الايرانيون عبروا عن مشاعرهم بالاحتفال في شوارع العاصمة طهران وهم يرفعون العلم الايراني ويرقصون بفرح وسط الحديث عن فخرهم بالحكومة التي يقودها الرئيس المعتدل "حسن روحاني" وهي تسير نحو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهم مقابل البرنامج النووي المثير للجدل، كما وعدهم في حملته الانتخابية، وقد استقبل الوفد الايراني المفاوض، برئاسة وزير الخارجية "جواد ظريف"، استقبال الفاتحين بعد عودتهم من "لوزان"، والاعلان بصورة رسمية للتوصل الى اتفاق "اطار عمل" يمكن ان يمهد الى كتابة بنود "اتفاق تاريخي" بين ايران والقوى الكبرى، بعد ان كادت الآمال تضعف، لدى الطرفين، بالخروج من دوامة التمديد والخلافات والانسحابات التي شهدتها الجولة الاخيرة، فضلا عن الجولات السابقة.
لكن، وعلى ما يبدو، فليس الجميع بنفس الفرحة التي نقلتها وكالات الاعلام والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وليس الجميع متفق على النتيجة التي تم التوصل اليها في سويسرا، فقد شنت الصحف ووسائل الاعلام القريبة من المحافظين حملة واسعة على نتائج المفاوضات، تنوعت بين السخرية والرفض والتشكيك والتقليل من قيمة الاتفاق، حتى ان بعضهم ذهب الى "بقاء العقوبات اقتصادية" في قبالة السماح للغرب "بتفتيش منشآت ايران النووية"، ومع ان المرشد الديني الاعلى لإيران اية الله "خامنئي" قد دعم الوفد المفاوض منذ البداية، الا ان الصراع بين المتشددين والمعتدلين داخل ايران مازال يثير الكثير من الخلافات السياسية الداخلية، منذ صعود الاصلاحيين الى الرئاسة، وحتى نجاحهم في المفاوضات النووية، وهو ما يؤشر مدى التنافس بين الطرفين على جملة من المسائل منها:
1. صراع النفوذ الداخلي بين الطرفين، ففي حين عانى الاصلاحيون القريبون من "رفسنجاني" من انتكاسات كبيرة في زمن الرئيس الاصلاحي السابق "خاتمي"، وخلال فترة حكم الرئيس المحافظ "نجادي"، وما تلتها من احداث بعد الانتخابات البرلمانية عام 2009، ما زال المحافظون يحتلون مواقع الصدارة في المناصب العليا للدولة، وبالأخص في السلطة القضائية والتشريعية ومؤسسات الدولة الاخرى، اضافة الى امتلاكهم لقوات عسكرية كبيرة (خارج اطار وزارة الدفاع)، مدعومة بقدرات اقتصادية ضخمة.
2. التفاعل الجماهيري الكبير مع النتائج الاولية للمفاوضات والتي عكست الرغبة لدى المواطن الايراني برفع العقوبات الاقتصادية التي اضرت به كثيرا، وهو ما قد يتحقق على ايدي المعتدلين، وبالتالي يمكن ان يحولهم الى منافس قوي في الساحة السياسية الداخلية.
3. يرى كثير من المحللين ان رفع العقوبات الاقتصادية والتقارب من الغرب يمكن ان يربط ايران بالمجتمع الدولي ليكون جزءا من المنظومة الاقتصادية والدبلوماسية والحقوقية العالمية، وهو امر قد لا يرغب فيه المتشددون كثيرا.
4. هناك رغبة واضحة لدى الاصلاحيين في تسنم المناصب القيادية في النظام الايراني، وهو ما يلاحظ في تحركاتهم الاخيرة وصولا الى الرئاسة في ايران، حيث استطاعت اعادة تنظيم صفوفها، بعد الهزائم التي منيت بها في السابق، ما يعني المواجهة المباشرة مع المحافظين، سيما وان شرائح واسعة من المجتمع الايراني (وبالأخص من شريحة الشباب) تؤيد التوجهات الاصلاحية التي يروج لها المعتدلون.
تحقيق الوعود الاخرى
من الوعود التي اطلقها الرئيس "حسن روحاني" خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2013 هي "تخفيف القيود الاجتماعية والسياسية" التي لاقت رفضا كبيرا لدى شرائح واسعة من المجتمع الايراني، والطريقة التي تفاعل بها المواطنون في ايران مع التفاهمات النووية الاخيرة، دللت من وجه اخر، بالأمل في انتظار الوعد الاخر بعد تحقيق النجاح الاول، وقد كانت لروحاني محاولات "خجولة" في الوقوف الى جانب المزيد من الحريات العامة الا ان اغلبها جوبهت بقوة من قبل التيار المتشدد في الداخل، ومع ان ايران تمتلك الكثير من المقومات الاساسية والتي يمكن ان تجعل منها دولة متطورة ومتقدمة على غيرها من الدول، في مستوى النظام السياسي والاقتصادي والحقوقي (مقارنة بدول اسلامية اخرى مازالت تعيش بعقلية القرون الوسطى)، الا ان جملة من القيود والتشدد مازال يفرض على جوانب رئيسية منها:
1. القيود السياسية المفروضة على عدد من النشطاء والاصلاحيين (امثال مير حسين موسوي ومهدي كروبي)، واصحاب الرأي، والتي تشمل الاعتقال والسجن والاقامة الجبرية وغيرها، مما لا يتماشى والسماح للمعارضة والرأي الاخر بحرية التعبير عن الآراء والتوجهات السياسية، فضلا عن القيود المفروضة على العديد من رجال الدين والمراجع داخل ايران، سيما من الذين تتقاطع افكارهم مع افكار المتشددين.
2. القيود الاعلامية التي غالبا ما تفرض على الصحافة التي تنتقد التوجهات المتشددة، وقد اغلقت العديد من الصحف واعتقل عدد من الصحفيين خلال فترة حكم روحاني، من دون ذكر اسباب الاعتقال.
3. قيود مفروضة على حرية التعبير عن الرأي، والحريات العامة، اضافة الى فرض الرقابة على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
ويرى متابعون ان معركة "روحاني" مع المتشددين لم تنتهي بعد، ومع انه كسب الجولة الاولى الا ان الطريق ما زال طويلا امام المعتدلين في تخفيف القيود الداخلية، وربما تحتاج الى جهد مضاعف يفوق ما بذله الوفد المفاوض لرفع القيود الخارجية، وقد قال "روحاني" في احدى المقابلات التلفزيونية انه لم ينسَ الوعود التي قطعها في الانتخابات واضاف "أعرف تماما الوعود التي قطعتها وما يتوجب علي فعله".
اضف تعليق