.
بالطبع لا يملك العراق القاعدة اللازمة ليحاكي هذه النماذج الثلاثة، لكن المؤكد ان الدول الإقليمية والكبرى باتت على علم بان بغداد مصرة على عدم الدخول في أي حرب، ولا هي تريد ان تكون ضمن تحالف عسكري مع دولة ضد أخرى، ولا حتى ان تكون قاعدة لضرب الجيران، على الأقل هذا ما تمثله الرغبة السياسية لدى مجلس النواب الذي يمثل السلطة التشريعية او مجلس الوزراء واغلب الأحزاب السياسية.
التركيز على بناء النظام السياسي والبحث عن سبل الاستقرار بعيدا عن الصراعات الإقليمية يبعد العراق قليلا عن التجاذبات بين الدول، ربما لا تتحقق اهداف هذه الاستراتيجية على المدى القريب، لكن الاستمرار بنهج عدم التدخل سيعزز فرص العراق بلعب دور اكثر إيجابية في المرحلة المقبلة.
واذا ما عرفنا ان كل التدخلات السابقة من قبل الدول الأخرى في شؤون العراق كانت بسبب مخاوفها من طموحات بغداد، فان طمأنة تلك الدول بعدم شن الحرب ضدها اولاً او التحالف مع دول معادية لها ثانياً يمكن ان يقلل من فرص التدخلات الإقليمية في شؤون العراق الداخلية.
قد تكون حكومة عادل عبد المهدي هي الأكثر استقرارا من الحكومات السابقة واكثر طمأنة للدول الأخرى، والتجارب السابقة أعطتها خبرة لا بأس بها في التعامل مع الملفات الإقليمية من باب المصلحة الوطنية مع الاخذ في الاعتبار عدم اتخاذ خطوات تضر بامن ومصالح الدول الإقليمية.
ما تخشاه الدول من العراق ليس طموحاته، بل في مدى قدرته على إعادة بناء نظام سياسي مستقر تشترك فيه جميع الطوائف والقوميات بدون تمييز، فضلا عن الطريقة التي يمكن من خلالها تنشيط البنية المؤسساتية للدولة العراقية، وهذه مسؤولية تقع على عاتق مجلس النواب من خلال تفعيل دوره الرقابي والتشريعي، فيما تقع على عاتق الحكومة مسؤولية تحويل خططتها وسياساتها الى واقع عملي ملموس.
اضف تعليق