الصيغة الشائعة لعمل افلاطون كان ان يفترض مأزقا ويناقش القضية من رؤية ذات خصوصية معينة. \"سقراط خلق طموحا لهذا باشراك الناس بمحادثات للتحقق من اساس عقائدهم. عبر توجيه خط من التحقيق، كان النقاش في العقائد عرضة للتمحيص واصبح يُنظر اليه كمأزق بحاجة للاختبار. \"في عرضه...
الدين هو ممارسة العقيدة، وفي أغلب الحالات ارتبط بوجود اله متجاوز. مقترحات افلاطون التي سنناقشها سوف تتبع التعريف العام بان الدين هو "الايمان القوي بقوة خارقة للطبيعة تسيطر على قدر الانسان". هذا سيسمح بنطاق ملائم للنقاش ويساعد في استكشاف افكار تتجاوز تعريف الدين كمجرد ممارسات سلوكية من عبادة وطقوس وقوانين دينية، لأن هذه ليست مسألة هامة ضمن أعمال افلاطون. ان افكار افلاطون التي جاءت ضمن سياق ديني قد اثّرت على انثولوجيا مختلف المعتقدات من خلال التأثير والابداع والتعبير في حواراته الناقلة للنظريات. البعض يصف افلاطون كمخترع للفلسفة، بينما (وايتهد) استنتج بان "السمات العامة لتقاليد الفلسفة الاوربية هي انها تتألف من سلسلة من هوامش افلاطون". وهنا يبرز النقاش عن حجم تأثيره الكثيف على الفلسفة الدينية.
اثناء فترة افلاطون في اليونان القديمة، كان قد جرى للدين تنظيرا لاعقلانيا ليكون مسؤولا عن افعال الطبيعة غير الواضحة. ضرورة خدمة الآلهة وتقديم القرابين، الى جانب العقائد الاخرى، قيل انها ترتبط بطبيعتنا الانسانية. انها طبيعتنا الانسانية ان نسأل، افلاطون نظر في سبب وجودنا، طبيعة الواقع، وفكرة الروح. نحن كبشر نبحث عن اجابات، غير ان المبدأ المشترك لجميع الاديان هو القصد المتأصل لدى الانسان للبحث واكتساب المقدرة على التأثير على قدرنا في هذا العالم والعالم الآخر.
من الملاحظ انه السبب في قيام اليونان القديمة ببناء المعابد وتقديم النذور للالهة، وانه سبب قيام المسيحيين اليوم بالصلاة ومحاولة الاتصال بالله. طبيعة الانسان تجعلنا ننظر الى شيء ما اكبر، نستجوب موقعنا الروحي ونبحث عن الغرض. حتى (دكنز) تسائل فيما اذا كان الانسان "حقا ضعيف جدا في طبيعته لدرجة ان المجتمع سينهار بدون الدين". "العقيدة، الممارسة والعادات ومهما كانت الاعراف الفردية والجماعية جميعها تم تقاسمها في الفعل والتعبيرات في كل العالم". التعبير عن العقائد الدينية كان دائما متكاملا مع ثقافة الانسان. اما اليوم اعتُبر من الضروري مناقشة ومسائلة اي بيانات اعطيت لنا لوضعها مع ما نؤمن به كحقيقة.
الصيغة الشائعة لعمل افلاطون كان ان يفترض مأزقا ويناقش القضية من رؤية ذات خصوصية معينة. "سقراط خلق طموحا لهذا باشراك الناس بمحادثات للتحقق من اساس عقائدهم. عبر توجيه خط من التحقيق، كان النقاش في العقائد عرضة للتمحيص واصبح يُنظر اليه كمأزق بحاجة للاختبار. "في عرضه لنسخته الاصلية في الجدال الكوسمولوجي، يشير افلاطون في (القوانين) ان الاشياء في الكون تتحرك وتتغير"، غير ان الحركة او التغيير في شيء ما، ينشأ بفعل حركة او تغيير في شيء آخر يؤثر عليه. ولكي ننهي هذه السلسلة من الاسباب نحن يجب ان نتصور ان الحركة او التغيير انما تنشأ من محرك ذاتي اصلي. افلاطون اعتقد ان هذا المحرك يجب ان يكون مصدرا للتغيير بكل ما حدث ويحدث. لاحظ افلاطون ان هناك ضرورة "لننهي سلسلة الاسباب". ربما يتصور المرء ان هذا هو نسخة اساسية لمنطق (ليبنز) بانه يجب ان يكون هناك سبب كافي لإنطلاق او لبداية السلسلة. لذلك، فان رؤية افلاطون اطلقت شرارة النقاش فيما اذا كان يتوجب قبول او رفض امكانية التراجع اللانهائي في العلل.
نقاشات المذهب السببي نجدها بارزة في عدد كبير من الاعمال الفلسفية. افتراض الضرورة حفز النقاد لعمل تحقيقات مكثفة بمثل هذه الحجج الدينية. (رسل) رفض لغة الحدوث contingence باتهامه الاستنتاج ينطوي على افتراض غير موجود في المقدمة. (هيوم) فحص الحجج المتعلقة "بالقفزات" اللامنطقية للمقدمة، ونظر بمدى مقبولية المسائل المتضادة بشأن الحجة الاصلية. هذه النقاشات الكوسمولوجية ضمن فلسفة الاديان الغربية كلها تأثرت بأعمال افلاطون.
توما الاكويني ايضا بنى على حجج افلاطون الكوسمولوجية، عبر افتراض الله الارامي في الايمان الكلاسيكي ككيان عظيم حكيم رحيم. هذا يختلف عن الافتراض الاصلي لأفلاطون بخالق مسؤول عن الخلق. الخالق جرى تصوره كموجد للنظام مقارنة باله ابراهيم الوارد في النصوص المقدسة. غير ان الاله لم يتم تصوره كخالق للكون من العدم وانما كصانع للمادة قبل الوجود. ايضا افلاطون نظر بحذر في مشكلة الشر في توضيح الاله. الخالق هو عظيم لكنه ليس رحيما. وفق طبيعة الله هذه فان الشر اذا كان موجودا، فهو لا يستطيع امتلاك كل من العظمة والرحمة. "دور الله محدود ببدء العملية التطورية". هذا مثال عن الجدال المعاصر الذي هو بوضوح تأثر بافلاطون ومع ذلك بقي جزءا مكملا للإستنتاجات العلمية الحالية.
رأى افلاطون بانه يجب ان يكون هناك مقياس للخيرية لكي نحدد الاله كمتسامح، واكد ان هناك مستوى للخيرية غير معتمد على الله. هذا اصبح الاساس لمعظم افكار افلاطون الاساسية المتطابقة مع فكرته عن الروح. نظرية الأشكال التي طغت على فلسفة الدين الغربية، تحاول توضيح معرفتنا الاخلاقية الفطرية.
هو يبدأ بمناقشة معنى الكلمات وهو التكتيك الشائع الذي اكتسبه من سقراط. افلاطون يؤكد اننا نمتلك فكرة تامة عن مواضيع معينة يمكننا ضمن الزمان والمكان التعبير عما تشبهه. الجمال، مثلا، يمكن نقله لأن الاشياء قد تشبه الجمال بطرق مختلفة. في (الفيدو)، هو يذكر محادثة يجادل فيها سقراط بان طبيعة المعرفة تبيّن ان الروح تسبق في وجودها تصور الجسد. هذا عُرف بحجة التذكّر حيث يعتبر افلاطون احاسيسنا الجسمية غير تامة ولذلك ليست مطّلعة تماما على الافكار التامة التي تترجمها الاشكال. في حوار (مينو) يحاول سقراط اظهار هذا الجدال باستعمال الولد العبد الذي ليس لديه معرفة سابقة بالهندسة. "افلاطون يكشف ان هناك احساس فيه السائل يعرف ولا يعرف ما يبحث عنه ". هذا اصبح يعرف بـ "مازق مينو".
افلاطون استخدم هذا الجدال كأساس لعقيدته في الأشكال. هو اكد اننا لا نستطيع اكتساب المعرفة بالحقائق المجردة من تجارب الاحاسيس الجسمية، وان معرفتنا السابقة للوجود بالأشكال هي التي تسمح لنا للتحقق من طبيعتها في المقام الاول. افلاطون وصفها بـ "الحيازة الفطرية" التي لهذا السبب تشكل روحنا السابقة في الوجود على الاجسام. افلاطون ايضا يضيف بان افتراض السابق في الوجود هو الذي يفتح التحقيق في ما بعد الوجود. خلود الروح يشير الى ان الخالق اعطى الحياة للكائن البشري لهدف أعظم." ان الروح عندما تنفصل عن البدن فهي تتحرر من امراض الانسان وتعيش في سعادة عظيمة لأنها لم تعد تفسر الاشكال من خلال احاسيس ناقصة. خلود الروح قد يكون نتيجة لخصوصيتها الفطرية غير القابلة للتحطيم. انها لا تعتمد على مغفرة الله ولا على اي صفات اخلاقية او دينية للروح. هذه كانت مسالة اساسية في النقاش الذي منه انطلق مازق ايوثيفرو. المأزق سعى لتحدي نظرية الاوامر الالهية وتساءل ما اذا كانت هناك اي نوايا روحية للخالق.
ان مازق ايوثيفرو يستجوب طبيعة العلاقة بين الله و"شكل" الاخلاق. سقراط يسأل ايوثيفرو "ما هي القداسة؟" وسؤال واحد مهم يبرز هنا : "هل ان الفعل جيد اخلاقيا لان الله امر به ام ان الله امر به لانه جيد اخلاقيا؟". وفق نظرية الاوامر الالهية، الفلاسفة اعتبروا ان لا شيء هناك كافي لتأسيس الاخلاق عليه، وان وجود الشر يتضمن ان الله قد يأمر كل الافعال الأخلاقية (حتى القتل) لتكون جيدة اخلاقيا لأنه قوة عظمى. سقراط اعترف ان الخير الاخلاقي لا يمكن ان يكون من اوامر الالهة لأنهم يتصارعون ويتنازعون ويسرقون الزوجات من بعضهم. الموقف الذي تم التوصل اليه هو ان اوامرهم المختلفة لا يمكن ان تكون جيدة اخلاقيا. هذا اعطى قوة لنظرية افلاطون في المستوى المستقل للخيرية. " الاشكال لا يمكن ابدا رؤيتها في هذا العالم، طالما انها دائمة ومفاهيم ثابتة لا تتغير- العدالة الحقيقة الجمال والخيرية- التي اعتقد افلاطون اننا نمتلك اعجاب فطري بها حتى لو كنا لا نعرف ابدا مثالا تاما عنها. الاشياء ضمن العالم الفيزيقي تتغير دائما ولذلك هي ليست مصدرا لمعرفة الحقيقة. خبرتنا تعتمد على ما تفسره حواسنا وحواسنا ليست تامة.
في التطبيق المسيحي، كان جدال توما الاكويني متأثرا بوضوح بنظرية الاشكال. يشير الاكويني الى الحاجة الى أعلى مصدر للخيرية والحقيقة والرفعة، والتي اشار لها بـ الله. فمثلا، الشيء الذي يقال (أسخن) هو منسجم مع المقارنة بما هو (الاشد حرارة)، ان المقياس المستقل الذي تحقق منه افلاطون في هذه الحالة يجب ان يكون الحرارة. وللمقارنة البسيطة، حواسنا ستكون اشبه بمقياس الحرارة والذي هو ليس قياسا دقيقا. نظرية الاشكال كانت مؤثرة جدا في تطوير افكار حول الخيرية والواقع. السجناء في قصة الكهف سيكونون مستعدين لقبول ما يتصورونه كواقع حقيقي، وسوف لن يكونوا قادرين على فهم الشكل المطلق والحقيقي للخير. افلاطون جادل باننا سنرتكب فقط الفعل السيء لاننا لا نعرف الاحسن. غير ان افلاطون في النهاية سيكون صائبا فيما يتعلق بالتصور حينما نقوم بالفعل دون ان نكون واعين تماما بنتائجه. فكرة افلاطون عن الروح تضمنت مفهوما يتطابق مع ثقافة اليونان القديمة. كانت هناك سلفا فكرة ثنائية بان الانسان مركب من عنصرين متميزين الروح والجسم. وهي ايضا جاءت ضمن الميثولوجيا اليونانية في امكانية وجود الاشباح المؤقتة في عالم تحت الارض. وفي كتاب الجمهورية اكد سقراط ان جميع البشر سيتمتعون بحياة بعد الموت. اليونان القديمة لم تفترض مسبقا اي حياة بعد الموت حيث كان الاعتقاد ان الخلود يعود لآلهة الاولمب. اما افلاطون اعتبر الروح هوية كل فرد منا. فهو يوضح بان الروح يجب ان تنفصل عن الجسم اذا اريد لأي شيء يتبقى منا لأن الجسم المادي لن يبقى بعد الموت.
سايكولوجيا، سقراط وافلاطون ربما صاغا هذه العقائد التي اعجبتهما بسبب عدم مقدرة الانسان لتقبل او فهم فكرة الموت. هذه العقيدة هي ايضا جاءت ضمن المسيحية واديان اخرى وهي ربما تنطلق من طبيعتنا في حب الاجتماع مع الاخرين. المرء قد يتقبل العقيدة باننا سنجتمع مرة اخرى مع من نحب في الجنة ونعيش حياة الخلود. في كل من (فيدو) و(الابولوجي)، من الواضح ان سقراط يعتقد تماما بالوجود المستمر لدرجة هو لم يخش او يستاء من الموت. الروح بالنسبة الى افلاطون ليست دائما تامة فهي "سُجنت في الجسم وتلوثت به". اعتبر افلاطون الاعتناء بالروح هي المهمة الاساسية في الحياة. الفرد يجب ان يعتني بالروح من خلال السيطرة الذاتية على الرغبات الجسمية. عندما نخضع للحوافز غير الرشيدة للرغبات الجسمية ستكون هناك مخاطرة في الإضرار بالروح. افلاطون يؤكد ان الفرد عندما يقوم بعمل خاطئ فهو يؤذي نفسه اكثر مما يؤذي الآخرين عبر الإضرار بروحه. "المسيحيون الزاهدون استخدموا افكار افلاطون في وصف الجسم كشيء شرير بذاته يجب قمعه والتغلب عليه". افكار افلاطون حول الروح جوبهت من البعض بالرفض لانها تعتمد على رؤية للعلاقة بين الروح والجسد اُعتبرت شديدة التجريد. العديد من الفلاسفة تبنّوا اتجاها اكثر عملية ينظر من زاوية سايكولوجية في فحص مدى معقولية مرشد اخلاقي فطري، لأن المضامين تتباين بوضوح. فرويد اعتبر الاخلاق تُكتسب فقط من الظروف الاجتماعية من خلال التأثير والتطوير. هذا سيكون مسؤولا عن الاختلافات في الاخلاق التي نسبها افلاطون الى الحواس غير التامة لأن التجارب والتأثيرات هي فردية وشخصية.
الافكار حول الله ضمن فلسفة الاديان الغربية يمكن القول انها تطورت من تأثير فرعين اساسيين ضمن فلسفة الاغريق القديمة وهما افلاطون وارسطو والايبيقورية (المفهوم المسيحي لله لم يظهر مباشرة في تفكير هذين الفيلسوفين لكن الاسئلة الاساسية التي عالجاها كانت مؤثرة جدا ووضعت الأجندة للعديد من النقاشات اللاحقة). افلاطون هو من بين المفكرين القلائل الذين باستمرار جرت الاشارة الى اعماله الاصلية. هذا يعود الى الاصالة والعبقرية التي تميزت بها اعماله. افلاطون تبنّى طريقة سقراط في عرض الجدال على شكل حوارات.
في الواقع ان بعض الحوارات هي فقط تكيفات بسيطة لشخصية سقراط ولنقاشاته الحقيقية التي حدثت بين سقراط وزملائه. من المعقول الافتراض ان افلاطون كان يشجع افكار سقراط وطرقه وخطه في الاستجواب. وان افلاطون اراد بسط شهرة المعلم الذي ادّعى عدم المعرفة باي شيء. من الصعب التمييز بين سقراط وافلاطون، غير ان افلاطون في صياغة عمله يكون قد اخترع بكفاءة موضوع الفلسفة. هذا بسبب ان سقراط لم يكتب اي شيء على الورق وان ما سُجّل فقط مباشرة من الحوارات هو ذلك المتعلق بمحاكمته وبنهاية حياته. ولهذا فان اسس فلسفة الاديان الغربية برزت فقط من شخصية سقراط الناطقة ومن الظروف التي احاطت بوفاته والتي حفزت العديد من الاتباع بما فيهم افلاطون على الاستمرار في البحث عن الحقيقة. البعض اعتبر ان ما كتبه افلاطون على الورق حقق نفس التأثير الذي انجزه سقراط في الكلام حتى مع اختلاف المحتوى. وبالرغم من ان بعض اعمال افلاطون تعرضت للانتقاد بسبب طبيعتها التجريدية، لكنه لايزال مؤثرا رئيسيا في الفكر الفلسفي الغربي. المترجمون مثل افيروس هم ايضا ذوي اهمية كبيرة حين سمحوا لأعمال ارسطو وافلاطون لتكون متاحة في العالم الغربي واثارت نقاشات مستقبلية. وبالتالي، فان التأثير على مستقبل فلسفة الاديان سيستمر الى ما لا نهاية لأن الحوارات عملت كمدخل وكدعوة للقارئ للتفكير.
اضف تعليق