في ضاحية دمشق، والتي يقصدها محبو أهل البيت من كل مكان من العالم، وبالقرب من الروضة الزينبية المباركة، يشمخ صرح علمي كانت له الريادة في تأسيس مدرسة علمية جديدة، تقوم إلى جانب مدارس النجف وكربلاء وقم وغيرها بتخريج العلماء ونشر العلم والدعوة إلى الحق، وهذا الصرح المبارك هو (الحوزة العلمية الزينبية)، التي تأسست في العام 1395هـ الموافق لـ 1975م، وهي الجامعة العلمية الأولى في مدينة السيدة زينب (عليها السلام).
زيارات متكررة قام بها السيد حسن الشيرازي(قده) إلى دمشق، خلال إقامته في لبنان، أكدت ضرورة تأسيس حوزة، في هذه المدينة المهمة، تحتضن طلبة العلوم الإسلامية، وتسعى لتخريج العلماء والخطباء والمبلغين، ومما حفّزه على ذلك أيضاً قيام السلطات في العراق - آنذاك - بتسفير أعداد كبيرة من طلبة العلوم الدينية الوافدين من مختلف بلاد العالم للدراسة في حوزات النجف وكربلاء، ثم عدم حصولهم على فرصة مواصلة طريق العلم، ولكنهم سرعان ما وجدوا الأمل في السيد حسن الشيرازي الذي استقبلهم بحفاوة بالغة، وبادرهم(قده) بأن يستقرّوا في جوار مرقد السيدة زينب (عليها السلام) ويساندوه في تحقيق أمنيته التي طالما تطلّع إلى تحقيقها، ألا وهي تأسيس حوزة علمية في الشام تحتضن طلاب العلوم الدينية وتنير المنطقة بعلومها ونشاطاتها.، وكان ذلك في العام 1394هـ - 1973م، حيث وضع(قده) اللبنة الأولى للحوزة العلمية الزينبية.
لم يكن الشهيد الشيرازي (قده) مرجعاً حتى تجبى له الأموال، ولم تكن له استثمارات تجارية تدرّ عليه ما تحتاجه الحوزة من مصاريف ورواتب، ولكنه كان يمتلك الإخلاص والعزيمة، فبدأ بإنجاز هذا العمل العظيم وهو لا يملك شيئاً، وكان قد استأجر داراً مكونة من غرف قليلة لتكون مقراً للحوزة، ثم اشترى أرضاً لتبنى عليها الحوزة، مدرسة ومسجداً وحسينية ودور للطلبة، لكن رصاصات الغدر لم تمهله.
بموازاة ذلك، كانت فكرة تحويل مدينة السيدة زينب (عليها السلام) إلى مركز علمي إسلامي ومجمع ديني، تواجه صعوبات كبيرة منها قلّة الإمكانيات، وعدم تقبّل الفكرة من البعض بل وجود معارضين لها، والحصول على الموافقة الرسمية، ولكن ذلك لم يمنع الشهيد الشيرازي من المضي قدماً بخطوات راسخة من أجل تأسيس أول حوزة في الشام. وقد قام(قده) بزيارات إلى مؤمنين في دول الخليج لحثّهم على المساهمة في بناء حوزة دينية في الشام، موضحاً الحاجة إليها وعظيم المسؤولية التاريخية تجاهها، وقد تكللت جهوده بنجاح كبير.
تضم الحوزة العلمية الزينبية عدد من الملحقات وأهمها:
- (المكتبة) وهي عبارة عن صالة كبيرة للمطالعة، وتعدّ أضخم مكتبة في مدينة السيدة زينب (عليها السلام) ويرتادها الباحثون من كل مكان.
- (الحسينية) وتقع على مساحة كبيرة تتسع لثلاثة آلاف شخص، وتقام فيها صلاة الجماعة يومياً.
- (القسم النسائي) وتقام فيه دورات دراسية حوزوية وتلقى محاضرات دينية وثقافية.
الحوزة العلمية الزينبية قامت بمباركة الإمام المجدد الثاني السيد محمد الحسيني الشيرازي(قده)، وكانت النية أن تشهد تطبيق الأفكار التطويرية والتجديدية التي نظَّر لها (أعلى الله درجاته) إلا أن تحديات الواقع حالت دون ذلك، وذلك لأن تلك الأفكار التحديثية بحاجة إلى جهد كبير وتوعية كافية، خاصة وأن الإمام الشيرازي يرى أن الإصلاح أفضل طريقة وأحمد عاقبة من التغيير المفاجئ، ولكن مع ذلك برزت محاولات جادة لتطبيق ما يمكن تطبيقه والتخطيط لبناء الأرضية المناسبة لتحقيق بقية الأفكار، والعمل على مواكبة الحوزة لتطورات العصر ومتطلباته، فتكللت بعض الخطوات بالنجاح وظل السعي لتحقيق الأخرى ومنها:
* تغيير وتطوير بعض المناهج والكتب واستبدال حديثة بأخرى.
* إدخال علوم حيوية إلى نظام الحوزة كالسياسة والاقتصاد والإدارة وغيرها.
* بناء مؤسسات ثقافية داخل الحوزة وإشراك الطلبة فيها.
* الاستفادة من خبرات مدرسين وطلبة حوزويين تلقوا دروساً أكاديمية.
* إدخال أجهزة التقنية الحديثة وتعليم الطلبة عليها.
كبيراً كان طموح الشهيد السعيد والعالم العامل والمجاهد الكبير آية السيد حسن الحسيني الشيرازي، فلقد كان يريد إنقاذ بلاد المسلمين من الشرق والغرب، ونشر الإسلام في ربوع الأرض، وكل ذلك بيّنه في العديد من أشعاره التي كتبها في كربلاء المقدسة في احتفالات ميلاد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد حاول ذلك وسعى، لكن مناكفات "أصدقاء سلبيين" من جهة، ورصاصات "أعداء حانقين" من جهة أخرى، أعاقته من تحقيق كثير من طموحه.
اضف تعليق